سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

“تاغنجا الأمازيغية” تطلب الغيث.. طقوس شعبية تنتشر في قرى مغربية عدة في زمن الجفاف

عندما تمسك السماء عن الإمطار، وتتأخر في إنزال الغيث، يهرع عديد من المغاربة إلى أداء صلاة الاستسقاء طلباً لرحمة الله، لكن آخرين لا يزالون يتمسكون بطقوس شعبية ضاربة في القدم، لاستدرار الأمطار في زمن الجفاف.

 وعندما ينحبس المطر، ويهدد الجفاف المحاصيل الزراعية، تنبعث طقوس شعبية في عديد من القرى المغربية، لا سيما في جهات سوس الأمازيغية، حيث تخرج النساء والأطفال لممارسة طقوس احتفالية تعرف باسم “تاغنجا”، التي تعني المغرفة (أداة من خشب أو معدن تُغرف بها أنواع من الأطعمة)، أو “تاسليت أونزار”، التي تعني “عروس المطر”.

استدرار المطر

ويعيش المغرب توالي موجات الجفاف، وتأخر هطول الأمطار؛ ما يؤثر سلباً على القطاع الزراعي، علماً أن البلاد تعتمد أساساً على مداخيل الزراعة بشكل رئيس، إذ تسهم بـ 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي مجعل المغرب ينتهج وسائل عدة لمواجهة هذه الآفة.

وتفيد معطيات حكومية، أن المغرب يخطط لتوسيع برنامج البذر الاصطناعي لإحداث الأمطار، ويعني تلقيح السحب باستخدام الطائرات الموجهة، لتشمل مناطق جديدة بالبلاد، وذلك في أفق عام 2025، كما يدرس المغرب تشييد 16 محطة إضافية لتحلية مياه البحر، لمواجهة تداعيات الجفاف.

وتأخر هطول المطر في المغرب هذه السنة أيضاً، حيث إنه على الرغم من نزول قطرات مطرية متفرقة في بعض أنحاء البلاد، لكنها تظل ضعيفة ودون المستوى المطلوب، وهو ما جعل البعض يخشى تكرار موسم الجفاف كما حصل في السنوات الماضية.

وفي موازاة المخططات الحكومية لاستدرار المطر، ومواجهة تأخر نزول الغيث، تنتعش في مناطق أمازيغية عدة، طقوس شعبية لطلب المطر في زمن الجفاف وتأخر نزول الغيث، وتجري في أجواء احتفالية تمتزج بين ترديد أهازيج تراثية وشعبية، وإظهار الافتقار إلى ماء المطر.

ورغم تشابه مجمل هذه الطقوس في مناطق المغرب وحتى في بعض بلدان شمال أفريقيا، غير أنها تختلف في بعض تفاصيلها الاحتفالية من منطقة إلى أخرى، لكن الفكرة المحورية تظل ثابتة، وهي طلب الغيث في وقت الجفاف.

“السبولة عطشانة”

ترتكز فكرة طقوس “تاغنجا”، التي تعني بالأمازيغية المغرفة الخشبية، والتي ترمز إلى السقي، على طواف فتيات أو نساء وأطفال أيضاً بين دروب وأزقة الأحياء في القرى، حاملين معهم مغرفة مزينة بأثواب على شكل امرأة، مع ترديد أدعية بطلب الاستسقاء والمطر.

وتكمن الاختلافات البسيطة في طقوس “تاغنجا” في أنه في بعض المناطق مثلاً تجتمع النساء والأطفال حول وجبة مغربية شهيرة في محيط المساجد، لتناول هذه الأكلة المغربية الشهيرة، قبل أن يلقي بعضهم الماء على بعضهم الآخر، ويرفعون أعلاماً ودمية خشبية يسمونها “تاغنجا”.

ويردد الأطفال والفتيات صغيرات وكبيرات في السن أهازيج من قبيل “تاغنجا  تاغنجا… يا ربي تجيب الشتا”، و”السبولة عطشانة… غيثها يا مولانا”، ومعناها ابتهال لله بأن ينزل المطر، وأيضاً وصف السنبلة بالعطشى، التي تطلب الغيث من الله.

