رامان آزاد_
التواصلُ يضمن استمرار القضايا والعلاقات الطبيعيّة بين أبناء الشعب الواحد، فيما العزل يعني إنهاء قضايا الشعوب الحقوقيّة وتصفيتها، وإضعاف إرادة أبناء الشعب الواحد، واليوم تواصل حكومتا بغداد وهولير بناء الجدار العازل لفصلِ أبناء شنكال عن شمال وشرق سوريا، في توقيتٍ زاخرٍ بالأحداثِ، وليكون إنشاء الجدار إعلاناً لحربٍ تجري الاستعداداتِ للقيام بها خلال الأيام القادمة.
جدارٌ على الحدود
أعلن معاون رئيس أركان الجيش العراقيّ للعمليات قيس المحمداوي، في 3/3/2022، البدءَ في إنشاءِ جدارٍ صدٍّ على الحدودِ الغربيّة لبلاده مع سوريا. وفي 27/3/2022 قالت قيادة حرس الحدود في بيانٍ نقله الإعلام العراقيّ، إنّه “ضمن سلسلة من التحصينات الأمنيّة التي تجريها قيادة حرس حدود المنطقة السادسة بدعمٍ وتوجيه من رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، تواصل ملاكات القيادة السادسة جهودها في إكمالِ نصبِ جدران خرسانيّة مسلّحة في قاطعِ اللواء التاسعِ عشر”. وبحسب البيان: “تستمرُّ الأعمالُ من أجل إكمالِ التحصينات الأمنيّة على طول قاطع المسؤوليّة للحدِّ بشكلٍ نهائيّ لأيّ محاولةٍ لاختراقِ الحدودِ”.
ميدانيّاً استمر بناء الجدار على الحدود بين شنكال وشمال وشرق سوريا، وتجاوز عدد المقراتِ العسكريّة للجيش العراقيّ في سهل منطقة العرب قرب الحدود، 10 قواعد، وإضافة للجدار يضعُ الجيشُ العراقيّ أسلاكاً شائكة أيضاً بعمق 5 كم عن الجدار، ويتضمن مخطط المشروع، وضع الأسلاك من خط مديبان حتى قرية بير قاسم في ناحية سنوني. وسيبلغ طول الجدار حوالي 250 كم، وارتفاع 3 م، وسماكة 75 سم بين مناطق شمال وشرق سوريا وشنكال، ومن المقرر الانتهاء من هذا الجدار خلال شهرين.
وكما في كلِّ قرار يستهدف الكرد تكون أنقرة وراءه، والهدف من بناء الجدار تضييق الخناقِ على مناطق شمال وشرق سوريا ومحاولة فصل التواصل بين الكرد على جانبي الحدود، والكتل الإسمنتية التي يتمُّ نصبها تركيّةُ الصنعِ، وتتحملُ حكومة الاحتلال التركيّ نفقات إنشائه.
في 13/3/2022 خرج أهالي شنكال من العرب الإيزيديين بمظاهرة منددة بمحاولة حكومة مصطفى الكاظميّ المنتهية ولايته وضع الحدود بين القرى العربيّة والإيزيدية، وبعد المظاهرة ازدادت ضغوطات الحكومة العراقيّة على أبناء القرى العربية، وبعد 15 آذار داهمت قوات من اللواء 18 بالجيش العراقيّ وحرس الحدوديّ القرى العربيّة (حساويك وبيرجاري وتل مشرف) بناحية سنوني. وهددوا الأهالي بعدم التحدث للإعلام والحديث عن المداهمة، وتذرعوا بأنَّ سببَ المداهمة التفتيشُ عن الأسلحة، ودعوا الأهالي لعدم المشاركةِ بالفعاليات المناهضةِ وهاتف الأمن الوطنيّ العراقيّ، العديد من أهالي القرى وطالبهم بعدم المشاركة أيضاً.
أصدر مجلس الإدارة الذاتيّة الديمقراطية في شنكال، في 5/4/2022 بياناً أدان فيه بناء الجدار الفاصل ما بين شنكال وروج آفا. وذكر البيان بمجزرة 3 آب 2014 التي استهدفتِ المجتمعَ الإيزيديّ، وشدد على أنَّ حزبَ العمال الكردستانيّ ومقاتلو الكريلا هم من قاتلوا داعش وأنقذوهم من الإبادة ِالجماعيّة.
المواطنون الإيزيديون أعلنوا رفض الاتفاق مؤكدين أنَّ الإدارة الذاتيّة في شنكال كيانٌ شرعيّ، ولا تتعارض مع الدستور العراقيّ، وأنَّ هدف الاتفاق الأمنيّ استعباد الإيزيديين مجدداً، ووصفوا الاتفاق الأمنيّ بالمؤامرة، وهي تستهدف إنشاء إدارةٍ مشتركةٍ بين الحكومة الاتحاديّة والحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ وإلغاء الترتيبات التي وضعت بعد عام 2017، ومحاربة وحدات مقاومة شنكال وأسايش إيزيدخان وتوكيل مهمة الأمن للشرطة الاتحادية بالتعاون مع الديمقراطي الكردستاني.
