رامان آزاد_
مخيمُ الهولُ ليس تجميعاً لنازحين مدنيين نتيجةَ المعاركِ، بالمعنى المتعارفِ عليه، فهو يضمُّ عوائل من جنسياتٍ متعددةٍ هي حاضنةُ مرتزقة داعش”، وقد تحوّل المخيم بعد حوادث القتل المتكررة إلى رحمٍ إرهابيّ، ينشأ فيه آلافُ الأطفال، وهو أشبه بالمياهِ الراكدةِ التي تحوّلت إلى مستنقعٍ ومرتعٍ للأمراضِ السارية، وينبغي إصلاحه، والمفارقةُ أنّ المجتمعَ الدوليّ عدّ “داعش” خطراً على السلم، والأمن الدوليين، فإنَّ جهوده أدنى بكثير من حجمِ المخاطرِ المحتملةِ.
“الهُول” ينذر بالهَول
هو مخيم الخوفِ و”الهَول”، كتبت عنه الكاتبة بصحيفة الإندبندنت “بيل ترو” في مقال بعنوان “داخل مخيم الهول: أكثر الأماكن دمويّة على وجه الأرض”، ونُشر في 12/11/2021، وتناولت مشاهدَ مروّعة عن حوادث قتلٍ وعنفٍ.
العام الحالي هو الأكثر الأعوام دمويّة في تاريخ المخيم، حيث شهد وقوع 126 جريمة، بأساليبَ مختلفةٍ (الأسلحة وأدوات حادة، وخنقاً)، ففي 13/11/2021 توفيت لاجئةٌ عراقيّةٌ المنحدرة من مدينة الموصل، بعد أيام من إطلاق النار عليها من قبل مجهولين، وجاءت وفاتها بعد يوم من مقتل لاجئين عراقيين، أحدهما رئيس مجلس اللاجئين العراقيين في قسمِ الاستقبال، المخصص لإيواء قاطني المخيم المهددين من خلايا “داعش”.
وقد شهد مخيم الهول، مساعٍ حثيثةً لضبطه، بهدف إنهاء تأثير داعش، والقضاء على خلاياه في المخيم، وأطلقت في 28/3/2021 عمليةً أمنيّةً واسعة النطاق، باسم “حملة الإنسانية والأمن” ونفذت وحدات مكافحة الإرهاب، عمليات نوعيّة، كلّ منها على حدة، استمرت لمدة عشرة أيام، وتضمنت تمشيطاً كاملًا لقطاعات المخيم المؤلفة من ثماني قطاعات، وتفتيش الخيم، وإعادة تدوين سجلات قاطني المخيم، وتوثيقها بفحوصات الحمض النوويّ DNA، نظراً لامتناع أغلب أسر “داعش” عن الإفصاح عن هوياتهم الحقيقيّة، في قدومهم إلى المخيمِ، وأسفرتِ العملياتُ الأمنيّة، التي استمرت عشرة أيام، داخل مخيم الهول، عن اعتقال 158 مرتزقاً، ممن جُندوا كعناصرَ في خلايا “داعش” بالمخيم، من عراقيين، وسوريين.
ووقعت 41 محاولة قتل، في المخيم أدت الى إصابة المستهدفين، وبلغ عدد حالات حرق الخيم عمداً، 13 خيمة، كما أدتِ العمليات الأمنيّة في المخيم، خلال ملاحقة بعض عناصر خلايا مرتزقة “داعش” إلى مقتل ثلاث مرتزقة، بعد اشتباكات مع القوى الأمنية، وأحبطت القوات الأمنية في المخيم، أكثر من 27 محاولة فرار، حاولت خلالها نساء “داعش” الفرار برفقة أطفالهن من المخيم، باتجاه المناطق، التي تحتلها تركيا في سوريا، حسب ما رصده مراسلونا في لقاءات سابقة، مع نسوة داعش اللواتي حاولن الفرار.
