سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

المقاربة التركية… في استثمار القضية الفلسطينية

القضية الفلسطينية كانت ولا زالت القضية المحورية عربياً، وموضوع الساعة في كثير من اللقاءات الدولية ونقاشات الأمم المتحدة، وأن كانت الآلاف من القرارات الأممية قد صدرت، إلا أنها لم تلقَ إلا الإهمال وإدارة الظهر لها، وفيما استمرت إسرائيل في سياستها والعرب في شعاراتهم، استغلت الكثير من الأنظمة الاستبدادية القضية الفلسطينية وراحت تُظهر نفسها كأنها الراعي الرسمي للقضية الفلسطينية والفلسطينيين، وكان خير مثال على ذلك نظام ملالي إيران والنظام الشوفيني التركي.
الواقع سيد الموقف لا الاتفاقات ولا الشعارات
“إن إسرائيل بحاجة إلى بلد مثل تركيا في المنطقة. وعلينا أيضاً القبول بحقيقة أننا نحن أيضاً بحاجة لإسرائيل. إنها حقيقة واقعة في المنطقة”، هكذا وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عام 2016، العلاقة بين إسرائيل وتركيا، خلال تعقيبه على التوتر الإعلامي الذي طرأ على العلاقة بينهما عقب مهاجمة الجيش الإسرائيلي سفينة تركية كانت تنقل مساعدات غذائية لغزة عام 2010 وأوقع قتلى أتراك في الهجوم.
التوتر الإعلامي الذي حدث، نتيجة ما أسماه رئيس الوزراء الإسرائيلي  بنيامين نتنياهو آنذاك بـ “سوء فهم”، ذاب سريعاً أمام تجذر العلاقة بين البلدين. واستمرت عبارة أردوغان بـ “أن البلدين لا يستطيعان الاستغناء عن بعضهما” تسير بمفهومها العملي، على أرض الواقع، وتعزز الحكومتين المستويات “الاقتصادية والعسكرية والأمنية” نحو مستوىً أعلى وأكبر.
الشعارات للفلسطينيين والسلاح والدعم لإسرائيل
الخطاب التركي المناصر للقضية الفلسطينية بالشعارات فقط، ما زال يوهم بعض الفلسطينيين والجمهور العربي أو الإسلامي، لكن هذه الخطابات التي لا تخلو من العبارات الحماسية الإعلامية سرعان ما تتبدى أمام حقيقة الواقع، حقيقة أن تركيا برئاسة حزب العدالة والتنمية، تتصدر المركز الأول في الدول “الإسلامية” التي تتعامل تجارياً مع إسرائيل، في حين يتصنع الرئيس التركي أردوغان، على الإعلام، إيماءات التعاطف ومناصرة الفلسطينيين.
تاريخياً، انطلقت العلاقات التركية الإسرائيلية عام 1949، وكانت تركيا أول دولة “إسلامية” تعترف بقيام دولة إسرائيل، وضمن الاتفاقات المُوقعة بين الطرفين، وفي عام 1996 وقّعت الحكومة التركية مع تل أبيب اتفاق الشراكة الاستراتيجية، وكان اتفاقاً علنيّاً وشمل بنوداً عدة تتراوح بين تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون العسكري والتدريب.
وبتولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا عام 2002، عمل الحزب على تعزيز الاتفاقات “الأمنية والعسكرية والاقتصادية” السابقة مع إسرائيل، فيما حافظ من أجل الفلسطينيين، على خطابه الحماسي الكاذب في مناصرة القضية الفلسطينية، في حين يُبطن الحزب تعزيز التعاون على أعلى مستوياته مع إسرائيل.
المال الإسرائيلي يُسكت أردوغان عن الدم التركي في بحر غزة
الحادثة الكبيرة التي شهدتها العلاقة التركية – الإسرائيلية، كانت عام 2010، حين هاجم الجيش الإسرائيلي، سفينة “مرمرة” التركية التي كان على متنها نشطاء أتراك وغيرهم، كانوا في طريقهم لبحر غزة، لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، راح ضحية الهجوم الإسرائيلي، 10 نشطاء أتراك.
ولكن ذلك أيضاً لم يؤثر على العلاقة التجارية العميقة بين البلدين، ووفق تقريرٍ إسرائيلي رصد الآثار الاقتصادية عقب الحادثة، فقد شهد التبادل التجاري بين البلدين ارتفاعاً في الصادرات والواردات التجارية.
ولتزيد بعدها العلاقة وتوقع الحكومة التركية اتفاقية تطبيع العلاقات بين البلدين عام 2016، وتقبل تعويض إسرائيل بـ 20 مليون دولار عن الضحايا الذين وقعوا في الهجوم على السفينة.
تضاعف حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل
مؤخراً كشفت بيانات إسرائيلية، عن حجم التبادل التجاري مع تركيا والذي تخطى وفق المعلومات، حاجز الـ 4 مليار دولار، لتظل تركيا بالمركز الأول على مستوى الدول الإسلامية، المتعاملة تجارياً مع إسرائيل.
وكان مركز الزيتونة الفلسطيني، للدراسات والاستشارات. قد أعد تقريراً، كشف فيه أن الصادرات الإسرائيلية لتركيا بلغت خلال عام 2017 ما قيمته 1.4 مليار دولار، في مقابل واردات إسرائيلية من تركيا بحوالي 2.9 مليار دولار. وهي في اتجاهي الصادرات والواردات، تزيد عن أربعة مليارات دولار.
ونشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بيانات نقلاً عن دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، جاء فيها أن “تركيا تستورد من إسرائيل بقيمة 1410 مليون دولار، وتصدّر لها بقيمة 2856 مليون دولار”.
التقديرات الإسرائيلية، تُشير إلى أن حجم التجارة الخارجية لتركيا في عهد أردوغان مع إسرائيل زاد بنسبة 14% في السنوات الأخيرة.
ومن جهة أخرى، يقول تقرير إسرائيلي، إن تركيا تُعتبر أكبر ناقل للمسافرين الإسرائيليين حول العالم، وأواخر العام الماضي 2018 وقعت الخطوط الجوية التركية اتفاقية مع أكبر بنوك إسرائيل “Hapoalim” من أجل إصدار بطاقات خصم “IsraCard” لرحلات الطيران على خطوطها من وإلى إسرائيل.
 