وفي مناطق أخرى يختلف شكل طقس “تاغنجا” في بعض التفاصيل، من قبيل تنظيم موكب مشكّل من الأطفال والنساء حاملين دمية يتم رشها بالماء من أعلى البيوت، كما يأخذون بعض الأعطيات والصدقات من السكان، والتي بها تتم إقامة وليمة جماعية بالقرب من نهر أو وادي، أو داخل بيدر للقمح، أو قرب ضريح أو مسجد.

وإذا كانت المغرفة الخشبية المزينة بأزياء عروس، هي الأداة الرئيسة في طقوس “تاغنجا” لطلب الغيث، فإنه في طقوس مشابهة يمكن تعويضها بقصبة أو بـ”طراحة”، وهي عصا خشبية طويلة تستخدم في طرح العجين داخل الفرن التقليدي.

وتقول الباحثة في التراث الشعبي المغربي، الزاهية أوعكيف، إن: “طقوس طلب المطر في مناطق سوس الأمازيغية على وجه الخصوص، تعود إلى ميثولوجيا قديمة في مرحلة ما قبل الإسلام، حيث كان الناس حينها يعتقدون بالأساطير، ومنها أسطورة أنزار، والتي تعني إله المطر”. وأضافت أن: “هذه الطقوس رغم تناقص انتشارها في المغرب نظراً إلى عوامل التحضر واندثار الفكر الطقوسي، فإنها لا تزال موجودة في قرى أمازيغية عدة وحتى في مناطق أخرى، هذه الطقوس تنحو أكثر نحو الفرجة والاستعراض في الاحتفاء بالماء باعتباره إكسير الحياة وعماد المعيش اليومي”.

أسطورة “ملك المطر”

من جانبه يقول الباحث والكاتب الأمازيغي أحمد عصيد، إن: “طقوس الاستمطار الأمازيغية في المغرب وبلدان شمال أفريقيا متماثلة إلى حد كبير، حيث تتمحور كلها حول طقس تاغنجا أي المغرفة، أو تاسليت أونزار أي عروس المطر”.

ويردف عصيد قائلاً: “يتمثل هذا الطقس الاحتفالي في كون الأطفال والفتيان والفتيات يصنعون عروساً من قصب يضعون فيها مغرفة ويزينونها بأنواع اللباس الملون، كما يضعون لها ملامح المرأة الجميلة، ثم يطوفون بها مرددين أناشيد الاستمطار التي تختلف من منطقة إلى أخرى لكنها تلتقي كلها في أنها عبارة عن ابتهال وتوسل إلى السماء وطلب المطر في ظروف الجفاف”.

وأثناء التجوال بـ”تاغنجا”، يكمل المتحدث، تلقي النساء الماء أو بعض الحبوب أو الفاكهة الجافة على “العروس الرمزية”، مبرزاً أن “المغرفة تاغنجا ترمز بالأساس إلى الخصب بحكم ارتباطها بالقدور وأطباق الأكل والطبخ، كما ترمز إلى الشبع والرفاهية”.

واستطرد عصيد بالقول إن: “الباحثين الأنثروبولوجيين تمكنوا من فك لغز تاغنجا وعروس المطر في التقاليد الأمازيغية، باكتشاف أسطورة عروس المطر التي كانت فتاة في غاية الجمال عشقها إله أو ملك المطر أنزار الذي أراد الزواج بها فرفضت، ما أدى إلى انقطاع المطر وجفاف الوديان ويبوس الأشجار والأعشاب بسبب غضب ملك المطر، الذي أدار خاتمه في إصبعه لينقلب الخصب إلى جفاف كامل، وهو ما اضطر الفتاة بالتالي إلى أن تهب نفسها قرباناً لإله المطر حتى يعود الخصب إلى بلدتها وأهلها”.

وختم عصيد حديثه، بأن “الأسطورة تصور أن هيئة العروس الجميلة تظهر في شكل قوس قزح بعد سقوط المطر وانبثاق الشمس، وهي الظاهرة التي تسمى في اللغة الأمازيغية تاسليت أو نزار أي عروس المطر أو عروس إله المطر أنزار”.

وكالات