سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

باشينيان – أردوغان… ترميم العلاقات على حساب دماء الشعوب

الدرباسية/ نيرودا كرد –

على خلفية محاولة ترميم العلاقات مع دولة الاحتلال التركي، أثارت تصريحات رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، جدلا واسعا على خلفية تبرئته لدولة الاحتلال التركي، من دماء الشعب الأرمني، التي ارتكبتها في مجازر1915.
وكان باشينيان، قد صرح في وقت سابق أن دولة الاحتلال التركي، لم ترتكب أي مجزرة بحق الشعب الأرمني في عام 1915، وجاءت تصريحاته خلال اجتماع مغلق سُربت منه بعض المعلومات بتقارير صحفية.
وقال باشينيان خلال الاجتماع إن الأتراك لم يقوموا بأية إبادة جماعية ضد الأرمن، وتجنب إلقاء اللوم على تركيا في هذه القضية: “لم تكن هناك إبادة جماعية ضد الأرمن، والاتحاد السوفياتي نشر الدعاية عن الإبادة الجماعية الأرمنية، لخلق مشكلة بين تركيا وأرمينيا”، علما أن الاتحاد السوفياتي لم يكن قد أُسِّس بعد في ذلك التاريخ.
يجدر بالذكر، أن السلطات العثمانية كانت قد ارتكبت في عام 1915، مجازر مروعة بحق الشعب الأرمني في تركيا، ما أدى إلى مقتل وإصابة أكثر من مليون شخص، فضلا عن تشريد عدد كبير من العائلات الأرمنية، وتشتت في مختلف أصقاع الأرض، الأمر الذي أدى إلى فقدان العوائل الاتصال فيما بينها حتى يومنا هذا.
وعلى الرغم من مرور أكثر من قرن على تلك المجازر، إلا أن المواقف الدولية المستنكرة للمجزرة، لا تزال مستمرة حتى اليوم، وهناك العديد من الدول اعترفت بالإبادة الجماعية بحق الأرمن.
تنازلات بلا مقابل 
ومنذ العام 2021، تحاول أنقرة تطبيع علاقاتها مع ييريفان، خاصة وإن هذه العلاقات وصلت في مرحلة تاريخية إلى حد العداء بين الطرفين، إلا أن أرمينيا دائما ما كانت تشترط اعترافا تركيا بالمجازر المرتكبة بحق الشعب الأرمني، ولكن تركيا كانت ترفض دائما هذا الاقتراح، ولكن في الآونة الأخيرة، وعلى ما يبدو أن هناك توجهاً أرمنياً للتخلي عن هذا الشرط.
وتُعد التصريحات الأخيرة لباشينيان منفذا مهما للأتراك للتخلص من العار التاريخي بمجزرة الأرمن، التي طالما سعت تركيا لطي صفحة هذه المجزرة والتهرب من محاكمات قد تطالها على خلفية تلك الأحداث، وذلك من خلال محاولاتها المستمرة لمحو المجزرة من ذاكرة الشعب الأرمني، وشعوب المنطقة، التي عانت من الويلات بسبب الفظائع، التي ارتكبتها السلطنة العثمانية، ومن بعدها دولة الاحتلال التركي.
هذا التصريح ليس المكسب الأول لدولة الاحتلال التركي في إطار علاقاتها مع أرمينيا، ففي السابق كانت قد قدمت الأخيرة خدمات أخرى من هذا النوع للمحتل التركي، وكان أبرز هذه الخدمات الاتفاقية التي جرت في جامعة زيوريخ السويسرية، في العاشر من تشرين الأول 2009، حيث وقع وزيرا خارجية تركيا “أحمد داود أوغلو”، وأرمينيا “إدوار نالبنديان” بروتوكولين لتسوية الخلافات المتجذرة بين البلدين منذ أكثر من تسعين سنة.
اتفاقيات عديدة تصب في مصلحة تركيا