الدجل الإعلامي التركي في خدمة إسرائيل
وبالعودة إلى فترة ما بعد قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل في نهاية عام 2017 والذى اعترضت عليه أنقرة بشدة وصدر عن أردوغان تصريحات تجاه إسرائيل بسببه، زادت نسبة الصادرات إلى إسرائيل بنسبة 3%  و1% في الواردات و2% إجمالي حجم التبادل التجاري وذلك عند مقارنة بيانات الأشهر الثلاث الأولى لعام 2018 ببيانات عام 2017، وفق ما ذكرته وسائل الإعلام التركية المعارضة.
وقال الإعلام التركي المعارض، إنه يمكن الاستنتاج من ما مضى، أن الفرقعة الإعلامية السياسية التي يقودها أردوغان  لا تهدف إلى التأثير على  العلاقات الاقتصادية بل أقرب إلى تصريحات “رفع العتب” فيما معدلات التعاون بين البلدين مستمرة في النمو.
وذكر الإعلام التركي أنه بعد القرار الأمريكي بسيادة إسرائيل على مدينة القدس، كانت المعارضة التركية قد طالبت بقطع العلاقات التجارية مع إسرائيل عقب مقتل نحو 60 متظاهراً على الأقل في قطاع غزة خلال مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار الذي انطلق عام 2018،  إلا أنه تم رفض أي مقترح حول إلغاء الاتفاقيات الثنائية بين البلدين من البرلمان بأصوات نواب حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية المتحالفين معاً، بل واتهم وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو المطالبين بإلغاء الاتفاقيات بالانتهازيين.
تضامن تركي إعلامي “شكلي” مع الفلسطينيين واستثمار لأهداف مختلفة
وقال الكاتب والمحلل الفلسطيني عبد الستار قاسم لـ وكالة أنباء “هاوار”: إن تركيا بزعامة حزب أردوغان، تسعى لأن يكون دائماً لها موطئ قدم في القضية الفلسطينية، وذلك، لاستثمارها في خدمة أهدافها المختلفة، كأن تكون بوابة لتعزيز العلاقة مع إسرائيل، بالإضافة إلى خلق دور عالمي لها في ملف القضية الفلسطينية”.
وأضاف قاسم لـ “هاوار”: “إن محاولات تركيا لكسب موقع عند الشعب الفلسطيني، تتمثل في إرسال المساعدات الغذائية أو الطبية لغزة، في حين هي تتعاون عسكرياً واقتصادياً على مستوى عالٍ مع إسرائيل”.
ولكن الحقيقة، كما يضيف  قاسم: “أن تركيا ونظامها الحالي، محكومة باتفاقيات عميقة مع إسرائيل، ولا تستطيع تجاوزها، إلا بالحدود المرسومة إسرائيلياً”.
وحول الخطاب الإعلامي الذي يقدمه أردوغان، يقول قاسم: ” يدرك غالبية الفلسطينيين كذب تصريحات أردوغان، إذ كيف يمكن تصديقها، أمام جميع هذه العلاقات الموجودة والتي يسعى لتعميقها، مع دولة عدوة بالنسبة لنا، فتركيا، دولة في حلف الناتو، ومعروف أن هذا الحلف، يدعم إسرائيل عسكرياً وتقنياً بكل ما يملك، كما أنها تسعى لتعزيز وجودها، بالحد الذي تقدر عليه، وتركيا لها دور مرسوم بهذه الخطة وتُنفذه بحذافيره”.
وعن حجم التبادل العسكري والأمني بين تركيا وإسرائيل، يشير قاسم إلى أن تركيا “لو تعطلت إحدى طائراتها العسكرية، ترسلها إلى إسرائيل، لإصلاحها” في إشارة للتعبير عن حجم التبادل العسكري الكبير بين الدولتين.
ويردف قاسم: “هناك مصانع عسكرية إسرائيلية مقامة على الأراضي التركية، كما أن الجيش التركي على تنسيق عالٍ مع الجيش الإسرائيلي”.
ويختم الكاتب والمحلل الفلسطيني عبد الستار قاسم حديثه لوكالة هاوار قائلاً: “أمام كل هذه الصورة الواضحة لتركيا في دورها، مع الفلسطينيين، كيف يمكن أن يصدق شخص فلسطيني هذه الفرقعات الإعلامية لأردوغان”.
السياسة التركية التي كانت تعمد بها إلى عمليات “غسيل المخ” الموجهة نحو العالم الإسلامي والعربي في أكثر من اتجاه وباتجاه القضية الفلسطينية باتت اليوم مكشوفة وفجة بل وواضحة، وربما بات من الأجدر والأسلم على العالم العربي والإسلامي إلى مراجعة للذات والاتفاقات التي أُبرمت مع تركيا التي لم تكن في يوم من الأيام مخلصة في علاقاتها الإسلامية منها والعربية.