سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

بقوة الإرادة.. الآمال تحطم الآلام

روناهي/ تل حميس ــ

مشروع صغير بجهد عائلة عارف التمر الكبير، والذي أقامته كي يستقيم وضعهم المادي في ظل الطروف القاسية، انتهى بفاجعة كبيرة، إلا إن إرادة تلك العائلة كان أقوى، فرممت ما تم تدميره، وبدأت من جديد بالمشروع نفسه.
قوة الإرادة تجعلنا نمارس صعابا، مملوءة بالألم والمعاناة للوصول الى أهدافنا، فهناك من لا يعرف اليأس سبيلاً إلى قلوبهم، ويعود السبب الى إرادتهم القوية، التي يعتمدون عليها في تحقيق آمالهم وأحلامهم الوردية، رغم مرارة الأحداث والأيام التي يمرون بها.
مشروع صغير لتأمين لقمة العيش
عائلة متوسطة الحال تقطن قرية بلقيس شرقي، التابعة لمدينة “تل حميس”، هي عائلة معروفة بطبعها الهادئ، ومحبوبة من الجيران، عائلة “عارف التمر”، التي تعتمد على ذاتها في تأمين لقمة عيشها من خلال القيام بمشاريع بسيطة، وأهمها مشروعها الخاص “بناء مدجنة”، والذي يعطي تلك العائلة فسحة من الأمل للصمود على مسرح الواقع المرير.
وقد بنت العائلة، مشروعها الصغير “المدجنة”، من لبنات طينية، أعدتها الأم وهي حامل بطفلها، على أرض بطول 35 متراً، وبعرض ثمانية أمتار، فيها مواضع مياه وعلف للصيصان الصغيرة.
ولم تستطع عائلة “التمر”، البدء بمشروعها إلا بعد الاتفاق مع شريك آخر لتقديم التمويل اللازم بما يتعلق باحتياجات المدجنة المادية، فيقع على عاتق التمر وعائلته البناء بشكل كامل، والعمل في المدجنة بشكل مستمر، فأقاموا البناء من اللبن الطيني المتوفر، بسقف من مخلفات القش، ومرصوفا بالأعمدة الخشبية، فكانوا ينتظرون بفارغ الصبر سيارة التاجر لوضع الصيصان مع أطفالهم في المدجنة.
حلم على الألم والذكرى 
 وفي الصباح الباكر؛ استيقظت الأم على صراخ  ابنتها البكر “حلوة”، والتي تبلغ من العمر أحد عشر عاماً، لأنها كانت تعاني من ألم شديد في بطنها، وقد تبين في المشفى أنها مصابة بالتهاب الزائدة الدودية، فأجريت لها العملية مباشرة، وبعد نجاح عمليتها والاطمئنان على وضعها الصحي، عادوا إلى المنزل في المساء منهكين، وهنا جاءت سيارة تاجر الصيصان في الساعة الحادية عشرة مساء من اليوم نفسه، والتي طالما بنوا عليها آمالاً وأحلاماً وردية كبيرة، ومنها بناء منزل كبير يسع العائلة، حيث قاموا بإنزال 2000 صوص، علماً بأنه يبلغ سعر الصوص الواحد 55 سنتاً، وسيارتين من العلف، بمبلغ وقدره 3000 دولار، ومن شدة فرحتهم بالصيصان الصغيرة، نسوا المتاعب والأحزان التي مروا بها.
الفاجعة
ومع زقزقة العصافير، التي تشدو أحلى الأنغام، والتي تبعث التفاؤل في النفوس، وفي فجر ذات يوم، استيقظت العائلة من النوم بكل جد وفرح للبدء بعملهم، حيث قاموا بتشغيل المدافئ للصيصان، مراقبين درجة الحرارة، على أن تكون  هذه الحرارة ملائمة، لحرارة أجسام الفراخ الصغيرة، والشبيهة بأطفال صغار “حديثي الولادة”، حيث يحتاجون إلى رعاية واهتمام، فحدثت الفاجعة التي لم تكن على البال، وذلك بعد انتهاء المناوبة الأولى، والتي تبدأ من الصباح إلى المغرب، ليستلم “عارف التمر” المناوبة الثانية، والتي تبدأ من المغرب حتى الصباح، فقام كعادته بإشعال المدافئ، لكن تسرب المازوت من إحدى المدافئ، أدى إلى نشوب حريق كبير عجز التمر عن إطفائه، فالتهمت النيران كامل المدجنة، فتحول الليل إلى نهار، وانتشرت في الجو رائحة شواء الفراخ الصغار، وقد اتصل الأهالي ببلدية مدينة أبو جرن، لتأمين صهاريج المياه وإخماد تلك النيران، ولكن لعدم وجود قسم إطفاء هناك، التهمت ألسنة اللهب التي بلغت عنان السماء المدجنة، فحصدت روح 2000 صوص، حيث وصلت أصوات هذه الفراخ الصغار إلى عنان السماء من شدة الألم، كما والتهمت النيران، العلف والمشارب، والأعمدة الخشبية والسقف بالكامل، ولم تقف عند التهام الأشياء المادية لعائلة عارف التمر، بل التهمت معنويات وأمل وحلم العائلة كلها.
“راح التعب بشربة مي” 
وقد زارت صحيفتنا “روناهي”، منزل صاحب مدجنة الصيصان “عارف التمر”، والذي تحدث عن الفاجعة التي أصابتهم: “بعد تعب وعناء شهرين كاملين، والذي كنا متأملين بناء مشروع صغير لي ولزوجتي، التي عانت من الحمل كثيرًا، وهي تعمل معي، وكذلك أطفالي الصغار، جاءت هذه النار فقضت على كل أمل لدي في تغيير حياة وبناء مدجنة صغيرة نقتات من دخلها”.
تكاتف الأهالي 
وقام أهل القرية برفع معنوياتهم، وتقديم المساعدة المادية كل على قدر استطاعته، معبرين بذلك عن وحدتهم وحبهم لبعضهم.
 وعلى الرغم من هول تلك الحادثة المفجعة، إلا أنهم قرروا أن يعيدوا تأهيل المدجنة والاستمرار بعملهم من خلال بناء سقف جديد للمدجنة، وذلك بمساعدة أهل القرية وشراء فراخ، ومعالف ومشارب وعلف من جديد، لعودة البهجة إلى قلوب العائلة.
مناشدة الجهات المعنية 
وأردف التمر، بأن خسارته المادية في كف، وأن يقف مكتوف الأيدي أمام تلك الصيصان الصغيرة التي لا ذنب لها وهي تقاسي ألم الحريق في كف آخر، “ولكن إرادتنا تزداد بدعم أهالي القرية، وسنبدأ بمشروعنا من جديد بآمال جديدة، وإيمان قوي”.
وفي ختام حديثه ناشد “عارف التمر”، الجهات المعنية بتأمين قسم خاص للإطفاء من أجل الحرائق، التي تحدث في المناطق البعيدة عن مركز مدينة “تل حميس”، وعدم تكرار مثل هذه الفاجعة.