قامشلو/ رؤى النايف ـ
على مدار أعوام ثلاثة، وضعت الخطط وخصصت الميزانيات المالية، بهدف دعم الفقراء وتجنيبهم عناء السفر، بل الأهم إنقاذ حياة الآلاف منهم، مشفى القلب والعين الذي بات اليوم أحد أهم الصروح الطبية في شمال وشرق سوريا، دخل مرحلته الثالثة، ألا وهي الاعتماد الكلي على خبرات محلية لإجراء العمليات، فكيف يسير العمل في المشفى؟
الأزمة في سوريا فرضت واقعاً مريراً على السكان وأصبحت مناطقها مقسمة جغرافياً، من هذا الوقع أدركت هيئة الصحة في شمال وشرق سوريا ضرورة النهوض بالقطاع الصحي، وهدفها الأسمى تقديم أفضل خدمات صحية لأفراد الشعب، وبهدف القضاء على الاستغلال والتخفيف من عناء السفر إلى المحافظات وإلى الخارج لتلقي العلاج، افتتحت الهيئة المشفى التخصصي بجراحة القلب والعين، ويعد هذا المشفى خطوة هامة في تاريخ الإدارة الذاتية، حيث لم تستطع أنظمة كثيرة وكبيرة الوصول لمثل هذا الإنجاز الطبي.
ضرورة وجود المشفى
الدكتور “محمد علي عبدي” مدير مشفى القلب والعين، يُشير إلى ما عاشته مناطق شمال وشرق سوريا من حرب وهجمات إرهابية، أدت لتضرر البنية التحتية لمناحٍ حياتية عدة، ومنها القطاع الصحي الذي أصبح هاجساً كبيراً للأطباء والقائمين على الإدارة في شمال وشرق سوريا، من هذا المنطلق وبسبب التكاليف الباهظة للعلاجات الطبية وللتخفيف من معاناة المرضى في السفر والمصاريف وسد الثغرات في القطاع الصحي، جاءت فكرة افتتاح مشفى للقلب والعين.
ليصبح هذا الصرح الطبي أول مشفى تخصصي يقدم خدماته للمواطنين بأجور رمزية في جراحة القلب والعين. تم تجهيز المشفى بأحدث الأجهزة المتطورة لإجراء عمليات القثطرة والشبكات القلبية وعمليات القلب المفتوح بالإضافة إلى العمليات العينية والعلاج بالليزر، كانت هذه العمليات تجرى في مشافي دمشق وحلب، مما يكلف المريض وذويه تكاليف مادية كبيرة جراء السفر والإقامة وتكاليف المشافي الخاصة، كما يقدم خدمات التصوير الطبقي المحوري والأشعة والتحاليل الطبية.
نجاح باهر في وقت قصير
يتابع الدكتور “عبدي” بالحديث عن أولى العمليات، “كانت عملية القلب المفتوح هي الأولى من نوعها، أجريت بداية العام الجاري، من خلال إحضار فريق طبي مختص من إقليم كردستان، فتعتبر هذه هيَ المرحلة الأولى التي أجريت فيها أربع عمليات قلب مفتوح، وبعدها تم البدء بالمرحلة الثانية، وهي تسع عمليات قلب مفتوح بمساعدة الفريق الطبي الذي أتى من الخارج مع الفريق المحلي الموجود ضمن المشفى، وخلال الشهر المنصرم تم الدخول في المرحلة الثالثة وهي قيام فريق مختص محلي مدرب من كوادر المشفى بإجراء عمليات القلب المفتوح والتي تتضمن “مجازات إكليلية، تبديل صمامات، والتشوهات الخلقية” دون أي مساعدة من فريق خارجي، حيث تعتبر هذه المرحلة قفزة نوعية بفترة قصيرة وإنجاز كبير في القطاع الصحي رغم الظروف التي تعيشها المنطقة من حصار وضغوطات على كافة النواحي ورغم الصعوبات في الحصول على
المعدات والأدوات”.
آراء مرضى
“ويسي محمد محمود” يبلغ من العمر 68 عاماً من سكان حي الهلالية يتلقى العلاج في مشفى القلب والعين، أجريت له في الأسبوع المنصرم عملية قلب مفتوح، وهو اليوم يستعد للخروج بعد نجاح عمليته، تقول عائلته إن وجود مثل هذا المشفى يخدم الأهالي ويوفر عليهم عناء السفر خارج مدينتهم، بالإضافة للتكاليف التي تعد بسيطة ورمزية أمام تكاليف العلاج في الخارج وفي المشافي الخاصة، وتابعت العائلة “المشفى قدم خدمات طبية كثيرة وعناية طبية ممتازة واهتماماً كبيراً في العلاج، وكنا بالقرب من والدي أثناء تلقيه العلاج، نستطيع رؤيته والاطمئنان عليه في أوقات الزيارة”.
الجدير بالذكر أن افتتاح مشفى القلب والعين تم في الحادي والعشرين من كانون الثاني في عام 2019، بالتزامن مع الذكرى الخامسة لإعلان تأسيس الإدارة الذاتية ليكون هذا اليوم مميزاً وفيه بشرى خير للأهالي، ويكون هذا الصرح الطبي خطوة هدفها تحسين الواقع الصحي، وفي نفس يوم افتتاحه جرت فيه أول عملية قثطرة قلبية.
أول عمل بطاقم طبي محلي
الآن وبعد مرور أكثر من عامين ونصف على الافتتاح، أجريت مؤخراً أول عملية قلب مفتوح لمريض خمسيني، وحول هذه العملية كان لصحيفتنا لقاء مع الدكتور “شورش موسى” وهو أحد أطباء الفريق المحلي داخل المشفى ومختص بجراحة القلب، أوضح لنا التفاصيل حول العملية:
“بعد الفحوصات والتحاليل اللازمة للمريض وإجراء القثطرة القلبية تبين لدينا ضرورة إجراء عمل جراحي، وهو عملية القلب المفتوح، وتكللت العملية بالنجاح وكانت نتائجها ممتازة، وبعد مرور أربعة وعشرين ساعة أصبحت حالة المريض جيدة جداً ومستقرة وتمكن ذووه من زيارته والاطمئنان عليه”.
يوضح “موسى” أنهم اليوم في المرحلة الثالثة ضمن مخطط عمل المشفى، ألا وهي “إجراء العمليات بجهود محلية، وتأسيس فريق طبي مدرب ومختص من طواقم المشفى، وهذه ستكون المرحلة المستمرة ضمن مسيرة عمل المشفى، والصعوبات التي نعانيها هيَ في وصول المواد الطبية من خارج مناطق شمال وشرق سوريا في ظل الضغوطات التي تعيشها المنطقة وإغلاق المعابر”.