الشدادي/ حسام دخيل ـ
أفرزت الحرب السورية منذ اندلاعها في الخامس عشر من آذار في العام ألفين وأحد عشر، العديد من المشاكل، التي أثرت على المواطن بالدرجة الأولى، فدفعته إلى التهجير من موطنه، دون أن يعلم بأن مرارة ظروف الحرب في بلده، تكافئ المخاطر والمساوئ خارجها.
ويقطع يومياً مئات الشباب السوريين آلاف الأميال، من مناطقهم؛ بغية الوصول إلى أوروبا؛ بحثاً عن حياة كريمة، في رحلات لا تخلو من المخاطر، والتي قد تؤدي أحياناً بالمهاجر إلى أن يكون جثة هامدة، تطفو على سطح البحر، أو مرمية في إحدى غابات صربيا، أو بلغاريا، ولكن على الرغم من ذلك، لم تنخفض معدلات الهجرة من السوريون، بل على العكس تماماً، يضطر الآلاف من الأشخاص لبيع أغلى ما يملكون؛ من أجل الوصول إلى القارة العجوز.
أسباب لجوء السوريين للهجرة
للحرب السورية، التي لازالت قائمة في عامها الحادي عشر تأثير على المواطن، الذي يبحث عن طريقة ما ليتخلص مما يعيشه في بلده سوريا، التي انعدمت فيها معظم مقومات الحياة، ولعل التدهور الاقتصادي في مقدمة القائمة، فيجازفون بحياتهم ظناً منهم أن بلاد الغربة ستكون أدفأ من حضن الوطن، يقول محمد، وهو اسم مستعار اختاره أحد الشباب لنفسه، وهو الآن يحاول الوصول إلى أوروبا: “لعل أكثر ما دفعني للهجرة، هو العامل الاقتصادي، والبطالة في سوريا، حيث وصلت أنا إلى أعتاب الثلاثين من عمري، ولم أحظَ بأي فرصة عمل، تؤمن حياة كريمة لي ولعائلتي، وفي حال حصولي على فرصة عمل، لن أحظى بمرتب يستطيع سد احتياجاتنا لمدة أسبوع واحد فقط، فضلاً عن انعدام الأمن، فمعدل الجريمة ارتفع، كل يوم نسمع، أو نشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي مئات الجرائم التي تحصل، بالإضافة إلى الحرب السورية، التي طالت كثيراً، فكل ما وصلنا إلى حالة من الاستقرار، تنطلق شرارة حرب جديدة”.
الحرب السورية كانت طاحنة وأثرت على المجالات كافة، وهذا ما زاد من معاناة المواطن السوري، ودفعه إلى مواجهة المخاطر باختياره طريق الهجرة، وأفاد محمد “ناهيك عن الأسباب الرئيسة التي ذكرناها، توجد أسباب أخرى هي كفيلة أيضاً بدفع الشعب السوري إلى الهجرة، منها انعدام الخدمات الأساسية كالخبز، والمياه، والكهرباء، ونقص الرعاية الصحية، والجفاف، الذي ضرب البلاد، فحياة السوريين باتت تشبه برنامج من أجل البقاء، الذي يتحدث عن كيفية البقاء حياً، رغم انعدام الظروف اللازمة للحياة”.
صعوبات في طريق هجرتهم الوعر
أن تهجر موطنك، لا يعني أن الطريق مفروش أمامك بالورود، فالصعوبات جمة، ومتعددة، والحمل يزداد سواء من الناحية المادية، أو من ناحية الحفاظ على حياتك في ظل المخاطر، التي ستواجهك، حيث يلفت محمد، الذي اختار الهجرة من موطنهم إلى المخاطر، التي تواجههم في الطريق، والمعاناة التي يصادفونها في الطريق: “المشاكل والمصاعب كثيرة تبدأ من لحظة اتخاذك قرار الهجرة، حيث يكلف المهاجر غير الشرعي أكثر من /12000/ يورو، من أجل الوصول إلى أوروبا في رحلة محفوفة المخاطر، تبدأ المشكلات من تأمين المبلغ، حيث يعادل المبلغ أكثر من /60/ مليون ليرة سورية، وهذا المبلغ يعد باهظاً جداً فيما يتعلق بفرد سوري، أنهكته الحرب، ومدمر اقتصادياً، حيث يضطر إلى بيع أغلى ما يملك سواء منزل العائلة، أو قطعة أرض كان قد ورثها، أو أي شيء قابل للبيع من أجل تأمين مستلزمات الرحلة”.
