سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تسعة أعوام على مجزرة كوباني.. ومطالبة ذوي الشهداء بمحاسبة مرتكبيها

كوباني/ سلافا أحمد ـ

سجل فجر الخامس والعشرين من شهر حزيران 2015، تاريخاً عصيباً عاشته مدينة كوباني وقرية برخ باتان، حيث استيقظ الأهالي على الصرخات والدماء والموت.
استيقظت مدينة كوباني وقرية “برخ باتان” الواقعة جنوب المدينة بنحو 27 كيلو متراً على وقع فجر دموي، حيث تسللت عناصر مرتزقة داعش يستقلون 12 سيارة عسكرية (ثمانٍ منها إلى كوباني وأربع إلى برخ باتان)، للقيام بجرائم قتل عشوائية للمدنيين من أطفال وشيوخ ونساء ممْن يصادفونهم صغيراً كان أم كبيراً، فقد مرت تسعة أعوام على مجزرة كوباني الوحشية، ولا زال ذوو الشهداء يطالبون بمحاسبة ومعاقبة الجناة.
ثاني أكبر مجزرة  
لقد وصلت أربع سيارات تستقلها عناصر داعش إلى قرية برخ باتان، وثمانٍ إلى مركز مدينة كوباني، متنكرين بزي الجيش الحر، ووحدات حماية الشعب، فتسللت العناصر إلى المناطق الاستراتيجية، مثل، حي مكتل، وكاني كردان، وحي الجمارك القريب من الحدود الفاصلة بين باكور كردستان وروج آفا، وحي بوطان غربي وشرقي، وحي كانيا مرشدا، والعديد من المناطق الأخرى، وذلك في فجر الخامس والعشرين من شهر حزيران 2015. وأحدثوا مجزرة كوباني وبرخ باتان، اللتين راح ضحيتهما 526 شخصاً مدنياً بين قتيل وجريح، منهم 253 شهيداً، و273 جريحاً، إلى جانب استشهاد 30 مقاتلاً من وحدات حماية الشعب والمرأة، وأعضاء قوى الأمن الداخلي (الأسايش) أثناء تصديهم للمرتزقة، في عمليات تطهير مدينة كوباني، وقرية برخ باتان من المرتزقة داعش الإرهابية، وقد عُدَّت هذه المجزرة ثاني أكبر مجزرة ارتكبها داعش في سوريا بعد هجمات الإبادة على شنكال، حيث استشهد 37 طفلاً في المجزرة، وكذلك 77 امرأة، بينهم ثلاث نساء حوامل، فيما تسببت تلك المجزرة بتيتم 93 طفلاً في كوباني، وبرخ باتان.
دماء الشهداء في كل ناحية 
لقد انتشرت الصرخات في كل مكان، وملأت شوارع المدينة الدماء، فقد مرت تسعة أعوام على تلك الواقعة المفجعة، ولا تزال تلك المشاهد الدموية عالقة في أذهان كل من عاش، وشاهد تلك المجزرة، والتي ستبقى راسخة في ذاكرة هذه المدينة، التي ناضلت وقاومت، ذلك الألم الذي عاشه هؤلاء المدنيون، وتتجدد تلك المشاهد المروعة كلما يزورون أضرحة الشهداء ليستذكروهم في الـخامس والعشرين من حزيران من كل عام، فلازالت تلك المشاهد الموجعة خالدة في الذاكرة، وكأنها حدثت في الأمس.
وقد شاهد شهود كثر تلك المجزرة المروعة، التي قامت بها مرتزقة داعش، فارتكبت أفظع الجرائم، وكانت من بين الشهود الشابة “حليمة حسين“، التي فقدت والدها وشقيقها، واثنين من أقربائها في المجزرة، عندما فجّرت مرتزقة داعش سيارة مفخخة في معبر مرشد بينار الحدودي، قرب منزلها من البوابة الحدودية.
وقد سردت الشابة “حليمة حسين”، لصحيفتنا “روناهي”، أحداث تلك المجزرة لتعيد بذاكرتها أدق التفاصيل والحزن يكسو ملامح وجهها: “في الساعة الخامسة صباحاً، استيقظنا على أصوات إطلاق رصاص في المدينة، والضجيج ملأ المدينة، وكان الجميع يستفسر عن مصدر تلك الأصوات، حيث كان يتوقع البعض بأن وحدات حماية المرأة والشعب قد حررتا مدينة صرين من مرتزقة داعش ويحتفلون بذلك، وما إن مرت دقائق معدودة، حتى سمعنا صوت دوي انفجار قوي هز كيان المدينة بأكملها، فخرجنا مسرعين لمعرفة مصدرها”.
