رامان آزاد_
طيلةَ سنواتِ الأزمةِ السوريّةِ كان الموتُ حاضراً بطرقٍ شتّى وفي أماكنَ مختلفةٍ وحتى اليوم، كان ذلك بسببِ السلاحِ في سياق الحربِ الدائرةِ والتي لمّا تخمد أوزارها، ولكن أشكالاً أخرى من الموتِ برزت في البر والبحر وكذلك غرقاً وحرقاً، وهي مدعاةٌ للجميعِ لإعادةِ النظرِ في تموضعهم والتماسِ السبلِ لإنهاء الأزمة عبر الحوارِ وحمايةِ حياةِ الناس. القضية عابرة لكل الاختلافات والاصطفافات، والسؤال لماذا يقضي السوريون في غير بلداتهم نازحين أو غرقاً بالبحر مهاجرين أو حرقاً لاجئين؟
ركِبوا الموج فعادوا إلى مسقط رأسهم في نعوشٍ
فاجعتان في أقلِ من 24 ساعةٍ وقعتا في المياه الإقليميّة الجزائريّة قبالة مدينة وهران بغرقِ مركبين الأول ليلة الثلاثاء 4/10/2022، والثاني فجراً بفاصل ساعات، وقضى بنتيجته عدد من السوريين كانوا في الطريق إلى أوروبا معظمهم من أبناء كوباني، وعدد الضحايا المعلن 12، إضافة إلى ستة آخرين اُعتبروا في عدادِ المفقودين، فيما نجا 4 أشخاص فقط. وتعرّف أهالي الضحايا على جثامين 0 من أبنائهم، وأشار طبيب سوريّ وعضو اللجنة المكلفة بمتابعة الحادثة إلى وجود اثنين من الضحايا السوريين أيضاً، من اللاذقية وحلب.
وعقب الكشف عن الحادثة والتعرّف على الضحايا شكّلت “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سوريا لجنة لمتابعة تفاصيل الحادثة، وبدأت إجراءات استعادة الجثامين، لإيصالها إلى ذويهم في كوباني.
وعلى مدى أكثر من شهر تمكنتِ اللجنةُ من إتمامِ الإجراءاتِ القانونيّةِ المتعلقة باستعادة جثامين الضحايا، بالتنسيق مع السلطاتِ الجزائريّة واللبنانيّة ونقلها جواً من الجزائر إلى الدوحة ومنها إلى بيروت التي وصلت إليها النعوش واستلمها الصليبُ الأحمر اللبنانيّ، والذي بدوره سلّمها إلى الهلال الأحمر السوريّ في معبر العريضة.
ويوم الخميس 10/11/2022 اتشحت كوباني بالسوادِ مع وصول جثامين أبنائها الذين غادروها يوماً مع حقائبِ الأحلامِ، وعادوا إليها محملين في نعوش، وقد وصلت جثامين عشرة مواطنين فقط، على أنّ ترسل بقية الجثامين لاحقاً. والضحايا هم:
![]()
١- جمعة علي الفرحان ــ قرية الكرادي – صرين. (28 سنة)
٢- باسل عبد القادر عيسى قرية تل غزال – كوباني، (28 سنة).
٣- خليل علاء الدين سليمان قرية شيران – كوباني، (25 سنة).
٤- قهرمان محمود الداود ــ قرية أم الحوش – كوباني. (22 سنة)
٥- أحمد محمد رمو/كروكي ــ قرية شيران – كوباني، (41 سنة).
٦- خليل شيخ نبي محمد قرية حلنج – كوباني، (17 سنة).
٧- ريناس مسلم عمر (قرية ميناس – كوباني)، (30 سنة).
8ــ بكري محمد بوزان ــ قرية جرن – تل أبيض، (47 سنة).
٩- بكري محمد علي ــ قرية جوم علي – كوباني. (23 سنة)
10-أحمد زكريا أبو زينب (31 سنة).
كما وصل جثمان الشاب أحمد زكريا أبو زينب (حي القنينص – اللاذقية).
أما الشخصان اللذين سترسل جثمانيهما لاحقاً فهما:
ــ محمد محمود عثمان ــ قرية كوشكار – كوباني. (50 سنة)
ــ ريبر بوزان عبدي ــ قرية ميناس – كوباني. (33 سنة)
![]()
فيما اعتبر ستة أشخاص في عداد المفقودين، وهم:
١- مصطفى فتحي شكري (قرية شران – كوباني).
٢- محمد زليم محمد (من مدينة كوباني).
٣- عبد الرزاق محمود الداود (قرية أم الحوش – كوباني)، (22 سنة).
٤- شورش عزت الأحمد (قرية شران – كوباني).
٥- محمد محمود نعسان (قرية خراب كورت – كوباني).
٦- شخص لم تُعرف هويته.
