سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

المناهض لذهنية الإسكندر تحوّل إلى زيوسودرا العصر ـ1ـ

أحمد بيرهات: (كاتب وباحث ورئيس مشترك لمنتدى حلب الثقافي)_

 بعد ما شاهد ورأى وعاش وشعر وذاق القائد عبد الله أوجلان مرارة ما تعرّضت لها الشعوب في الشرق الأوسط عامة، والكرد في باكور كردستان بشكلٍ خاص، تبادر إلى ذهنه أسئلة وجودية وهي:
ما هي القوى التي جلبت الويلات والمصائب على حياة الشعوب، وما أسباب ومصلحة هذه القوى في ذلك، وشكل ونوعية الذهنيات التي تحملها هذه القوى؟
قام القائد أوجلان بالرد على هذه التساؤلات وإيجاد تفسيرات لها ولاحظ أنه قد توصل إلى مرحلة متقدمة في ذلك عندما تخلى عن الذات الأنانية وقدَّم مصلحة المجتمع كمبدأ أساسي ابتداءً من ثقته بنفسه وهذا ما كان المفتاح للباب الذي كان مغلقاً ويمنع فتحه بتوجيهات من القوى المشار إليها، فقام القائد أوجلان بصهر ذاته مع المجتمع وأسس تركيبته الجديدة وفق مفهوم إن “الحياة لابد أن تستجيب لأهدافنا وفي العيش على أرضنا بشرف وكرامة” وكانت الأداة الثورية الفاعلة هي نظام القناعة القائلة: “نحن من سنمثلها”.
هذا الاستنتاج الفلسفي السوسيولوجي القيّم قد أتى من حالة الضياع والبلبلة اللذان يحيطان بالهوية الكردية والحياة المعاشة آنذاك (فالضياع بين الهويات الدينية والطائفية والعشائرية والأثنية المختلفة من شأنه تفتيت وتقسيم المجتمع والأمة من خلال سيطرة ذهنية الجغرافية والمكان، وبالتالي الاغتراب عن الثقافة الأم)، فالقائد أوجلان خرج من منطقة يعيش فيها الكرد والعرب والأرمن والأتراك مع بعضهم البعض، وهذا ما أثر وساهم في بناء مشروعه في مسيرته النضالية في التحولين الأول والثاني.
انتقد القائد أوجلان تجربة حركة حرية كردستان (أيديولوجية الحزب في السبعينات من القرن الماضي) بعد أعوام الألفين وضمن تجربة الأسر وهذا ما فتح المجال له للتعمق في ماهية الأسباب الكامنة للمعضلات الكونية والطبيعية والإنسانية ومع القيام بعملية النقد قام بإعادة ترتيب القيم الأخلاقية المجتمعية كمبادئ أساسية إنسانية لمشروعه الجديد (الأمة الديمقراطية).
فقام بتجميع ما هو مشترك بين الهويات المتعددة (الإثنية والدينية والطائفية) وحوّلها من أداة في يد القوة الدولية تستثمرها ضد المجتمع وتحويلها إلى قوة ومحاولة منه لاسترداد حقوق الشعوب من براثن القوى والأنظمة التسلطية في الداخل والخارج وهذه معادلة أوجلانية بامتياز.
ويلاحظ من خلال هذا تشخيصنا الهام هذا ومن خلال التمعن في قراءة مجلدات القائد عبد الله أوجلان الخمسة وبالكثافة والمهارة التي يتحلى به والغوص في بحر الأسئلة الوجودية المطروحة الذاتية والموضوعية توصّل من خلالها إلى نتيجة أنه:
من الضروري تجاوز الهويات الفرعية أو الضيقة بل يجب التأسيس لهوية جامعة وطرح ذلك تحت عنوان مانيفستو الحضارة الديمقراطية والتي ترتكز على العيش المشترك وأخوّة الشعوب وفق إدراك وفهم كوسمولوجي وأيكولوجي ومجتمعي جديد وبرؤية ثاقبة.
يعد الهدف من الهوية الجديدة (الجامعة) هو إحياء ثقافة ميزوبوتاميا المتعددة المكونة من حضارات شعوبها الأصلية والتي شكلت مهد الحضارة البشرية وأراد القائد أوجلان من خلالها السير نحو تأسيس هوية الحضارة الديمقراطية من خلال مشروع الأمة الديمقراطية.
وتحولت مع مرور الوقت إلى عقيدة وحاملها هو القائد أوجلان الذي تحول إلى رمز وعالم ومفكر منظومة المجتمع الكردستاني KCK وبات يقود مهمة استثنائية في عالم تسوده ثقافة الحداثة الرأسمالية وهدفه تسخير كل شيء في سبيل تحقيق الربح والمنفعة على حساب كل القيم والمبادئ الكونية والإنسانية.
