سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

انتشار جرائم القتل في المجتمع وسبل الوقاية منها

الحسكة/ آية محمد ـ

شدد المحامي “سمير شيخي” على ضرورة مكافحة ظاهرة الجرائم الجنائية، مطالباً، باتخاذ تدابير شاملة، ومتعددة على المستويات الاجتماعية، والثقافية، والقانونية للحد منها وملاحقة مرتكبيها.
مما لا شك فيه أن المجتمع الآمن المستقر، هو مطلب الجميع، حيث إن الأمان هو مصدر بناء المجتمعات وتطورها، والإنسان منذ فجر ولادته تكون فطرته سوية، ولا يعلم شيئاً عن الإجرام أو الأذى، ولكن البيئة التي ينشأ فيها هي التي تؤثر فيه، ويتأثر بها، تلك البيئة التي يكتسب فيها سلوكيات سلبية وإيجابية، فينحرف بالنواحي السلبية عن الطريق المستقيم، الذي خلقه الله تعالى له، فكل شخص يلجأ إلى ارتكاب الأفعال غير المقبولة هو إنسان غير سوي، وتنتج عنه الكثير من المشاكل، والمفاسد المجتمعية.
الجريمة تستوجب العقاب
وفي هذا السياق، قال المحامي سمير شيخي: “إن الجريمة هي ذلك الفعل الخارج عن الأخلاق والقوانين، وهي التصرف المنحرف، الذي يستوجب العقاب والحساب، لأنها تعدٍّ على الأشخاص والممتلكات، والمجتمع بأكمله”.
وأضاف شيخي: “وقد قسم القانون لكل جريمة عقوبة تناسب الفعل، الذي قام به المجرم، فقسمت الجرائم إلى أنواع بناء على كثير من الاعتبارات، التي تتعلق بمرتكب الفعل، وطبيعة الجريمة، وظروف المجرم، والدواعي، التي دعته للقيام بجريمته، إذ تتنوع الجرائم في صورها وأشكالها، بين جرائم النفس، والمال والعرض والقيم وأمن البلاد، وتتخذ أفعالاً عدة”.
وتابع شيخي: “ومن أنواع وصور الجرائم نجد الجرائم الاجتماعية، وهي تلك الجرائم، التي يتم ارتكابها لدوافع اجتماعية نابعة من الانتقام والحقد والطمع، والانتقام من الأشخاص، ومشاكل الأسرة، والقضايا الأخلاقية”.
أسباب انتشار الجرائم وتنوعها
 ساهمت أسباب كثيرة بازدياد ظاهرة الجريمة المجتمعية مؤخراً، ولعل أبرزها:
ـ أولاً: إن ما أصاب المجتمعات من المتغيرات الاجتماعية والثقافية والإعلامية والتكنولوجية في السنوات العشر الأخيرة، قد ساهم في زيادة العنف بالمجتمع مثل: “الضغوطات الحياتية، وتفكك الأسر، وانهيار الوازع الديني والأخلاقي، والتفسخ الاجتماعي”، وهو الأمر الذي جعل قدراً كبيراً من تخبط الأفكار واختلاط الفهم الخاطئ بما كان عليه المجتمع من عادات وتقاليد، وعدم القدرة على تحمل متطلبات المرحلة، التي مربها المجتمع ليصل إلى موقع ومكان أفضل، الأمر الذي يدفع البعض للجوء إلى العنف، نوعاً من أنواع التعبير و الخلاص من هذه التأثيرات.
ـ ثانياً: لجوء الأب، أو الأم إلى ممارسة العنف أسلوبا للتربية في بداية حياة أبنائهم، قد أفرز رواسب ذهنية لديهم بحسبان أن هذا العنف يمثل بعداً طبيعياً في الحياة بصفة عامة.
ـ ثالثاً: انتشار أفلام العنف والإثارة وإظهار بطولة البلطجي، وانتصار الشر على الخير، وكذلك انتشار تلك النماذج الرخيصة يعطي صورة ذهنية للشباب، وذلك هو الأسلوب الأمثل للحصول على مكاسب مالية كبيرة في وقت قصير طالما كان العنف وسيلة لتحقيق ذلك.
وأعقب: “فالأمر البالغ للملاحظة مع انتشار جرائم القتل داخل الأسرة، أو المحيط الضيق هو انخفاض المستوى التعليمي لمرتكب الجريمة، فمن يقدم على العنف هو شخصية عدوانية في التعامل مع زوجته، أو أولاده، شخصية تقدم العنف على أي طريقة أخرى في التواصل، وليس لديه أي حلول أخرى، أو تفكير رشيد ويعدُّها الطريقة الوحيدة للتفاهم، وأحياناً يكون مصاباً بمتلازمة العظمة ولا يقبل الجدل”.