وكتبت النجاة لأربعة أشخاص، هم:
١- أزدشير الكردي (حي كانيا مشده – كوباني).
٢- باسل أحمد عيسى (قرية حلنج – كوباني).
٣- ريدال محمد مسلم (قرية تعلك – كوباني).
٤- محمود حمد الخليل (سري كانيه – رأس العين).
وقالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين غالباً ما تكون الممرات في بحر إيجة بين الجزر اليونانيّة والسواحل التركيّة محفوفة بالمخاطر، وقد فقد العديد من المهاجرين واللاجئين حياتهم وهم يحاولون السفر على متن قوارب غير مناسبة أملاً بالوصول إلى أوروبا.
لم يتم تداول اسم الجزائر خلال الفترة الماضية كجهةِ عبورٍ لمهاجرين باتجاه السواحل الأوروبيّة، والمتعارف أنّ بلدان العبور هي تركيا وليبيا ولبنان، ولكن خلال الأشهر الماضية برز اسم الجزائر كمحطة محتملة للسوريين الذين يقصدون دول الاتحاد الأوروبيّ عبر البحر.
القصة في الجزائر لم تنتهِ، ولازال هناك بقية من المأساة، فقد أفادت تقارير إعلاميّة بأنّ السلطات الجزائرية ألقت في 25/10/2022، بمجموعة من 62 مهاجراً سوريّاً بينهم نساء وأطفال في منطقة صحراويّة على الحدود مع النيجر، بعد مصادرة هواتفهم وكلّ مقتنياتهم الأخرى، ودون تقديم الماء أو الطعام لهم، وكما أنّها اعتقلت في 15/10/2022 أكثر من 55 آخرين في مدينتي وهران ومستغانم بانتظار ترحيلهم وتحمل جوازاتهم التأشيرة الليبية”.
وبحسب مركز توثيق الانتهاكات أنّ السلطات الجزائرية قامت بترحيل أكثر من مئتين وثلاثين لاجئ سوري إلى صحراء النيجر منذ بداية العام الجاري في ظروف صعبة للغاية.
لمُّ الشملِ لا يشملُ السوريين
المفارقة أنّ مدينة الجزائر استضافت في 1/11/2022، مؤتمر قمة الجامعة العربيّة العادية الـ31 في الجزائر تحت شعار “لم الشمل العربيّ”، وكانت سوريا الغائبة الحاضرة. فقد غاب التمثيل السوريّ الرسميّ، ولكن السوريين حضروا في ميدان آخر، في حادثي غرق مركبين في البحر ونقلهم قسراً إلى صحراء النيجر مع مئات اللاجئين الهاربين الأفارقة. وبالمجمل، لم يحِن بعد موعدُ لم شمل السوريين، والجهد العربيّ طيلة السنوات الماضية كان في منحى آخر مختلف. كما لم يصدر أيُّ تعليقٍ من جانب السلطات الجزائريّة حول هذه المعلومات التي أكدتها التقارير الإعلاميّة.
ومن آخر فواجع البحر أن شهد ساحلُ مدينة طرطوس السوريّة في 21/9/2022 غرق قارب يقل سوريين ولبنانين وفلسطينيين، في حادثةٍ “مفجعةٍ” تجاوز عدد ضحاياها 100 شخصاً.
الهجرة رغم مشاقها مستمرة، وفي وقت آخر يقضي سوريون غرقاً في بحر إيجة أو تائهين في غابات بلغاريا، وقد أعلنت السلطاتُ الرومانيّة الإثنين 7/11/2022 أنَّ الشرطة في مدينة آراد عثرت أثناء عملية تفتيشٍ روتينيّةٍ عند النقطةِ الحدوديّةِ على 46 مهاجراً كانوا مختبئين داخل شاحنتين محملتين بقضبان الحديد متجهتين إلى المجر.
16مواطن ضحايا الفطر السام في الرقة
في الرقة ارتفع عدد ضحايا تناول الفطر السام، إلى 16 شخصاً، فيما لا يزال عددٌ من الأشخاص قيد العلاج في المشفى، ففي يوم الثلاثاء 1/11/2022، استقبلت مشافي الرقة 26 حالة تسمم، لأشخاص تناولوا الفطر السام، ونتيجة لذلك أصيبوا بقصورٍ حادٍ بالكبد وفقاً لبيانٍ أصدرته هيئة الصحة، وغالبية المصابين من الأطفال ومن عائلة واحدة (خالد وأحمد ومحمد السليمان)، وقد تسمموا بعد تناولهم لفطر سام، وجدوه أثناء رعي الأغنام.
