سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تركيا الإمبريالية تستعد للحرب

جهاد عودة

نشرت وسائل إعلام تركية النص الكامل لمذكرة التفاهم المبرمة بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية بشأن التعاون الأمني والعسكري، وتؤكد أنقرة وطرابلس، وفقاً لنص المذكرة، التي تلقت رئاسة البرلمان التركي مقترح قانون للمصادقة عليها، التزامهما بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وأخذ مذكرة التفاهم في مجال التدريب العسكري الموقعة بينهما في الرابع من نيسان عام 2012 بعين الاعتبار. الطرفان أكدا على أن التعاون في مختلف المجالات الأمنية والعسكرية سيكون على أساس الاحترام المتبادل للسيادة والمساواة، وبما يساهم في خدمة المصالح المشتركة والقدرة الاقتصادية لهما، وأعربت تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية عن رغبتهما في تطوير علاقات الصداقة التاريخية بين البلدين على أسس القوانين الوطنية والضوابط والاتفاقيات الدولية.
وتنص الوثيقة على تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين الجانبين والذي يشمل إجراءات ومجالات عدة بينها:
1ـ دعم إنشاء قوة الاستجابة السريعة التي من ضمن مسؤولية الأمن والجيش في ليبيا، لنقل الخبرات والدعم التدريبي والاستشاري والتخطيطي والمعدات من الجانب التركي.
2ـ إنشاء مكتب مشترك في ليبيا عند الطلب للتعاون في مجالات الأمن والدفاع (بعدد كافي من الخبراء والموظفين).
 3ـ توفير التدريب، المعلومات التقنية، الدعم، التطوير، الصيانة، التصليح، الاسترجاع، التخلص، ودعم وتقديم المشورة وتحديد الآليات، المعدات والأسلحة البرية والبحرية والجوية، والمباني والعقارات (مراكز التدريب)، بشرط أن يحتفظ المالك بها.
 4ـ تقديم خدمات تدريبية واستشارية تتعلق بالتخطيط العسكري ونقل الخبرات واستخدام نشاطات التعليم والتدريب ونظم الأسلحة والمعدات في مجال نشاطات القوات البرية \ البحرية \ الجوية المتواجدة ضمن القوات المسلحة داخل حدود الطرفين بدعوة من الطرف المستقبل.
 5ـ التدريب والتعليم الأمني العسكري.
 6ـ المشاركة في التدريبات المشتركة أو المناورات المشتركة.
 7ـ الصناعة الخاصة بالأمن والدفاع.
8ـ الهياكل التنظيمية للشرطة والقوات المسلحة والأمنية، بناء وتجهيز الشرطة والوحدات العسكرية والأمنية وإدارة الموظفين.
9ـ التعاون في المجال الاستخباراتي والعملياتي.
وثيقة التفاهم تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي
وتشمل طرق تنفيذ بنود الاتفاق تبادل الأسلحة والمعدات العسكرية بين البلدين مع تبادل المعلومات الاستخباراتية حول “تهديدات الأمن الوطني التي تستهدف الطرفين” و”التطورات الأمنية الإقليمية ذات الاهتمام المشترك للطرفين”، وأبرمت تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية مذكرتي تفاهم حول التعاون الأمني والعسكري وتحديد الصلاحيات البحرية في أنقرة، يوم 27 تشرين الثاني، وأثار هذا الإجراء معارضة شرسة من قبل سلطات شرق ليبيا إضافة إلى مصر واليونان وقبرص لتهديده الاستقرار الإقليمي ومبدأ حسن الجوار. وقد أدى ذلك إلى التوتر بين تركيا والدول الغربية وبعض الدول العربية، استمر حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في الترويج بقوة ليس فقط لمصالحه الاقتصادية ولكن أيضًا السياسية والعسكرية بشكل كبير في سوريا وقطر، مما أدى إلى مواجهة أزمة اقتصادية هائلة، نسبت السياسة الخارجية الحازمة لتركيا إلى أن حزب العدالة والتنمية لديه نظرة ” عثمانية جديدة ” أو ” إسلامية متشددة، ومع ذلك فقد مر ما يقرب من قرن من الزمن منذ أن تم نقل الإمبراطورية العثمانية ونظامها القديم إلى كتب التاريخ.