يعلمنا التاريخ أنه في غياب القائد يحدث ما لا يُحمد عقباه وهنا يظهر دور الفكر الذي زرعه هذا القائد الكاريزمي المؤثر مع رفاقه الكوادر الأوائل القياديين للسير بالشعوب نحو تحقيق الهدف الذي جمعهم في بداية تأسيس حركة حرية كردستان في سبعينيات القرن الماضي وهو تحقيق كونفدرالية الشرق الأوسط الديمقراطي وناضلوا من أجل تحقيقه في الخطاب والممارسة فالمشروع والعقيدة والتنظيم الصحيح هو أن يكون “الحامل أقوى من المحمول” وعكسها هو التضحية بالمشروع لحسابات أنانية.
تقول الأسطورة السومرية أن حكمة وإبداع زيوسودرا أدت لإنقاذ البشر من غضب مجلس الآلهة. ومع تذكيرنا بهذه الأسطورة يمكننا القول إن دور زيوسودرا يقوم به القائد أوجلان صاحب المحمول الفكري المنقذ، فقد عمل وبحث هذا المفكر عن الخير والجميل في كل شي في الكون والطبيعة لإنقاذه من براثن الحداثة الرأسمالية، من خلال تحليلاته وتشخيصاته والبراديغما المبدعة كعلم سوسيولوجي جديد بهدف نيل المجتمع لحريته، والعيش حياة كريمة.
هناك سؤال يجب التركيز عليه وهو، هل يكفي أن نبني على هذه الرؤية الفكرية فقط لتحقيق هدف المشروع الحامل لقضايا الأمة الذهنية والثقافية المختلفة وإعادة المشتتين والمقسمين إلى جسد المجتمع عبر إبراز دور القيادة الحكيمة والصالحة والرشيدة؟
إضافةً إلى نقطة يجب التركيز عليها وعدم إغفالها وهي طريقة البحث عن الأسباب الموضوعية والذاتية التي لعبت دوراً رئيسياً في التحولات الثورية والاجتماعية.
يجب ملاحظة كيفية التحوّل الذي طرأ على حركة حرية كردستان من مجموعة وحزب ثوري صغير إلى منظومة مجتمعية كبيرة ومن صاحب أطروحة بدأت بكلمتين بهدف إنقاذ شعب مشتت إلى قائد وحركة استثنائية، وأعتقد أن هذا الاستنتاج الذي نحن بصدده بحاجة إلى دراسات مستفيضة من قِبل مفكرينا ومثقفينا المحترمين والغيورين على قضاياهم الأساسية والمصيرية.
وعلى هذا الأساس يمكننا القول إن:
الأوجلانية أنارت طريق الحرية للكرد ولكل شعوب المنطقة والمستقبل بات واضحاً ومُشرقاً لنيل شعوب المنطقة حريتها وتحقيق حضارة ديمقراطية معاصرة.
تعد الأسس المتينة التي وضعها القائد عبد الله أوجلان وتمثيله لقيم المجتمع، وعدم الرضوخ لإملاءات قوى الهيمنة العالمية والقبول بأجنداتها قد جعلت القوى المتضررة من فلسفته هذه تفكر بإبعاده عن الساحة من خلال القيام باستهدافه بمؤامرة كبرى في مكان تواجده في سوريا والسؤال هنا، متى وكيف بدأت المؤامرة وما هي أهدافها؟
لقد كان الهدف من المؤامرة التي بدأت في التاسع من تشرين الأول عام 1998 من خلال استهداف القائد عبد الله أوجلان هو الإبقاء على الكرد بدون هوية، كونه عمل على تأسيس الشخصية الكردية الجديدة عندما رد على النظام الحاكم في أنقرة بكلمة “لا وكفى”، فتمرد وانتفض على سياساتها وفق نهج علمي وعلى أسس فكرية تحررية وثورية وعمل على وضع وبناء مقاومة وجبهة منظمة معتمداً في ذلك على إمكانيات شعبه المحدودة وهذا ما جعله مستهدفاً من قبل الفاشية التركية والقوى الرجعية والأوليغارشية الإقليمية والدولية.
الرؤية الفكرية والمقاومة المسلحة والأشكال التنظيمية المختلفة كانت وراء كل المكتسبات والإنجازات التي تتحقق للقضية الكردية فيما بعد وأفكار الأمة الديمقراطية ومشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية هي خلاصة نضال وتجارب المرحلة التي سبقته وما الخوف من الاعتراف الدستوري والقانوني والحقوقي بالكرد والإدارة الذاتية الديمقراطية في أجزاء كردستان الأربعة إلا إثبات لذلك.
