سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تسكن حديقة وتواجه الحياة بإرادةٍ وعزم

تقرير/ وفاء الشيخ –
روناهي/ قامشلو ـ دفعت المرأة السورية ثمناً باهظاً في ظل الحرب وتعرضت للتشريد والنزوح من مكان إلى آخر وعاشت الفقر والحرمان والألم، فلقد كانت الحرب في سوريا ولا تزال ظرفاً قاسياً، حملت معها كل أشكال التغيير الاقتصادي والاجتماعي، وكانت تجربة جديدة أغرقت المرأة السورية في تفاصيل لم تكن في الحسبان، فمنهنّ من استطعنّ مواجهة تلك الظروف، وأخريات اخترن السفر والتنقل من مكان لآخر.
بذلت المرأة كل ما تستطيع من قدرات لتواكب تلك التغييرات للتغلب عليها، وتعرضت للكثير من الانتهاكات بحقها كمرأة، ففقدت بيتها الذي كان مأواها الوحيد وتحتمي به، ولكن؛ على الرغم من صعوبة الظروف ما زالت المرأة السورية صامدة بإرادتها القوية وبكل شجاعة تصارع الحياة.
عائشة أحمد الدرويش؛ امرأة في الستين من عمرها، نزحت من منطقة الدرعية بمدينة الرقة بسبب مرتزقة داعش، وتركت خلفها منزلها المدمر ومسكنها الذي ترعرعت فيه منذ الصغر إلى تل علو في مدينة قامشلو، وسكنت عند أقاربها في البداية قبل أربع سنوات هي وابنتها العزباء التي ترفض الزواج لرعاية أمها المريضة، أما باقي أولادها فهم متزوجون ويقطنون خارج البلاد، ولا يقدمون المساعدة لها.
قالت عائشة بحسرة: “حتى في عيد الأضحى المبارك لم يتصلوا بي لتهنئتي بالعيد، لكن؛ لدي ابنتي أميرة التي عوضتني عن كل أولادي، بقينا في تل علو لبضعة أيام فقط لأننا لم نشعر بالراحة، ثم انتقلنا إلى معبدة، وكان وضعنا المادي سيئاً جداً، فبدأت ابنتي بالعمل، واستأجرنا منزلاً لمدة ثلاثة أشهر، وعلى الرغم من مرضي كنت أتحمل البقاء وحيدة لحين عودة ابنتي من العمل، لتطعمني وتعطيني الأدوية لأنني مصابة بمرض السكري منذ خمسة عشر عاماً، وفي أحد الأيام أصبح وضعي سيئاً جداً، وأصيبت قدمي  بـ (الغرغرينا)، فذهبت إلى الطبيب وقال لي أنه يجب بترها وإلا سأموت، وأصبحت أفكر من أين سأجلب المال لكي أجري العملية، وأجريت مكالمة مع أولادي طلباً للمساعدة، فاستجاب لي أحدهم وأرسل لي مبلغاً مالياً قدره مئة ألف ليرة، ولكن؛ للأسف لم يكن كافياً لإجراء العملية، ومن ثم اقترحت ابنتي أن ننادي في الجامع لعل وعسى أن يستجيب أحد إلينا ويساعدنا، ولأن أهل الخير دائماً موجودون، قدموا لي المال الكافي وقمت بإجراء العملية في مدينة ديرك، وعندما تعافيت وبعد بتر قدمي لم أعد قادرة على المشي، وأصبحت بحاجة لكرسي كي أتنقل عليه، فكانت لدي شاة واحدة، كنا نأكل من لبنها ونشرب من حليبها، فاضطررت لبيعها لأشتري كرسياً خاصاً بالعجزة، وصرت بعدها بحالة أفضل، كنت أحاول أن أخفِّف عن ابنتي قليلاً من تنقلي من مكان إلى آخر، لكن بعد ثلاثة أشهر قضيناها في مدينة معبدة، تم فصل ابنتي من الوظيفة، ولم يبق باليد حيلة إلا الانتقال إلى مدينة قامشلو، حيث تسكن ابنتي المتزوجة، فذهبنا وبقينا عندها مدة شهر، لكن الظروف كانت صعبة، وشعرت بأنني أصبحت عبئاً ثقيلاً عليها، وبعد التفكير لمدة طويلة بيني وبين نفسي، قررت الذهاب إلى زوجي الذي كان متزوجاً من امرأة ثانية، وبناءً أيضاً على طلب ابنتي العزباء، ذهبنا إلى مسكنه الصغير في حديقة الخليج، وهو عبارة عن غرفة محرس لا تكفي إلا لشخصين، لكننا كنا مجبرين على السكن فيها، لأنه لم يبق لنا سوى هذا المأوى، وكنت أعاني من مشاكل مستمرة مع زوجته الثانية، وكان زوجي الذي تركنا عندما نزحنا، يعاملها أفضل مني ويشتري لها ما تشاء”.
وتابعت عائشة: “كان أهل الخير في الحديقة يقدمون لي بعض المال، فتذهب ابنتي لتشتري لي الطعام، أما بالنسبة للأدوية فليس لدي المال الكافي لشرائها، كما أننا نعاني من الحر الشديد وبخاصةٍ في فترات النهار لعدم توفُّر الكهرباء، فتقوم ابنتي برش الماء من حولنا حتى يخفِّف الحر، ويقول القائمون على تجهيز الحديقة أنهم عند افتتاح قسم الألعاب الليلية فيها، وقدوم الأطفال الصغار للعب، سيتم تمديد الكهرباء فيها”.
وتمنت عائشة في ختام حديثها من المنظمات الإنسانية وأهل الخير مساعدتها.
ومن جهتها حدثتنا أميرة الدرويش ابنة عائشة قائلةً: “أمي هي كل شيء لدي، ولن أتركها وسأعتني بها حتى آخر عمري، وعلى الرغم من كل ما تعرضت له من أوجاع وآلام، أحاول التخفيف عنها والوقوف بجانبها، وأنا الآن أبحث عن عمل هنا في قامشلو، يكون قريباً من مسكننا، لأستطيع أن أقدم كل ما تحتاجه والدتي، فلا يوجد شخص يستحق العناية مثل الأم لأنها مصدر الحنان والمحبة”.
وتابعت أميرة: “أتمنى العودة إلى مدينتنا الرقة، وأن يعود السلام والأمان إلى بلادنا”.