في الواقع، ما كان حزب العدالة والتنمية يحكمه هو في الأساس دولة رأسمالية محبطة وفقًا للنظرية الماركسية، فإن عملية تراكم رأس المال، وإنشاء وتخصيص فائض القيمة في شكل نقود وبضائع وسلع أساسية وعمليات إنتاج وأرض تؤدي إلى مالكي رأس المال (الشركات والشركات والبنوك والوكالات العقارية وما إلى ذلك) للتنافس على خلق وتناسب المزيد من الفائض في أشكال الربح والفائدة والإيجار، تؤدي هذه المنافسة إلى تطور غير متساوٍ على نطاق عالمي، وبالتالي، هيمنة وإخضاع البلدان المحيطية من قبل البلدان الإمبريالية، تحمي البلدان الطرفية تراكم رأس المال المحلي من خلال تطوير علاقات التبعية تجاه البلدان الإمبريالية. وبهذه الطريقة، يمكن لبلد هامشي أن يحاول تخصيص فائض أكبر على نطاق إقليمي من خلال السيطرة على البلدان الطرفية الأخرى وإخضاعها، ومع ذلك، يمكن أن يلائم هذا الفائض فقط بمستويات تابعة للدول الإمبريالية. من أجل الحفاظ على هذا الهيكل الاقتصادي الهرمي، يحاول البلد المحيطي السيطرة السياسية والعسكرية على نطاق إقليمي كتركيا مثلاً، أثناء القيام بذلك، فإنه يحافظ على استقلاله النسبي في مواجهة الدول الإمبريالية، يمكن أن تؤدي هذه المحاولة إلى تنافس جيوسياسي ومنافسة اقتصادية بين وبين الدولة المعينة، والبلدان المحيطية الإقليمية الأخرى.
تركيا من صفر مشاكل إلى عقدة المشاكل
يمكن اعتبار تركيا بلدًا هامشيًا، حيث اعتمد تراكم رأس المال على استيراد السلع الرأسمالية (مثل الآلات) والسلع الوسيطة (مثل قطع غيار السيارات) والتكنولوجيا، لا سيما من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما عزز علاقات تركيا المعتمدة مع الدول الغربية بالتزام تركيا الاقتصادي والسياسي والعسكري بالكتلة الغربية، على سبيل المثال التزامها بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وحلف الناتو وعملية الانضمام للاتحاد الأوروبي. في الثمانينيات، بدأت الشركات التركية في التوسع على نطاق إقليمي، لقد أدى هذا التوسع إلى تعميق العلاقات السياسية والعسكرية بين تركيا ودول المنطقة في البداية. واصل حزب العدالة والتنمية تشجيع توسع الشركات التركية خاصة في منطقة الشرق الأوسط ابتداء من عام 2000، لهذا الهدف عزز حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، اتفاقيات التجارة الحرة بشكل كبير مع تونس والمغرب ومصر وسوريا. وجدت الشركات التركية العاملة في القطاعات كثيفة العمالة، بأن منطقة الشرق الأوسط، حيث الأيدي العاملة الرخيصة يجب أن تنطلق منها كمساحات مثالية للتوسع. علاوة على ذلك استخدم حزب العدالة والتنمية المساعدات الأجنبية، مثل المواد الغذائية والإمدادات الطبية، كوسيلة لدعم التوسع في الشركات التركية، لا سيما في لبنان واليمن وسوريا وفلسطين وليبيا. مع ذلك عززت علاقات التبعية بين تركيا والخصوم الإقليميين، طورت تركيا بشكل كبير علاقاتها مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في شكل استيراد للسلع الوسيطة (مثل الألمونيوم غير المعالج والزيوت البترولية ومنتجات شبه الحديد / الصلب والبولي بروبيلين غير المعالج.
