سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

بين فكر السلطان عبد الحميد وعمر الدولة التركيّة

د. علي أبو الخير_

عمر الدولة التركيّة
قبل أن نكتب عن السلطان عبد الحميد الثاني، نبسّط تاريخ عمر دولة تركيا الحالية، ولا نقول تاريخ الشعب التركي، لأنه شعب ضارب في عمق الزمن، ولكن تركيا الحالية عمرها قصير في عمر الدول والشعوب، لا يتعدى الستمائة عام،  نعم أثّر الجنس التركي في التاريخ الإسلامي منذ خلافة المعتصم بالله العباسي، كانت أمه المسماة “ماردة” تركيّة الأصل وجارية لهارون الرشيد وأنجبت منه المعتصم، فاعتمد المعتصم على أخواله الأتراك، كما اعتمد المأمون على أخواله الفرس من قبل، واستغل الأتراك الفرصة فأسسوا الدولة السلجوقية عام 1037، ولكنها لم تصل إلى آسيا الصغرى أو بيزنطة واليونان القديمة، التي تمثل جغرافيا الدولة التركية اليوم، وبحسبة تاريخية، نجد أنه ومنذ وفاة المعتصم عام 842 وحتى عام 2024 يكون عمر الأتراك في التاريخ الإسلامي 1182 سنة.
أما تاريخ وجغرافيا الدولة التركية الحالية، يمكن اعتباره منذ فتح القسطنطينية عام 1453 وحتى عام 2024 يكون عمر الدولة التركية الحالية 567 سنة، ويمكن زيادة المدة، لنجعلها منذ تأسيس الدولة العثمانية عام 1326 وحتى عام 2024 يكون عمر الدولة التركية الجغرافية 696 سنة، فقط لا غير، وهو عمر قصير في تاريخ الدول والشعوب، ليس مثل مصر والكرد والشام والهند والصين والعراق وغيرهم، وهي الدول التي صنعت الجغرافيا فيها التاريخ، واستقرت الشعوب داخلها منذ آلاف السنين، ليس مثل الدولة التركية.
ومن ثمّ عندما يفتخر أردوغان برموز تركية، ذكر أمثال إلب أرسلان – ملك شاه – محمد الفاتح، وهم ينتمون للجنس التركي وليس للدولة التركية الحالية، وواضح عدم وجود علماء فلك وطب وكيمياء أو فقهاء أتراك عبر التاريخ، فليس بينهم عالم رياضي أو تاريخي أو فلسفي مؤثر، مثل ابن رشد وابن الهيثم والفارابي والرازي والغزالي، الفخر فقط للقيادات العسكرية، فالتاريخ التركي تاريخ عسكري فقط، فقام الأتراك بغزو أوروبا ولكنهم لم يستقروا فيها، ولم يستقر الإسلام نفسه، إلا في الدول التي عرفت الإسلام من قبل في البوسنة والهرسك وألبانيا.
سقوط خلافة العثمانيين
لا نغالي عندما ندّعي أن المسلمين ينظرون للخلافة على أنها من ضرورات الدين ومسلمات التدين، ثم يتباكون على سقوط الخلافة عام 1924، وكانت دهشة وحزن المسلمين طاغيين عندما سقطت خلافة آل عثمان، حتى رثاها أمير شعراء العربية أحمد شوقي قائلاً في قصيدته ضمن ما قال:
ضجت عليك مآذن ومنابر
وبكت عليك ممالك ونواح
الهند والهة ومصـر حزينة
تبكي عليك بمدمـع سحاح
والشام تسأل والعراق وفارس
أمُحا من الأرض الخلافة ماح؟
رغم أن الهند وفارس لم تكونا ضمن دولة الخلافة، ولكنها بلاغة أمير الشعراء التي تفوقت على حقائق التاريخ. إن توسع الدولة العثمانية بدأ بمذبحة سليم الأول عندما قتل أخوته وقتل المصريين، وانتهت بمذبحة الشام ومذبحة الأرمن بين عامي 1914 – 1924، وهو عام السقوط العثمانيـة، ولم تشذ الخلافة العثمانية عن أخواتها الأموية والعباسية، فقد توسعت في العالم العربي منذ عام 1517 عندما احتل سليم الأول مصر، وعلّق رؤوس المصريين السمراء على السوارى، ولم تنشر الدولة العثمانية الإسلام في أوروبا كما يكذب أنصارها المتأسلمون، كانت