المشهد السوري … مقارنة واقعية على الأرض

طلال حسن درويش –

بسبب تعقيدات ومعضلات قراءة المشهد السوري منذ الانطلاقة الشعبية في آذار عام 2011 ضد نظام البعثي الديكتاتوري وحتى وقتنا الراهن، نجد الكثير من المحللين والمتابعين والمعارضين والديبلوماسيين والإعلام الدولي، يصفون المشهد وتوقعاتهم النهائية لهذه الدراما المأساوية حسب قناعاتهم وقرائتهم وطرح مشاريعهم لحل هذه الكارثة حسب مصالحهم واستراتيجياتهم الجيوبولوتيكية في سوريا، محاولين التأثير على الراي العام المحلي والإقليمي والدولي لحلحلة الأمر خدمة لأجنداتهم الاستراتيجية بعيداً عن مصلحة الشعب السوري.

نتيجة السياسات الدموية والقبضة الحديدية للأجهزة الامنية للنظام البعثي الأسدي وتعامله الوحشي مع ثورة الكرامة في بدايتها قبل أن يتم اغتصابها من قبل الإخوانيين والعصابات الإسلاموية المتطرفة، ومن قبل الدول الطامعة بسوريا على رأسها الدولة التركية وحلفاءها في الخليج كدولة قطر، وانتهاك سيادة سوريا من قبل قوة ودول إقليمية ودولية كروسيا وإيران وتركيا وميليشيات طائفية كحزب الله والعراقية والتركمانية والأيغور والشيشانيين، الذين حولوا سوريا بلد الحضارة إلى بركة من الدم والفقر والاجرام والإرهاب والنهب، حيث نشروا التفرقة والضغائن بين شعوب المجتمع السوري، كل ذلك يتحمل مسؤوليته النظام السوري بالدرجة الأولى، الذي رفض الانصياع لصوت العقل وقبول التغيير الديمقراطي وهيأ العوامل لتدخل القوى الإقليمية والدولية الطامعة في سوريا، ولا زال هذا النظام يراهن الجلوس على عرش من جماجم الأطفال والنساء والفقراء والشعب الذي تم إبادته بالبراميل المتفجرة وتحولت سوريا الى خراب وأطلال ومقابر جماعية.

بدأ نظام الأسد قبل أي طرف آخر بضرب المتظاهرين المدنيين بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، وطائراته الحربية قبل أن تلتحق بها روسيا بحملة دموية بشكل عشوائي وقامت بشكل ممنهج حسب تقارير أممية وإعلامية موثّقة بعدسات النشطاء الغير قابلة للشك، بقصف المدارس والمستشفيات والمنشآت العامة والمزارع والمصانع والبيوت وتدميرهم على رؤوس العاملين والساكنين فيها، وارتكبت مجازر وجرائم ضد الانسانية وبذلك لم تختلف عن قادة سلطويين آخرين كالديكتاتوري رجب طيب أردغان الرئيس التركي والعراقي صدام الحسين والصربي سلوبودان ميلوفيتش وغيرهم.

تسببت إلى جانب النظام الجماعات الإسلاموية المتطرفة الخاضعة للسيطرة التركية في تدمير جميع أركان ومقومات المجتمع والدولة والكيان السوري اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ودبلوماسياً، تشتت الشعب السوري والأسرة السورية ولدرجة تفكك روابطها وابتعادها عن بعضهم لآلاف الأميال متشردين مهاجرين لاجئين في دول العالم هرباً من الدم والقتل والجوع ورحى الحرب التي تدور في وطنهم.

من ناحية أخرى أصبحت الحياة في المناطق التي تخضع لسيطرة قوات النظام وحلفاءه من جهة، والمناطق التي تحتلها تركيا والمجاميع المتطرفة التابعة لها من ضمنهم مرتزقة داعش والقاعدة شبه مستحيلة، نتيجة الفلتان الأمني والممارسات والانتهاكات والنهب والسلب وخطف المدنيين وانعدام الخدمات وفرص العمل.

في حين نجد في المناطق الأخرى التي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا، التي تشكل بزوغ فجر جديد يحمل بين طياته أمل إيجاد مشروع ديموقراطي ليكون الحل الوحيد للأزمة السورية، ومناطقها هي الأكثر أمناً، أصبحت الخدمات فيها أفضل من السابق بعد سنوات من التصدي لفلول الإرهاب الداعشي، وجبهة النصرة والمجاميع المتطرفة الخاضعة لسيطرة سلطان تركيا أردوغان. حيث تقوم قوى الظلام التي تدعمها الدولة التركية مع بعض مجاميع من المرتزقة بإطلاق التهديدات والتصريحات الاستفزازية اليومية، بشن عدوان على مناطق شمال وشرق سوريا، والتي سبقتها احتلالهم لمنطقة عفرين، وبذلك يريدون تحويل تلك الواحة الآمنة المسالمة حيث يعيش على جغرافيتها أكثر من خمسة ملاءين من الشعوب السورية المتعددة، إلى شلال من الدماء والخراب والاقتتال والتشريد والنزوح والهجرة والتغيير الديمغرافي. وكل ذلك يجري تحت أنظار العالم الصامت، دون أن تحرك لها جفناً، تجاه هذه التهديدات ضد القوات التي حاربت نيابة عن العالم أشرس المتطرفين عرفه التاريخ المعاصر، تزامنا مع ذلك يحاول الرئيس التركي الفاشي استخدام ورقة المهاجرين كتهديد في وجه دول الاتحاد الأوروبي، المرعوبة من ذلك، لإجبارها القبول بالمشاركة الفعلية في مخطط إجرامي تحت مسمى إقامة المنطقة الآمنة في مناطق شمال شرقي سوريا، واسكان المهاجرين فيها، وهي تريد من وراء ذلك إبادة الشعب الكردي، وتغيير ديمغرافيته وإنهاء جميع مكتسباته المشروعة وربط وتوسيع منطقة آمنة للقوى الإرهابية بدءً من مناطق إدلب مروراً بشمالي حلب وصولاً إلى الحدود العراقية.