الجرائم والأمراض النفسية
وأضاف شيخي: “لا نستطيع التغافل عن تأثيرات الأمراض النفسية كالإصابة بالانفصام، والاكتئاب ثنائي القطب أو حالات الهوس، وكذلك تفشي ظاهرة إدمان المخدرات، فهذه الحالات يعرض الشخص لحالة من الغيبوبة الحسية والضلالات، ويوجد شخص منفصل عن الواقع، وقد يقتل بدم بارد، بالإضافة إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي انتشار العنف على الشاشات والفضائيات، فبعضها يعرض أفلام العنف على مدار 24 ساعة، ويقدم حلولاً ابتكارية للجريمة قد تجعل من يتأثر بها يعتقد أن القتل شيء عادي، ويرتكبه بأعصاب باردة”.
كما أن التفكك الأسري الناتج عن وسائل التواصل الافتراضي، أو التباعد الاجتماعي أصبح جرس إنذار، لأنه يخلق شعور الغربة لدى أفراد الأسرة الواحدة، فهم يعيشون تحت سقف واحد، ويفتقدون الدفء والتواصل الأسري بسبب ذلك، ومؤخراً أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية دور التغذية والتلوث في انتشار العنف في المجتمع، فقد لوحظ أنه كلما زادت معدلات التلوث البصري والسمعي والهوائي انخفضت معدلات ذكاء الإنسان، كما أن سوء التغذية ونقص الحديد والزنك وزيادة نسبة الرصاص في الدم قد يسهم في ميل الشخصية للعنف.
وهذه الظاهرة البالغة الخطورة باتت تعطي منظوراً سلبياً عن المجتمع السوري، وهو ما يجب تغييره، وإعادة الصورة إلى ما كانت عليها، فالأمر يستلزم وضع خطط متعددة للتعامل الجدي والحاسم تتشارك فيه المؤسسات، حيث تقوم وسائل الإعلام المختلفة العمل على نشر النصائح، والحث على تغيير الصورة النمطية، وتقديم نماذج جيدة للتعامل بين الأفراد والعائلة والأسرة مع عدم التركيز على العنف والعلاقات المشوهة، ولا بد أن نهتم بإعادة تشكيل الوعي المجتمعي السوري الذي تعرض لكثير من التغييرات في السنوات الأخيرة وإعادة بناء الأسرة السورية، وتدريب المقبلين على الزواج على طريقة الحوار لحل المشاكل بعيداً عن العنف، فالخلافات الأسرية البسيطة التي تصل إلى القتل ليست وليدة اللحظة ولكنها مجموعة تراكمات وشعور الطرفين بأنه لا فائدة من النقاش، أو تغير الوضع وانسداد قنوات الاتصال بين الأطراف سواء الأزواج، أو الأقارب، أو الجيران أو غيرهم، وفقاً لـ”شيخي”.
الوقاية من ارتكاب الجرائم 
واختتم المحامي “سمير شيخي”، بالحديث عن سبل الوقاية من الجرائم: “من أهم سبل الوقاية من ارتكاب الجرائم، تلافيه من خلال تثقيف الشباب لحل مشاكلهم وفهم طبيعة ونفسية الطرف الآخر، والتعامل مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، التي تتعرض لها الأسرة والاهتمام بالتثقيف التربوي للآباء والأمهات لتربية أجيال قادرة على التواصل وقبول الآخر، وبناء العقل الناقد والمرونة في التفكير. فبداية محاربة المشكلة تبدأ دائماً من داخل الأسرة، وفي بيت مترابط وأبوين متفاهمين، وكذلك ينبغي على المؤسسات الدينية والاجتماعية والجمعيات الأهلية والأحزاب الفاعلة أن تقوم بدورها في نشر ثقافة مجتمعية معتدلة تواجه بها تلك الظاهرة، والتوسع في البرامج التأهيلية للشباب، التي تساعد أبناء المجتمع على ضبط النفس ومواجهة الصعوبات، التي يتعرضون لها بداية حياتهم، وكذلك يجب التعامل القانوني والأمني بجدية وحسم مع تلك الجرائم، وتجريم العنف بكل وسيلة تفعيلاً لأحكام قانون العقوبات، الذي يجرم مرتكبي تلك الجرائم إلى السجن المؤبد، أو الإعدام في حالة القتل مع سبق الإصرار”.