وفي اليوم التالي توفي 6 أطفال بعد نقلهم إلى المستشفيات (أُسعف معظمهم إلى مستشفى الرقة الوطنيّ، ونقل طفلان إلى مستشفى الفرات وآخران إلى مستشفى الطب الحديث)، ويوم السبت الماضي، ارتفع عدد الوفيات إلى 11 شخصاً. والاثنين 8/11/2022 ارتفع عدد الضحايا إلى 16 شخصاً، والثلاثاء أعلن المشفى الوطنيّ في مدينة الرقة عن شفاء ستة أشخاص من التسمم، وقال المدير الإداريّ في مشفى الرقة الوطنيّ ابراهيم العمر إنَّ عدد حالات التسمم بالفطر بلغت 31 حالة غالبيتها من الأطفال وأشار إلى وجود امرأة بقسم العناية وشخص آخر في قسم الداخليّة.
وينحدر المصابون من منطقة السخنة شرق حمص، وهم رعاة أغنام استقروا في قرية أبو وحل شرق الرقة، ويعملون في تربية الأغنام ورعيها، وقد استأجروا مرعى “برسيم” لأغنامهم، ووجد أطفالهم الفطر في “البرسيم”، وحملوه إلى أهلهم ورغم تحذير قريبٍ لهم، إلا أنّهم تناولوه، وتسمموا على إثرها.
استنفرت مدينة الرقة على المستوى الطبيّ والمجتمعيّ وتبرع مواطنين بالدم وبذلك توفرت الكميات المطلوبة، وباتت قضية التسمم قضية الساعة في المدينة.
وفاة 8 أطفال سوريين حرقاً في بورصة
توفي تسعة سوريين معظمهم من الأطفال مساء الثلاثاء 8/11/2022، جرّاء اندلاع حريق مروّع في منزل يعيشون فيه بمدينة بورصة، وذكرت صحف تركية أنّ الحريق كان في الطابق الأول من مبنى سكنيّ من أربعة طوابق في منطقة يلدريم في بورصة، وأفادت المعلومات الأوليّة أن سببَ الحريق هو مدفأة فيما تستمر التحقيقات مستمرة لمعرفة السبب.
المتوفون هم “امرأة وأطفالها الستة، وطفلان من أبناء عمهم من قرية شامر على طريق حلب الباب القديم قرب رادار الطعانة غربي مدينة الباب بريف حلب الشرقي، وهم:
أمينه الطه الموسى 33 سنة، ياسر حسين الحميد 10 أشهر، محمد حسين الحميد 3 سنوات، أحمد حسين الحميد 5 سنوات، غرام حسين الحميد 7 سنوات، مرام حسين الحميد 8 سنوات، علي حسين الحميد 10 سنوات، علي عامر الحميد 11 سنة، أحمد عامر الحميد 10 سنوات.
وفاة بحادث سير بتركيا
كما توفي سوريان يوم الإثنين 7/11/2022، في حادث انقلاب حافلة في منطقة غورون بولاية سيواس وسط تركيا. المتوفيان هما محمد الحاج علي (26 سنة) وأحمد المسلط (29 سنة) وكلاهما يحمل بطاقة الحماية المؤقتة. ووفق ما أظهرته صور الضحايا فقد كانوا مقيدين.
وكانتِ الحافلة تقل 45 شخصاً، بينهم 38 لاجئاً سوريّاً، وسائقين وخمسة من عناصر الدرك، كما أصيب نحو 30 آخرين بجراح بينهم 10 حالات خطيرة، نُقلوا على إثرها إلى المشفى في ولاية سيواس التركية.
وقالت وكالة dha التركيّة، إنَّ الحافلة كانت تقل مهاجرين من إسطنبول إلى ديار بكر بتكليفٍ من رئاسة الهجرة التركيّة، وأشارت إلى أنَّ الحافلة انقلبت نتيجة الأمطار والأحوال الجويّة السيئة.
وفي سياق متصل، أعلن والي إسطنبول يرلي قايا، ترحيل أكثر من 41 ألف مهاجر غير شرعيّ من المدينة منذ بداية العام الحالي، وأشار إلى أن الولاية نقلت أكثر من 100 ألف أجنبي إلى مراكز الترحيل في مدن أخرى بتنسيقٍ من مديرية إدارة الهجرة لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
وكان نائب وزير الداخلية التركية، إسماعيل تشاتاكلي، قد قال إنّ عدد السوريين العائدين إلى بلادهم تجاوز 531 ألف شخص.
في الموت وبخاصةٍ ما يكفي من العبرةِ البليغةِ لتصحيحِ مسارِ الحياةِ، ولم يثبت على مدى 12 سنة من الأزمةِ أنّ السلاحَ سيفتحُ مسارَ الحلّ ويُنهي الأزمةَ، وهذا ما يضع كلّ الأطراف أمام مسؤولياتها الأخلاقيّة والوطنيّة والتاريخيّة، لتتوقف بذلك قوافل الهجرة ويُوضع حدّاً للموتِ المجاني على مذبحِ مصالحِ الأطرافِ الخارجيّة وفي مقدمتها أنقرة.
