سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

 “امرأةٌ في المرآةِ”

إخلاص فرنسيس-

تأمّلت في المرأة التي داخل المرآة طويلاً، وهي تسرّح شعرها الكستنائيّ، وسافرت في العيون التي تخفي مئات الأحلام والأماني، كانت قد ارتدتِ البيجاما البيضاء، وتهيّأت للنوم، عندما رنّ تلفونها بنغمة خفيفة، رسالة ليلية متأخّرة جدّاً. كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل، وكانتِ الأشواق تغزو صدرها، والحنين يداعب أناملها، والليل بصمته العميق يوقظ كلّ أحاسيس الأنثى المنسيّة خلف غيمة العمر.
تناولت التلفون، وحدّقت طويلاً في الرسالة، هي رسالة من مجهول، كيف يكون مجهولاً؟ أدارتِ الموسيقا، وكانت ليالي الأنس في فيينا للأمير فريد الأطرش، الموسيقا يقولون عنها إنّها الحكاية التي تخاطب الروح، واللغة التي نفهمها بالإحساس، واللفظ الذي نعيشه بالجسد.
كانت النغمات تدعوها إلى حلبة الرقص، وهي ما زالت تحدّق في المرأة داخل المرآة، خلف المرايا الباردة هناك تسكن حبيسة العمر والذكرى، وأسيرة حلم وأوراق وأشياء أخر. حلم الطفلة راح يطفو على جلدها، ويولد من جديد من المسام، ارتعشت، ابتسمت، وتناولت المشط من جديد، وربطت شعرها إلى أعلى رأسها، ما كشف استدارة وجهها، وأبرز جمالها الذي لم يخبُ برغم السنين، وراحت تفكّ أزرار بيجامتها، وطرحتها أرضاً، وارتدت الفستان الأسود الطويل، وأعادت تشغيل الموسيقا من جديد، وهي تضع حذاء الباليرنا، تشدّ أطرافه، وبكلّ عفوية راحت تسبح في فضاء الغرفة، وعلى وقع الموسيقا تدور وتدور، وكأنّها تعود بعجلة العمر إلى ثلاثين سنة مضت، حين كانت بين يديه يرقصان على متن الليل، وفي أعالي الجبال، كالفراشة تطير من نغمة إلى أخرى، وعلى شفتيها ابتسامة طفلة، وفي ذاكرتها طيف عبر، وفي صدرها حلم يكبر، وعلى عنقها ختم أسمر، وشم يحمل اسم شمس، توقفتِ الموسيقا، انحنت تحيي الجمهور الذي أخذته الدهشة، صفّقوا طويلاً، صاحت بهم، لا تجرؤ على رفع صوتها معاتبة.
ألم تروا من قبل طفلة سُرقت أحلامها، وغدت في منطقة الصفر، شاب شعرها، وباتت تسرق الفرح من سراب العمر؟