وفي بيانها الصادر في 13/11/2021 عن الأحداث الأخيرة، ضمن المخيم أشارت قوى الأمن الداخليّ لشمال وشرق سوريا، إلى ضرورةِ تحمل الدول المعنية مسؤولياتها، حيث قالت: مخيم الهول هو معضلة دولية، وعلى القوى الدولية جميعها، الوقوف أمام مسؤولياتها في حل هذه المعضلة، علماً أنَّ قواتنا تعملُ جاهدةً، وبمختلف الطرق والإمكانات، لتوفيرِ بيئةٍ جيدةٍ لقاطني المخيم، حتى التوصل لحلٍّ دائمٍ لمعضلةٍ مخيم الهول”.
خليطٌ غير متجانسٍ
يقع المخيمُ على بعد 45 كم شرق مدينة الحسكة، ويُعرّف بأنّه أخطر مخيمٍ بالعالم، ويضم بين جنباته خليطاً من جنسياتٍ متعددةٍ، ويكمنُ وجه الخطورة، باحتجازه أعداداً كبيرةً من عوائل “داعش”، مرتبطين بفكره المتطرف، إضافةً لنازحين، ولاجئين سوريين، وعراقيين، ويعود تاريخ إنشاءِ مخيم الهول إلى عام 1991، أثناء حرب تحرير الكويت، وبتحرير قوات سوريا الديمقراطية منطقة الهول، وبعد تحرير بلدة الهول في 23/11/2015، أعيد تأهيلُ المخيم ليستقبل النازحين السوريين من مختلف المناطق الساخنة، وفي 17/10/2016 أطلقت القوات العراقيّة معركة الموصل، لتتدفق معها موجاتٌ من اللاجئين العراقيين.
وخلال معارك تحرير مناطق بريف دير الزور من سيطرة “داعش” نُقل العديدُ من العوائل إلى المخيم، وفي 9/2/2019 أعلنت قوات سوريا الديمقراطيّة بدء معركة الباغوز، الجيب الأخير لمرتزقة “داعش” وإنهاءه جغرافيّاً، وخلال المعارك نُقلت آلاف العوائل تباعاً إلى المخيم، حتى تحريره في 23/3/2019.
ويضمُّ مخيم الهول حسب الإحصائيات الأخيرة، في كانون الأول الجاري، 57460 شخصاً، معظمهم نساء وأطفال، ضمن 15603 أسرة من العراقيين، والسوريين، ونساء وأطفال “داعش” الأجانب يبلغ عددهم 8555، ضمن 2529 أسرة، من 54 جنسيّة”.
في المخيم، الذي غالبية قاطنيه من النساء والأطفال، ليس غريباً اضطلاع “الداعشيات” بدورٍ محوريّ في محاولةٍ لإعادةِ التنظيمِ، وفرض قواعده بين العائلات، وتعيش النساء، اللواتي تخلين عن الفكر المتطرف، وتراجعن عن الالتزام بتعليماته حالةَ خوفٍ دائمٍ من هجماتِ المتشدداتِ، اللواتي يواصلن، وبخاصة الأشهر الأخير مراقبتهن، فمثلاً تُمنع النساءُ من ارتداء النظارات الشمسيّة، وخلع النقاب، والتحدُّث مع الرجال بالأسواق.
تشرفُ قوات سوريا الديمقراطية على إدارةِ المخيم، لكنَّ تعداد سكانه الكبير، الذي يعادلُ بلدة كاملة، يتيحُ للنسوةِ العملَ بحريّةٍ نسبيّةٍ، وفي إطار الحفاظِ على الفكر “الداعشيّ”، أنشأتِ “الداعشيات” المتشددات ما يشبه “المحاكم الشرعيّة، و”الحسبة النسائيّة” باسم “الخلافة”، والتي تعاقبُ بالجلدِ، وإحراق الخيم، والقتلِ، وغالباً يتم التواصلُ عبر تطبيق “واتس آب”، أما السلاح فتدبِّر أمره النساء المتشددات بالمخيَّم، اللواتي يشاركن بالجرائم بأنفسهن أحياناً، مستخدمات السكاكين ومسدسات كاتمة للصوت في القتل، وتستهدف مقيمين بالمخيم، أو الحراس، أو عاملين إنسانيين.
ولا تقتصر خطورةُ المخيمِ على مساعي نساء “داعش” على إعادة تنظيم أنفسهن، بل على تربية الأطفال، وتشريبهم الفكر المتطرف، ونشره، ومحاولات الفرار المتكررة عبر خلايا نشطة.