باحثة عن ضآلة الإنسانية المتبقيةّ!!؟

روناهي/ منبج- حين تتكشف الحياة عن وجهها البائس لتحرم رسم السعادة على وجوه الأطفال، وتحرم الأم من النوم على وسادة واحدة، نعلم أن هناك من يقف خلف تجرد الإنسانية وخلف معاناة أم محمد.

حين تقسو الحياة على المرأة بكل أثقالها وأعباءها الثقيلة، فليس لها سوى التمسك بخيط الأمل الذي ربما في كثير من الأوقات قد يكون مقطوعاً؛ بسبب غياب من يخفف عنها معاناتها اليومية في ظل غياب واضح لدور المنظمات الإغاثية في تحمل أعباء الإنسانية الضائعة.

تُسحَق الابتسامة على يدي الدمعة

أم محمد “شعلة البيشك” /40/ عاماً، أم لعائلة صغيرة؛ كغيرها من العوائل السورية التي شردها من قرية المهدوم التابعة لناحية مسكنة؛ آثار قصف الحكومة السورية ووحشية مرتزقة داعش الهمجية، لتترك في العراء وحيدةً مع أطفالها حيث لا أنيس ولا جليس حولها أو بالجوار منها، ما اضطرها اللجوء إلى ريف مدينة منبج الجنوبي أملاً في الخلاص من بؤر الموت التي حصدت الكثير من الأرواح المتناثرة في كل مكان.

اتخذت أم محمد من بقايا جدران لغرفة طينية مسقوفة بالأعمدة؛ مأوى لها ولأطفالها الصغار؛ غرفة لا تقي القرّ ولا الأوبئة. ولا تقتصر معاناة أم محمد على العيش بين جدران غرفة طينية مهدمة فحسب، وإنما كثيراً ما ينام أفراد عائلتها، وهم أطفالها الثلاثة، جياعاً حيث تتسلل دموعهم بين مآقيهم الصغيرة حسرةً على ابتسامة خجولة؛ لعدم وجود معيل لهم في ظل شح كبير في المساعدات الإنسانية.

حين تصوّب المصائب دفعة واحدة

تروي أم محمد حكاية النزوح المريرة بالقول: “لقد ساءت أحوال العائلة كثيراً على إثر وفاة زوجي الذي أصيب بمرض السرطان، فيما كان يعمل قبل ذلك في لبنان بالأعمال الحرة. ومع إصابته بهذا المرض، اضطره إلى تلقي العلاج أكثر من مرة في مستشفيات العاصمة دمشق، وسط نقص حاد في العملة النقدية؛ من أجل متابعة مرحلة علاجه بشكل دقيق. ولكن الأمر لم ينته على هذا المآل بل ذات يوم قام زوجي بإشعال مدفأة المازوت شتاءً، وإلى جانبه؛ ابنتي البكر ذات السبع سنوات لتندلع النيران بالغرفة، وليموتا كليهما جراء احتراقهما بالنيران. وبعد ذلك، ومع اشتداد المعارك الضروس الدائرة حول قريتي وتضرر بيتي بالقصف العنيف، أدركت أن لا مناص من حالة النزوح إلى مدينة منبج لمعرفتي المسبقة من خلال أقاربي الساكنين فيها؛ أنها ستكون مقصدي للخلاص من شقائي وعثرتي”.

صبر طويل على محنة الأيام

تقول أم محمد ومحيا الوجه خافض الطرف، تلتقط كلماتها بنبرات شجية: “جئت إلى مدينة منبج أملاً أن أنهي حياة البؤس؛ لعلي أطال طموحاً بعيداً أصبو إليه وكي أكفكف بعض دمعاتي الخفية ما خلا منها خافقي وسري، لكن خاب ظني للأسف مرة أخرى، لأني وجدت ما هو العكس، حيث مرارة العيش وصبر طويل على محنة الأيام”.

وتتابع قائلةً: “إني لما وصلت مدينة منبج لم أجد من يقف، ليساندني ويجبر مصيبتي في إيجاد منزل لي ولأطفالي الصغار؛ بسبب قلة البيوت المهيأة للإيجار أو ارتفاع الآجار أيضاً، مما اضطرني إلى اللجوء في الريف هائمة على وجهي. واستضافني بيت من قرية قرعة صغير في الريف الجنوبي، ومنحني غرفة صغيرة عندهم ومكثت عاماً لديهم قبل أن تحل امرأة مطلقة قريبة من صاحب البيت، ليطلب مني بعد ذلك؛ الرحيل ومغادرتهم؛ بسبب ضيق المكان والأفق. ثم رحلت عنهم، وليستضيفني بيت آخر في ذات القرية، إذ لم يكن الجديد؛ بأفضل حالاً من سابقه القديم كونه مفتقر لأبسط مقومات الحياة، خاصةً وأني أسكن في غرفة صغيرة جداً؛ بحجم الحمام لا تكاد تكفيني أنا وأطفالي الثلاثة، وسط تجاهل وتقاعس من المنظمات الإنسانية في إرسال المساعدات الإغاثية”.

مشهد حقيقي لغياب الإنسانية

وبتنهد متقطع متأني، اختتمت أم محمد قائلةً: “لا أجد من يعيل أسرتي على الرغم أن قساوة الحياة تشهد ارتفاعاً في متطلبات المعيشة في كل شيء. والأهم أن ما أجهدني، هو المرض العضال الذي أصاب ابني الكبير “محمد” الأمر الذي جعلني بين مطرقة ضنك الحياة المدقع وبين سنديان مرض ابني المذري، وبت أتحمل نفقات متزايدة لا أطيق أن أتحملها أبداً نتيجة تقلبات أسعار المواد الغذائية وارتباطها بالدولار من جهة إلى جانب عدم قدرتي على تأمين أدوية ابني المريض من جهة أخرى. لذا أناشد الجهات المعنية النظر بحالي ومساعدتي في تجاوز محنتي العصيبة لأنني لا أتمكن من الوقوف وحدي أمام شراسة الحياة وتعاستها وغياب الإنسانية معاً”.