سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

بالتصميم والإرادة فتاة من ذوي الهمم تتحدى الإعاقة

روناهي/ تل حميس –

مخلوقات بريئة، قُدر لها أن تعيش حياة مختلفة عن الناس الآخرين، تمارس أعمالها في نطاق ضيق؛ لما تعاني هذه الفئة من البشر من نقص خلقي، حاملة كثيرا من الأحلام والآمال، هم أطفال لديهم ميزات عقلية، ومواهب تجعلهم يندمجون في المجتمع، فيمارسون بعض الأعمال القادرين عليها باحترافية، في مسرح الواقع المعاش.
طفلة لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها، جابهت قسوة الحياة بتشوهها الخلقي بقدم أطول من الأخرى، تسكن مع عائلتها المكونة من سبعة أشخاص مع أبيها وأمها، وتواجه العائلة كلها ظروفاً معيشية صعبة.
ففي قرية الفرحانية النائية قرب تل حميس، وداخل بيت طيني قديم، ليس فيه رفاهية مثل كثير من المنازل، ولدت “حليمة مالك” التي أبت أن تكون قعيدة المنزل؛ فاتخذت رعاية الأغنام سبيلاً لتأمين مستلزمات عائلتها، وكسرت بذلك الصورة النمطية لذوي الهمم.
تخرج منذ ساعات الصباح الباكر لرعاية الأغنام، والتجول معها في أرجاء القرية، فهي مؤنسها وصديقها طوال النهار، وبالرغم من حرارة الصيف تراها تجوب الطرقات حافية القدمين، فمع كل خطوة تخطوها ترى ملامح الألم، التي ترتسم على وجهها بسبب إعاقتها التي تكيفت معها مع مرور السنين، ولكنها تخفيها بابتسامة من وجهها البشوش، فلم تكن ترى نفسها يوماً أقل من أقرانها.
الإصرار والإرادة طريقا تخطي الإعاقة
قررت حليمة أن تشاركنا قصتها، التي وجدت فيها كثيراً من القوة، فأرادت أن توضح لصحيفتنا “روناهي” معاناتها: “أعاني من ألم دائم في ساقي المعاقة، وللظروف المادية التي يعاني منها أهلي، فلم يستطيعوا إكمال مسيرتي التعليمية، وبسبب ذلك توقفت رحلة علاجي منذ سنوات”.
حليمة الطفلة البريئة التي تشبه الفراشة النشيطة بعملها الدؤوب، وعندما تمر بقطيع أغنامها السريع، والتي لا تستطيع اللحاق به، بسبب ألم ساقها، ولكنها مع إرادتها، التي لا تعرف اليأس فإنها تهرول هرولة وراء قطيع الأغنام، الذي أصبح جزءاً من حياتها اليومية.
ومن شدة معاناتها ولظروفها القاسية؛ جعلت الطفلة حليمة تنضج قبل أوانها، إذ أنها بدأت تشارك والديها في أعمالهم اليومية: “ساعدت والدي في أعمال المنزل، وكنت أرعى الأغنام في الصباح الباكر، حتى تشتد درجات الحرارة، التي لا تتحملها قدماي الحافيتان لأعود للمنزل”.
حاولت حليمة تغيير واقع والديها الحزين، وزرع بسمة ثقة على شفتيهما، بأنها قادرة على تدبر أمورهما بنفسها: “رعيت الغنم والأبقار على الرغم من إنني لا أستطيع أن ألبس الحذاء، بسبب ساقي، ومع مرور الوقت وإصراري على تغيير نظرة المجتمع، التي تملؤها الشفقة، أصبح الناس يدركون قيمة أصحاب الهمم وتغيير نظرتهم السلبية تجاههم، وأننا قادرون على تحدي الصعاب إذا أردنا ذلك”.
الإرادة القوية تصنع المعجزات 
وكما تتدفق المياه من الصخور الصلبة، كذلك برهنت حليمة أنها تشق طريقها نحو حياة أفضل رغم هذه المعاناة: “أنا من الأشخاص الذين يدركون إنه مع الإصرار والاستمرار لا شيء مستحيل”.
ولكسر حاجز الوحدة بين الأغنام والمراعي في السهول الخضراء، يجول وجدانها ببعض الأغنيات، التي تحفظها حليمة، لأنها تملك موهبه الغناء وتجد في هذه الموهبة سعادتها، التي تجعلها تعيش طفولتها كأقرانها. حيث تجد حليمة في بسمتها وسعادتها سعادة كل طفل من ذوي الهمم، فتناشد في ختام حديثها المنظمات الدولية، والجمعيات الخيرية؛ لتأمين احتياجات ذوي الهمم ومساعدتهم في العيش على هذه الأرض بصحة وسعادة؛ “لنثبت للجميع إننا ما دمنا نملك عقولاً سليمة، وإرادة قوية، فلا شيء يعيقنا لتحقيق أهدافنا، وطموحاتنا المستقبلية”.