حروبها في المجمل حروباً للتوسع، فانتصرت على الأوروبيين واحتلت اليونان والنمسا والمجر وصربيا ثم انهزمت، ولكنها لم تنشر الإسلام في أوروبا، فهذا أمر لم يكن يعنيها، أما مسلمو البوسنة والهرسك وكوسوفا، فهم الذين أسلموا مبكراً ومعهم الأتراك الذين استوطنوا البلاد، وكان السلاطين يأخذون الجزية من الولايات العربية مسلمين ومسيحيين ويهود، وقال السلطان سليمان القانوني “إن أرض مصر ملكي وأهلها مزارعون عندي”، وطبقوا أفجر نظام زراعي وتمليكي وهو نظام الالتزام، ووصل الأمر أن يكتب الشيوخ في مصر للعوام تمائم وتعاويذ لإخلاء البيوت من النمل: “اللهم أخرج النمل من الدار كما أخرجت الرحمة من قلوب آل عثمان”، ويدعو المصريون: “يا رب يا متجلي إهلك العثمانلي”، فكان الشعب أقدر على فهم قسوة الخلافة أكثر من النخب والحكّام على السواء، ولكن هذا أمر يحتاج لكتابات أكثر.
السلطان عبد الحميد
كان لابد من كتابة هذه المقدمة عندما نتحدث عن السلطان الأشهر والأبرز عبد الحميد الثاني(تولى الحكم 33 سنة من 1876، وحتى 1909 عندما خُلع، ثم وُضع رهن الإقامة الجبريَّة حتّى وفاته عام 1918، وهو الأمر الذي يتخذ المتأسلمون منه دليلاً عن حتمية الخلافة، وأن الخلافة تمنع التدخّل الأجنبي، وكل هذا يسقط أمام حقائق التاريخ وهو قريب مدون، فقد ظهرت وشاعت كذبة كبرى تقول إن السلطان عبد الحميد تصدى للأطماع الصهيونية، وأن اليهود حاولوا رشوته لتثبيت ملكة في مقابل مساعدتهم لتأسيس دولتهم في فلسطين، وأنه رفض ذلك رفضاً تاماً، وهو قول مكذوب، وما حدث يكذب تلك الروايات المتأسلمة، فقد تفاوض السلطان عبد الحميد مع اليهود، وهو أول من سمح بالهجرة اليهودية إلى فلسطين وتملك الأراضي فيها، حيث سمح بإقامة أول أربعة مستوطنات صهيونية في ظل حكمه وهي: ريشون لتسيون 1878 وبتاح تكفا 1878وزخرون يعقوب 1882 وتل أبيب عام 1908وهي مستوطنات أقيمت على أنقاض القرى العربية التالية:(عيون قارة وملبس وزمارين وتل الربيع)، ولم تكن هي الخطيئة الأولى لعبد الحميد، ذلك أنه وعندما قاوم أحمد عرابي بريطانيا، إلا أن السلطان عبد الحميد، تدخّل بسلطته الروحية الدينية، فأصدر فتوى تكفير ضد عرابي ورفاقه، وكانت السبب في هزيمة عرابي والاحتلال البريطاني لمصر عام 1882.
والسلطان عبد الحميد هو الذي قتل الأرمن وحاول زرع الفتنة بين الكرد والأرمن والترك، فشكّل فيلقاً كردياً لقتال وقتل الأرمن، ولكن الكرد هربوا من المعسكر، ولم يقاتلوا إخوتهم الأرمن، ونعتقد أن الترك لا ينسون ذلك للكرد، جيل وراء جيل من قادة تركيا يقتلون الكرد، رغم أن للكرد نصيباً كبير في الجهاد. وأخيراً نقول لا يحسم الكرد أمرهم، إلا بالجهاد السلمي والحربي.
الأتراك كما قال الدكتور جمال حمدان عن تركيا في كتابه (شخصيات مصر وتعدد الأبعاد والجوانب): (تركيا قوة مترحلة، بلا تاريخ أو حضارة، واتخذت لنفسها وطناً بالتبني، حتى كتابتها استعارتها من العرب، غراب يقلد مشية الطاووس، يشعرون بعقدة نقص تجاه مصر التي أذلتهم، وسحقت جيوشهم، لكنها نسيت ذلك، وتناطح أسيادها العرب الآن)،  وهو قول صحيح، لكي نفهم نفسية القادة الأتراك، ومنهم وأولهم الرئيس الحالي أردوغان، الذي لا نعتقد أنه سيفرج عن القائد عبد الله أوجلان، ليس لشيء إلا بسبب الغرور،  وهو غرور الغراب الذي يقلد مشية الطاووس… لا ننتظر من مثله خير…