لقد كان من أهداف المؤامرة الدولية التي استهدفت القائد أوجلان هو العمل على تشتيت الصف الكردي، ولنسف تشكيل مرجعية خاصة بهم ومحاولة إفشال استرداد الكرد لحقوقهم في الأجزاء الأربعة والوقوف في وجه نضال الكرد الساعيين في نضالهم بالاعتراف الحقوقي والدستوري بهويتهم كشعب مستقل لهم خصوصيتهم الثقافية ولهم الحق في العيش على أراضيهم التي يقطنوها منذ آلاف السنين.
المؤامرة الدولية مازالت مستمرة وبأشكال متعددة ومن خلال استهداف مشروع القائد أوجلان الذي يعمل على لم شمل الشعوب والمكونات وفق تعددية ثقافية – لغوية- اجتماعية – سياسية، والحفاظ على الاختلافات العقائدية والمذهبية الدينية المتعددة تحت سقف مرجعية واحدة، فلكل شعب خصوصيته ضمن كونفدرالية ديمقراطية تعيش شعوبها في تكاتف وتعاضد دائم.
السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن إفشال المؤامرة الدولية؟
ليس من السهل إفشال هذه المؤامرة كونها مؤامرة دولية والمشاركين فيها كُثر والمؤثرين على مستوى العالم والمهيمنين عليه.
وعلى هذا الأساس من الضروري أن يكون الرد على هذه المؤامرة الدولية عبر مقاومة شعبية دولية أيضاً، وهذا ما شاهدناه في ثورة روج آفا وتجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا.
وكمثال حي على ذلك هو إعلان يوم التضامن مع مقاومة كوباني ومقاومة عفرين، والتفاف وتضامن كل الشعوب الحرة حول مقاومة ثورة روج آفا وتجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا ومقارعتها للاحتلال التركي.
 ومع مرور الوقت وتصعيد المقاومة ضد المؤامرة الدولية مما أدى إلى إضعاف المؤامرة لذلك اتخذت لنفسها أشكالاً جديدة من خلال سياسة العزلة والتجريد ضد القائد أوجلان، ومن خلالها استهداف الشعب الكردي واليوتوبيا التي أسس لها لكل شعوب المنطقة والعالم.
السؤال المطروح في مواجهة استمرار هذه المؤامرة، ماذا نحن فاعلون؟
بكل تأكيد هناك دور هام للكادر والإنسان الحر، فهو العنصر الأساسي في الفلسفة الأوجلانية ويقع على عاتقه دور حماية فكر وأيديولوجية وبراديغما القائد أوجلان، والإصرار والمضي في تحقيق المجتمع المتنوع وحرية الشعوب هي أمل وهدف القائد أوجلان الذي وضحه في مشروعه.
فاستهداف حركة حرية كردستان وشعوب المنطقة، وإضعاف مقاومتهم ووضع شرخ بينهم كان من أولويات أهداف المؤامرة الدولية، وبفهمنا لهذا المنطق سيكون الرد المناسب هو العمل الجدي والصحيح الذي سيُفشل وينهي هذه المؤامرة التي تستهدف كل شيء يخص المشروع الديمقراطي للقائد أوجلان الذي يتخذ المجتمعية أساساً.
ومن الأهمية بمكان السير على الطريق الذي رسمه وسلكه القائد عبد الله أوجلان وشهداء الحرية وهذا بالتأكيد سوف يفشل المؤامرة الدولية وهنا تكمن مسؤولية وواجب حركة حرية كردستان وشعوب المنطقة قاطبة في إفشال هذه المؤامرة وبأقصى بسرعة، فحكمة حركة حرية كردستان علمتنا إنها بدأت نضالها بالمقاومة وباتت عقيدة بالنسبة لها وتؤمن بأنها ستصل إلى أهدافها وتنتصر بالمقاومة.
وعلى هذا الأساس بات القضاء على الشخصية الكادرية والإنسان الحر والمناضلين الذين تخرجوا من المدرسة الأوجلانية من أحلام الفاشية التركية وقوى الهيمنة العالمية، فلقد تحوّل القائد أوجلان إلى أيقونة ثورية لكل المطالبين بالحرية في العالم وتحولت براديغماه إلى أسلوب الحياة النضالية.
أعتقد أن هزيمة هذه المؤامرة الدولية بشكلٍ نهائي ستتحقق بوصول شعوب المنطقة إلى بناء مشروع الأمة الديمقراطية وسيعلن بذلك عن نهاية هذه المؤامرة الدولية التي كان الهدف والغاية الأساسية والرئيسية منها إطفاء نور الحرية والديمقراطية وصهر ثقافة الشعوب المؤمنة بالعدالة والمساواة في بوتقة ثقافة الحداثة الرأسمالية.