تبادل الأطباق الرمضانية.. طقس مجتمعي يحض على الألفة والمواساة في الأوضاع الاقتصادية الصعبة

كروب روناهي_

ما إن تتوقف الحركة ترقباً لأذان المغرب في شهر رمضان المبارك؛ حتى يظهر أطفالٌ ونساءٌ يحملون أطباقاً، ويتنقلون على عجل بين المنازل، في عادة رمضانيّة يتمسك بها الأهالي رغم الأزمة المعيشية.

عطاء متبادل

تبادل الأطباق الرمضانية طقس مجتمعي سائد بمناطقنا، حيث يقرنه الأهالي بقدوم الشهر الفضيل (رمضان المبارك)، وفيه تمنح كل أسرة الأسرة الأخرى من جيرانها جزءاً من طبقها الرئيسي، في حين ترد الأخرى بعطاء مماثل، فيما يكون الأطفال والنساء هم مندوبو التوصيل، فتتنوع المائدة بأنواع عدة من المأكولات، في صورة تآلف مجتمعي محبوب.

ورغم أن هذا التقليد الذي ينم عن التكافل المجتمعي؛ فإن له أثراً اقتصادياً أيضاً، إذ تكتفي الأسرة بطبخ طبق رئيسي بدلاً عن أطباق عدة، الأمر الذي يوفر على الأسر الفقيرة في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية في تأمين بعض الطعام، فوصل سعر كيلو الفروج، وهو طبق رئيسي على مائدة رمضان ما يقارب 40 ألف ليرة سورية، فيما ارتفعت أسعار الخضروات والمواد الاستهلاكية بشكلٍ كبيرٍ يفوق قدرة أغلب الأسر على تأمينها، وقد تقلل من كمياتها.

رغم الحاجة يقدمون ولو بالقليل

ولا تقتصر هذه العادة على الأغنياء، بل يشارك فيها الجميع، حيث يبين الشاب محمد الأحمد من أهالي عين عيسى أن له جاراً يعيش ظروفاً صعبة؛ لأنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا يستطيع إعالة أسرته، إذ تضطر العائلة للطبخ على نار الحطب بدلاً عن الغاز المنزلي، الذي يصعب على الأسرة تأمينه، وبالرغم من هذه المعاناة التي يعيشها: “لكنه لا ينفك عن تبادل الأطعمة، والأطباق معنا، ولا يقتصر تبادل الأطعمة في شهر رمضان بل يستمر طوال العام، وهذا ما يدل على كرم الأهالي وحسن المحافظة على الخير الدائم”.

وحسب “الأحمد”؛ “فإن التضامن تقليد دائم يحرص الأهالي على المشاركة فيه بأصناف من الأطباق التقليدية، وكلٌ يجود بما يملك، سواء كان فقيراً أو غنياً، ويجلب هذا التقليد الدفء والرحمة، فهذه الأطباق الدائرة بين المنازل ليست مجرد طعام، بل هي صورة عن الصمود بوجه نوائب الدهر ومصائبه”.

كما يشير الى أن هذه الأطباق لا تقتصر على الجيران والأقربين؛ فمن يسكن المنطقة حديثاً، أو القرى؛ يُفاجأ بأطفال يطرقون باب منزله في رمضان، أو في الأيام العادية لمشاركته طعامهم المرسل من ذويهم.

عادة رمضانية قديمة 

وكذلك الشأن في ناحية جل آغا، حيث تكثر هذه العادة الرمضانية الكريمة، مثل المناطق الأخرى فقبيل أذان المغرب بدقائق، يتبادل الجيران طعام السكبة من منزل لآخر تعبيرا عن مواساة الفقراء، وحفاظا على الموروث الجميل.

وقد أكدت المواطنة ميساء علي بأن سكبة رمضان عادة قديمة، ودليل على الألفة والمحبة، والكرم والمشاركة بين فئات المجتمع: “ليس بالضرورة أن يكون الطبق الذي تقدمه من أفخر أنواع الطعام، نقدم ما هو متوفر، في بعض الأحيان نتبادل التمر والخبز، ولكن من المهم ألا يمر يوم دون سكبة رمضان”.

وتعد عادة تبادل الأطباق بين الجيران عادة مجتمعية متعارف عليها بين الأهالي، وليست مقصورة على أناس بعينهم، بل يؤكد الجميع من خلالها على العطاء والتضامن وخاصة مع الوضع المعيشي الصعب، الذي يمر على أهالي المنطقة.

هل ستختفي هذه العادة بسبب الأزمة؟

نظراً للأوضاع المعيشية الصعبة التي تمر بها المنطقة فإن سكبة رمضان أصبحت عادة تكاد أن تنحسر وتغيب، وتصبح مقتصرة على ميسوري الحال، حسب ما يراه صالح محمود الحجي، من جل أغا: “نظراً للغلاء الكبير، قد تندثر هذه العادة في الأعوام القادمة، فارتفاع الأسعار، وخاصة أسعار اللحوم والفروج، وباقي السلع الغذائية تجعل سكبة رمضان دون المستوى؛ حتى يشارك الأهالي بعضهم هذه العادة المجتمعية النبيلة”.

فيما أصبح وجود هذه السكبة خجولاً في العديد من المناطق، وهذا ما أكدته المواطنة ياسمين أكرم من جل أغا: “ارتفعت أسعار السلع الغذائية كافة، هذا العام لا أُخرج سكبة رمضان مثل العام الفائت، لأن طبق الإفطار، الذي نعده يخلو من عدة مواد أساسية وفي مقدمتها اللحوم، ونعوضها بالتوابل والمرق، هذا الأمر يشعرني بالخجل لأقدم طبقاً رمضانياً متواضعاً، وليس بالمستوى الذي يمكنني تقديمه للغير، وفي حال أعددت طبقاً دسماً، أو وجبة كاملة أخرج منها سكبة للجيران”.

إلا أنه بغض النظر عن التغيير، الذي طرأ على سكبة رمضان من حيث الشكل، ولكن الجوهر لا يزال موجوداً، والرسالة التي يتم تبادلها أثناء تبادل الأطباق، هي رسائل سلام، والإحساس بالغير، إذ تجتمع في هذه السكب المحبة والتآلف وتقوية العلاقات بالجيران واتباع سنن الأنبياء، حيث أوصوا بالجيران وحسن المعاملة معهم، حتى جاء في الحديث الشريف، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به”.