ومن ضمن بنود هذا الاتفاق، نجح الجانب التركي في ترسيم الحدود الرسمية القائمة بين تركيا وأرمينيا، منذ العام 1921 عندما أكد البروتوكول الثاني من الاتفاقية على “الاعتراف المتبادل بالحدود الحالية بين البلدين، كما حددتها اتفاقيات القانون الدولي ذات الصلة”.
وهذا البند يطوي مطالبة الأرمن ببعض الأراضي داخل تركيا، والمحاذية لأرمينيا، لا سيما مناطق قارس وأردهان، أراضي محتلة وتابعة تاريخيا لأرمينيا، إضافة إلى تسمية الأرمن لمناطق شرق تركيا بأرمينيا الغربية، وقد ورد هذا رسميا في وثيقة الاستقلال، التي أعلنتها أرمينيا بعد انفصالها عن الاتحاد السوفياتي في العام 1991.
إن اعتراف أرمينيا بالحدود الحالية يعد انتصارا كبيرا لوجهة النظر التركية في هذا الموضوع، وتخليا للأرمن عن مطالبهم الرسمية في الأراضي الأرمنية داخل تركيا، التي لطالما عدَّتها أرمينيا أراضي أرمينية تاريخية.
في المقابل، كان هناك اعتقاد، أن أرمينيا قد حققت مكاسب متعددة من اتفاقية زيوريخ، أولها متصل بالموضوع الأول للحركة القومية الأرمنية، والمتعلق بقره باغ الذي يريد الأرمن ضمها إلى الوطن الأم أرمينيا، وتوحيد الأراضي التاريخية للأرمن، اذ لم تشر الاتفاقية لا من قريب ولا من بعيد إلى وضع “قره باغ”، وهو الإقليم الذي يقطنه غالبية أرمنية، وكان خاضعا لسيادة أذربيجان، لكن الأرمن استعادوه في منتصف التسعينات من القرن العشرين، وذلك بعد معارك طاحنة مع الأذريين.
تم تصوير إغفال هذا الموضوع انتصارا أرمنيا، خصوصا أن أنقرة وعلى لسان رئيس حكومتها آنذاك أردوغان، كانت تربط دائما بين فتح الحدود مع أرمينيا بانسحاب القوات الأرمينية من قره باغ.
الأفعال التركية معاداة للشعوب
ولكن ظهر فيما بعد، أن دولة الاحتلال التركي، لا تزال تتصرف بعقليتها العدائية تجاه شعوب المنطقة، وأن كل ما يقال عن أي اتفاق بينها وبين أرمينيا، ما هو إلا مضيعة للوقت وتهرب من الالتزامات. واتضح ذلك جليا من خلال الدعم التركي المطلق للحرب، التي نشبت بين أرمينيا وأذربيجان، والتي انتهت بالسيطرة الأذرية الكاملة على إقليم ناغورنو قاراباغ، بفضل الدعم التركي وبعد سنوات من القتال بين أذربيجان وأرمينيا.
يبدو أن الجانب الأرميني، لم يتعظ من دروس التاريخ، التي مر بها، فبالرغم من الخيانة التركية المتكررة له، والتي كان آخرها ما حصل في قاراباغ، فها هو اليوم النظام الأرمني يبرئ السلطنة العثمانية، وربيبتها الفاشية التركية من دماء الشعب الأرمني، مقابل صفقات يعده بها الجانب التركي، والتي لم يتضح حتى الأن مدى جدية تركيا في تنفيذ تعهداتها التي لطالما اشتهرت بالمكوث بها.
إن ذاكرة الشعوب لا يمكن أن تُمحى، فضلا عن أن حقوقها لا تسقط بالتقادم، لذلك، وعلى الرغم من المواقف الرسمية للحكام والأنظمة، إلا أن الشعوب لن تُفرط بحقها لقاء أي شيء كان، لذا، فإن المطلوب اليوم إنصاف الشعب الأرمني، والتعويض عن دمائه التي هُدرت، وذلك، بالسعي المستمر للاعتراف بتلك المجازر التي ارتكبتها العثمانية البائدة، ومحاسبة من يستمرون على نهجهم الفاشي أردوغان وطغمته الفاسدة، جراء ما اقترفت يداهم من جرائم وانتهاكات بحق الشعوب.