فقدان الوالد والشقيق
وتابعت حليمة: “كنا حينها نائمين على سطح منزلنا الكائن بالقرب من البوابة الحدودية الفاصلة بين باكور كردستان وكوباني، لقد هرعنا جميعنا للخروج لمعرفة مصدر الصوت، وأثناء نزولي إلى داخل منزلي، رأيت شخصاً مصاباً بداخل منزلنا وهو يصارع الموت، لم أتعرف عليه، بسبب إصابته، لأعلم بعدها بأنه كان صهر عمتي الذي كان زائرنا لمنزلنا”.
وأشارت حلمية، إلى أن والدها محمود كان عاملاً في بوابة معبر مرشد بينار الحدودي الفاصل بين باكور كردستان وكوباني: “وعقب المجزرة في كوباني، دخلت سيارة مفخخة من جهة تركيا متوجهة إلى معبر كوباني، ففُجّر المعبر، وأثناء رؤية والدي ومن معه السيارة المفخخة متجهة نحو البوابة، أسرعوا لإغلاق البوابة لمنعها من العبور، لكن السيارة فُجِّرت في البوابة”.
وأضافت، بأنها عقب سماع ذوي الانفجار هرعت مسرعة للبحث عن والدها، فخرجت إلى الباب، والدخان كان يملأ كل مكان، لقد كان المصابان ملقيين على الأرض، “كنت أسأل الجميع عن والدي، فلا أحد كان يجاوبني، وقد صادفت رجلاً كان يرتدي زي وحدات حماية الشعب، أمسكت بيديه وبكيت، وسألته عن والدي، نظر إلي بنظرة وحشية ورماني على الأرض، فلم أدرك معنى تلك النظرة، فقط كنت أود رؤية والدي بخير، لقد قمت من الأرض مسرعة، وأكملت بحثي، فعرفت أن والدي قد استشهد، رأيته ملقى على الأرض، كان جثمانه مغطى ببطانية، ارتميت فوقه، لكنهم سحبوني إلى الخلف، لم يسمحوا لي برؤيته؛ لأنني كنت صغيرة، حيث كان مشوهاً بالكامل”.
وأكملت: “وعلمت فيما بعد، بأن ذاك الشخص الذي كان يرتدي زي وحدات حماية الشعب، كان مرتزقاً أتى ليتأكد أن العملية الإرهابية قد نجحت”.
وواصلت حليمة حديثها والدموع تنهمر: “وبحثنا عن شقيقي نوري الذي كان يبلغ من العمر 12 عاماً، فلم نجده، ثم علمنا بنبأ استشهاده بعد ثلاثة أيام، كان جثمانه أيضاً تشوه كثيراً في انفجار السيارة، حتى أننا لم نرَ جثمانه، فبعد أيام دلونا على قبره”.
مخططات داعش الإرهابي
وعن مخططات داعش الإرهابية بارتكابها مجزرة كوباني، أوضحت حليمة حسين، أن “الهدف كان إعادة احتلال كوباني من خلال الاستيلاء على المعبر الحدودي مع باكور كردستان واحتلال الأماكن العالية والاستراتيجية في المدينة، لاستهداف كل من تراهم أعينهم، ليرفعوا حصيلة المجزرة إلى أكبر عدد ممكن”.
“بمحاسبة المحتل التركي ستنتهي الجرائم بحق السوريين” 
وحمّلت حليمة، دولة المحتل التركي وزعيمها أردوغان الفاشي، مسؤولية ارتكاب المجزرة، مشيرةً، إلى أن زعيم الفاشية أردوغان يبني سياساته على إبادة الكرد، مستنكرةً، صمت المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية، وغضها الطرف عن جرائم الاحتلال التركي، وما يرتكبه من مجازر بحق شعوب المنطقة عامةً، والكرد بشكلٍ خاص.
وشددت حليمة حسين في ختام حديثها على ضرورة وضع حدٍ للانتهاكات التركية الإرهابية: “المحتل التركي، هو الفاعل الأساسي لهذه الجرائم والانتهاكات في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا. لذا؛ يقع على المجتمع الدولي القيام بواجبه تجاه شعبنا، الذي ضحى بأغلى ما لديه في سبيل حماية العالم أجمع من إرهاب داعش بأكمل وجه، ووضع حدٍ للانتهاكات التركية، وبمحاسبتها على جرائمها بحق شعبنا، والتعاون مع قواتنا (قسد) لمحاكمة تلك المرتزقة الإرهابية بمحكمة عادلة، وتعيد حقوقنا على هذه الرقعة المقدسة”.
 يذكر، أنه وفق المعلومات التي انتشرت آنذاك، عن آلية وصول المرتزقة إلى كوباني، والتي تُشير إلى تسللهم من مدينة صرين، التي كانت محور الهجمات من مرتزقة داعش وتصدي وحدات حماية الشعب والمرأة وغرفة بركان الفرات لها حينها، والهدف من ارتكاب المجزرة زعزعة الأمن والاستقرار، التي كانت تعيشهما المنطقة بعد كسر شوكة مرتزقة داعش في مدينة كوباني، ومحاولة كسر خطوط الدفاع الخلفية.