ولكن وبعد كل ما جرى وبعد اندلاع الأحداث في سوريا أصبحت تركيا تروج للإخوان المسلمين، فتحالفت في البداية مع الولايات المتحدة ودول الخليج ودعت إلى الإطاحة ببشار الأسد، وساهمت حزب العدالة والتنمية مع بعض دول الخليج في توفير الأسلحة والعلاج الطبي والمأوى للمجموعات المرتزقة ومن بينهم داعش، حيث أصبحت تركيا بوابة العبور الرئيسية للوصول إلى سوريا ومن ثم العراق. كان حزب العدالة والتنمية في بعض الأحيان يذهب إلى أبعد من ذلك في استفزاز روسيا، كما كان الحال مع سقوط الطائرة النفاثة الروسية؛ ولكن لم تجرِ رياح تركيا كما اشتهت، وعملية التفاوض اللاحقة بين روسيا والولايات المتحدة وضعت تركيا في موقف صعب للغاية. ومع ذلك فإن الحوار الأخير بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية بشأن دور تركيا في المستقبل في سوريا في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية يشير إلى أن تركيا، كعضو في الناتو، مستعدة للقيام بدور التعاقد في الخفاء مع الإمبريالية الأمريكية، في الواقع يوجد لتركيا بالفعل وجود عسكري في شمال سوريا بالتحالف مع المجموعات السورية المرتزقة أو ما تسمى الجيش الوطني السوري، الذي يتم استخدامه لتحقيق الأجندات التركية في المنطقة.
تركيا أصبحت دولة مصالح واحتلال في المنطقة
عززت تناقضات العلاقات الاقتصادية والسياسية التي تقدم بها حزب العدالة والتنمية في الشرق الأوسط تناقضات العلاقات العسكرية مع كل من دول الغرب والشرق الأوسط، تعد العلاقات التركية مع دول الخليج مثالًا هامًا، من ناحية عزز حزب العدالة والتنمية الصناعة العسكرية، والتدريب العسكري، والتعاون الأمني مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، التي أصبحت اثنين من أكبر ثلاثة مستوردين للأسلحة من تركيا بحلول عام 2017. من ناحية أخرى، تحالف حزب العدالة والتنمية مع قطر، حيث قدمت تركيا قاعدة عسكرية خارجية في عام 2015، ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتي قطعت العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر في عام 2017 نتيجة لعلاقاتها مع إيران والإخوان المسلمين. بينما دعمت الولايات المتحدة السعودية والإمارات العربية المتحدة، وعد حزب العدالة والتنمية بذلك زيادة قواتها على القاعدة العسكرية التركية في الدوحة، فساءت علاقات تركيا مع هذه الدول ما أدى إلى القطيعة، فقد عزز العلاقات العسكرية مع الصومال والسودان إلى جانب قطر في محاولة لكسب الوقت حتى يتمكن من الحصول على دور مهم في البحر الأحمر وخليج عدن، ولكن الانقلاب على البشير نسف المخططات التركية في تلك المنطقة.
في الختام سعت السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية في الشرق الأوسط إلى تعزيز المصالح الاقتصادية للشركات التركية بينما تهدف إلى الهيمنة السياسية والعسكرية والاحتلال في المنطقة، لقد أثارت هذه المحاولة منافسة اقتصادية وجيوسياسية بين تركيا ودول الغرب والشرق الأوسط، إنه أمر مشكوك فيه، وهنا السؤال إلى أي مدى سيكون حزب العدالة والتنمية قادرًا على تحمل مثل هذه الأعباء الكبيرة، وبخاصة أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها، ستؤثر بشكل سلبى كبير على التجارة الخارجية والداخلية التركية، والانفاق الحكومي على المساعي السياسية والعسكرية، حيث يجري الحديث الآن على فرض العقوبات الأمريكية عليها، وعندها هل ستصمد حكومة العدالة والتنمية أمام السيل الجارف الذي قد ينهي كل شيء.