ويضيف، بأنه بعد الانتهاء من تأمين المبلغ تبدأ رحلة البحث عن “مهربين مضمونين”، كما سماهم، من أجل دخول الأراضي التركية، والتي تعدّ أولى المحطات للرحلة الطويلة، ويتقاضى المهرب مبلغ يتراوح بين 1000 و1500 دولار أمريكي من أجل الوصول إلى داخل تركيا.
لا ينحصر دور المحتل التركي في إطالة الحرب السورية بقصف السوريين، وخاصة المدنيين منهم، فيهجرون قسراً من موطنهم، بل يتعدى ذلك، ويمكن للمهاجرين أن يتعرضوا بطريق هجرتهم لعنجهية ووحشية الجانب التركي، وعن هذا الأمر يردف محمد “على الرغم من دفعك لهذا المبلغ الكبير، إلى أن رحلة الدخول إلى داخل الأراضي التركية، ليست مدهونة بالعسل، بل لا تخلو من الصعوبات، فقد تتعرض للاعتقال، أو الابتزاز من قبل مرتزقة المعارضة السورية، بغية تشليحك أموالك، فضلاً عن تعرضك للاعتقال على يد الجندرمة التركية؛ ما قد يعرض حياتك للخطر، فهم يطلقون الرصاص عليك بشكل مباشر، إذا ما رؤوك، وأنت تحاول اجتياز الحدود، وقد تتعرض للضرب المميت في حال وقعت بين أيديهم”.
ويفيد “بالعودة إلى موضوع المهرب المضمون، فقد تعرض الكثير من المهاجرين إلى عمليات احتيال، من قبل بعض ممن يسمون أنفسهم بمهربي البشر، حيث يأخذون أموالك ويرمونك، ويتركونك لمواجهة مصيرك”.
تتساوى نسبة الحياة والموت في الميزان لدى الهجرة، فيجب أن تضع نصب عينيك، أن نهايتك ربما تكون الموت، في ظل تلك المخاطر، ويوضح محمد هذه الفكرة بالقول: “أما رحلة الوصول إلى القارة العجوز عبر تركيا، فالطريق ليس مفروشاً بالورود، والرحلة لا تقل خطراً عن رحلة الوصول إلى تركيا من سوريا، فالمهاجر مضطر لعبور حدود عدة دول منها صربيا، وبلغاريا، واليونان، وغيرها، ويـضطر أيضاً للنوم في العراء وسط الغابات، أو المجازفة بالبحر عبر قارب مطاطي، ففرص الموت، والحياة هنا تكون متكافئة، المهاجر يضع نصب عينية أسوء الاحتمالات، التي قد يتعرض لها، سواء الموت في الغابات، أو الموت غرقاً في عرض البحر، أو عبر ملاحقات الأجهزة الأمنية لهذه الدول، ولكن من جهة أخرى تبقى فرصة النجاة، والوصول إلى إحدى دول الاتحاد الأوربي، والتي تكون آخر محطات الرحلة الطويلة”.
الهجرة ليس خياراً جيداً للسوريين، ولكن كما ذكرنا آنفاً البعض منهم يختار هذا الطريق؛ ليتخلص من ويلات الحرب، التي لازال السوريون كافة يعانون منها، كونها لم تنته بعد، وتأثيراتها في مقومات الحياة، لازالت قائمة.
