سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الوشم .. من غرض للزينة إلى نقمة في متناول الأطفال

تقرير/ صالح العيسى –

روناهي/ الرقة-  قامت بلدية الشعب في الرقة مؤخراً بإغلاق العديد من صالونات الوشم، حفاظًا على صحة الأطفال الذين باتوا الهدف الأسهل لمثل هذه الظواهر التي تسبب الكثير من الأمراض الجلدية الخطيرة لهم.
الوشم ظاهرة شائعة في المجتمعات الشرقية خاصةً البدوية، والقروية، وقد انتشرت في أوساط  الشباب في الآونة الأخيرة، وأصبحت تتطور بصورة تتلاءم مع الموضة، والأزياء حتى بات الجسد مسرحاً للتعبير عن آراء أصحابه، مستخدمين أشكالًا، وزخارف، وكتابات تتماشى مع شخصياتهم، ومن هذه الرسومات ما تستقر على الأذرع، أو الكتف، ومنها ما يرسم على الرقبة، أو حتى على الوجه.
الوشم من موروث إلى ظاهرة مؤذية
هذه الظاهرة ليست حديثةً، أو دخيلةً على المجتمع, ومن منا لم يرَ امرأة كبيرة في السن قروية تضع الوشم إما على وجهها، أو كفَّيها وقدميها لاعتباره جالب للحظ أو كونه رمز للجمال كما كانوا يعتقدون.
وبانتشار الوشم بين جيل الشباب الحالي ظهر عملية تقليد كاملة للفنانين والرياضيين، وغيرهم ممن نراهم على شاشات التلفاز، وانتقل الشباب من رسم الوشوم الصغيرة الذي اعتدنا أن نراها إلى حفر نقوش كبيرة ذات ألوان مختلفة، ورسومات عديدة فمنها الحشرات، والحيوانات البرية، والزواحف، كما امتدَّت لحفر رموز تعبر عن الانتماء الوطني كرسم علم الدولة على الصدر، أو اليدين، وعبارات وطنية أخرى، وحتى دينية.
تاريخ الوشم، وظهوره في المجتمع الفراتي
أطلق سكان الفرات على الوشم اسم “الدك” بتخفيف الكاف، وسميت المادة التي تذر على مكان الوشم لإظهار الرسوم الغنج، ولانتشار ظاهرة الوشم في مجتمعنا هناك أسباب عدة؛ فالذكور سابقاً كانوا يوشمون من أجل العلاج من مرض ما، أو لإبعاد العين الشريرة الحاسدة، لذا فإن هذه الظاهرة عند الذكور قليلة، بينما الإناث كن يوشمن من أجل الزينة، والتجميل، وألوان الوشم هي الأزرق، والأخضر، والأسود واللون الأسود نادر نوعاً ما، وذلك بسبب حاجته إلى تقنية عالية، وكل الواشمات هُنَّ من الغجر اللاتي كُنَّ يستخدمن أساليب، ومواد بسيطة في عملية الوشم.
توارثه أهل الرقة من بوادي الجزيرة، والفرات، ومن الحثيين، واليونان أيضاً، وذلك حين أقاموا مستعمرات لهم على الفرات “كدورا أوربس، وكالينكوس الرقة البيضاء”، فاليونان اجتهدوا بنشر ثقافتهم في المدن التي كانوا يحتلونها، أو يقيمون فيها فنشروا ثقافتهم، وتقاليدهم في الأماكن التي قاموا باستعمارها، ومن هذه التقاليد؛ الوشم، الذي كان له رواج بين الأوساط الاجتماعية، وخصوصاً الوسط الأنثوي فالجدات وشمن الوجوه، وأكثر الأماكن في أجسادهن، بينما ندر الوشم عند بناتهن، أما الحسيبات فقد رفضن الوشم كلياً لاعتقادهن أنه زينة بدائية مشوهة لجمال الوجه بشكل خاص، أو براءتهن من المجتمعات الريفية، وذلك لارتباط الوشم بذلك المجتمع، ولربما كي لا ينسبن إليه، وقد تراجع هذا التقليد منذ أكثر من نصف قرن حتى أنه يكاد أن يندثر سواءً في المدينة، أو الأرياف.
لِلفت الانتباه وإثبات الشخصية
إنَّ البعد النفسي في هذا الموضوع يتمثل في أنه امتداد لتقاليد تاريخية اجتماعية كما أنه موضة، وصرعة انتقلت في أيامنا هذه إلى جيل الشباب للفت الانتباه، أو لإثبات شخصية الواشم متخذين من الفنانين والممثلين قدوةً لهم في ذلك.
كما أنَّه قد يكون شعاراً لجماعةٍ دينية، أو سياسية، أو فكرية معينة ناهيك عن كونها صرعة تهدف إلى السير في كل ما هو جديد.
بلدية الشعب في الرقة تحد من تفشِّي هذه الظاهرة
كان لابد من تدخل المعنيين في الحفاظ على سلامة الأهالي فما كان لبلدية الشعب في الرقة إلا إصدار تعميم يقضي بإغلاق جميع محلات الوشم في المدينة، وإزالة جميع الرسومات الدعائية التي تشجع على الوشم الموجودة في المحلات, وحدث ذلك يوم السبت الموافق لـ24/8/2019م.
وأوضح رئيس قسم الضابطة العامة في بلدية الشعب بالرقة طلال العلي لصحيفتنا بهذا الخصوص قائلاً: “سارعنا للتدخل حفاظًا على صحة الأطفال الذين باتوا الهدف الأسهل لمثل هذه الظواهر، وبناءً على القرار الصادر من البلدية, قامت الضابطة العامة بإغلاق، وتشميع جميع محلات الوشم في الرقة التي وصل عددها إلى 7 صالونات، وإزالة الرسوم، واللافتات”.
وأشار العلي بالقول: “ليس هناك مراقبة صحية في عملية رسم الوشم مما أدَّى لانتشار هذه الظاهرة بكثرة بين الأطفال دون سن الثامنة عشر، اللذين هم عرضةً للإصابة بأمراض جلدية، فكان لا بد من اتخاذ هذه الخطوة حفاظاً على سلامتهم”.