الجدار تطبيق للاتفاق الأمني
بناء الجدار العازل يعتبر مُخطّطاً معادياً للكرد الإيزيديين، اشترك فيه الثلاثي “أردوغان وبارزانيّ والكاظمي”، وجاء بناؤه عقب زيارة رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني إلى تركيا، وهي استمرارٌ لتطبيقِ ما يسمى الاتفاقية الأمنيّة الموقّعة في 9/10/2020، بين بغداد وهولير برعايةٍ تركيّة، لفرض السيطرة على شنكال وضرب الأمن والاستقرار فيها ومحاربةِ مشروع الإدارة الذاتيّة، وليس كما تدّعي الحكومة العراقيّة لمنع تسلل مرتزقة “داعش” الذي ينشط في الصحراء والمناطق الواقعة ما بين دير الزور والعراق وهي بؤرة نشاطهم، والأجدى بناء الجدار جنوب دير الزور في منطقة الأنبار.
في 3/8/2014، شهدت شنكال مجزرةً أحداثها مروّعة واجتاح مرتزقة “داعش” المنطقة، وتركتها حكومتا بغداد وهولير تواجه مصيرها لوحدها، بعد تحرير شنكال من داعش عام 2015، أصبحت شنكال هدفَ الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ والدولة التركيّة، فيما كانتِ الحكومة العراقيّة تعارضُ هذا المخطط، والاتفاقية الأمنيّة كانت صيغة انضمامها للمخطط واستهدف الإدارة الذاتيّة في شنكال، ولذلك رفض الإيزيديون الاتفاقية، ورفض العرب القاطنون في القرى الواقعة في منطقة مجلس الخط العربيّ الاتفاقية، وهم جزءٌ من الإدارة الذاتية في شنكال،
إلا أنّ رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور برزانيّ رحّب بالاتفاق وقال إنّ “الجانبين اتفقا على إدارةِ شنكال من النواحي الإداريّة والأمنيّة بشكلٍ مشترك”، وتناسى أنَّ شنكال من المناطق المتنازع عليها، وأنّها أراضٍ كردستانيّة ويجب عليه وعلى حزبه المطالبة بها.
يُذكر أنّ مرتزقة “داعش” أزالوا في 10/6/2014، الحدود بين سوريا والعراق، عقب سيطرتهم على مساحات واسعة على طرفي الحدود بين البلدين، وبعد إعلان هزيمة “داعش في العراق عام 2017، أعلنت قوات “حرس الحدود” العراقيّة في حزيران 2018 إنشاء جدار حديديّ شائك، مزوّد بأنظمة مراقبة حديثة لفصل الحدود البريّة مع سوريا، وقال قائد “حرس الحدود” العراقيّ إنَّ الجدار يمتد على مسافة 600 كيلومتر على طول الحدود السوريّةِ العراقيّة، يتألف من أسلاك شائكة مرفقة بسياج مكهرب، إضافة إلى كشافات ليلية وكاميرات حراريّة متطورة، وأجهزة استشعار تعملُ بالأشعة تحت الحمراء مركبة على أبراج مراقبة ومعززة بدورياتِ مناوبة.
المفارقة أنّ حكومة هولير التي تقيم الجدار اليوم، كان لها رأي مختلف يوم بدأت إيران إنشاء الجدار على الحدودِ، ففي 13/7/2010 نقلت وكالة كردستان للأنباء “آكانيوز” عن وكيل وزارة الداخلية بحكومة الإقليم فائق توفيق قوله بأنّ سعيَ إيران لبناء جدار عازل على الحدود مع إقليم كردستان العراق إنَّ “الجمهورية الإيرانيّة لا تلتزم بقراراتها”، معتبراً “بناءَ الجدار هو فقط لاضطهاد الكرد”. وسيؤثر على العلاقات الدبلوماسيّة بينها وبين حكومة الإقليم والحكومة الاتحاديّة”.
حِراك سياسيّ موازٍ للجدار
شهدت الفترة الماضية حراكاً سياسيّاً ولقاءات عديدة، ففي 3/3/2022، زار رئيس هيئة “الحشد الشعبي” في العراق، فالح الفياض دمشق، والتقى بالرئيس السوريّ بشار الأسد، وبحسبِ بيان رسميّ سوريّ بحث الجانبان المواضيع الأمنيّة المشتركة، والمتعلقة بضبط الحدود ومكافحة “التنظيمات الإرهابيّة” الموجودة في سوريا، ولم يذكر البيان المزيد من التفاصيل.
وفي 27/2/2022، أجرى رئيس البرلمان العراقيّ محمد الحلبوسي ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، مباحثات مع الرئيس التركيّ أردوغان بحضور رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان.
واجتمع رئيس إقليم كردستان نيجرفان البرزاني مع الرئيس التركيّ أردوغان، على هامش الأعمال الجارية النسخة الثانية من منتدى أنطاليا الدبلوماسي برعاية وزارة الخارجية التركيّة، في 12/3/2022، عقب الاجتماع نشر الديمقراطيّ قواته والعشرات من الآليات المدرعة في منطقة حفتانين، كردستان، وحضر اللقاء وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، ورئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، والناطق باسم الرئاسة التركيّة إبراهيم كالين.
وكان رئيس إقليم كردستان نيجيرفان برزاني زار تركيا آخر مرة في 2/2/2022، بعد يوم واحد من غارة جويّة شنتها الطائرات الحربيّة على شنكال ومخمور وروج آفا.