سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

المشنف.. طبيعة ساحرة وحضارة غابرة

في الريف الشرقي لمحافظة السويداء تطالعك بلدة “المشنف” بموقعها الجغرافي المتميز، وطبيعتها الخلابة، إذ تنتشر بساتين التفاح والكرمة بالإضافة إلى مناظرها الجبلية الساحرة، وهوائها العليل.
ترتفع المشنف عن سطح البحر نحو 1800 متر، وتبعد عن مدينة السويداء 20 كيلومتراً، وتعدُّ كذلك واحدة من أهم القرى الأثرية في جبل العرب، حيث كانت من أبرز المدن والحواضر في فترة الأباطرة الأنطونيين في القرن الثاني للميلاد، الذين حكموا المنطقة بين عامي 96 م و192م.
وأخذت البلدة اسمها من موقعها على سفوح تلال جبل العرب الشرقية، ويعني اسمها لغوياً الزينة والجمال، حيث جاء معنى “المشنف” بالعربية شنف الكلام أي زينه، والشنف جمع شنوف وأشناف أي ما علق في الأذن أو أعلاها من الحلي.
عرفت المشنف وما زالت بغناها بآثارها التي تعود إلى مختلف العصور وتمثل شاهداً حياً على عظمة حضارة جنوب سوريا وجمال مكوناتها المعمارية والزخرفية.
ومعبد المشنف الذي يتوسط البلدة يعد من أهم المعابد وأجملها في منطقة جبل العرب، وهو بحالة جيدة نسبياً ومعظم معالمه واضحة، ويقول مختصون بآثار وتاريخ المنطقة: إن هذا المعبد بني عام 171 م بجانب بركة ماء حيث كان مخصصاً لعبادة الإلهين بعل شمين، وهيليوس وحرم المعبد المبلط بحجارة البازلت موجود حتى يومنا هذا.
والمعبد الأثري يقوم فوق مصطبة تبرز على جوانب المصلى، ويقود إليها درج يصل بين الرواق وحرم المعبد وفي مقدمة الرواق عمودان يقسمان الواجهة إلى ثلاثة ممرات، وجدارا الرواق الجانبيان قائمان جزئياً والمصلى شبه تام وتقوي زواياه الأربع من الخارج دعامات أربع تتوجها تيجان جميلة من الطراز الكورنثي، وإفريز مزوق ومزخرف بأشكال هندسية ونباتية جميلة يبرز في الجزء العلوي من الحيطان.
الباحث الفرنسي ج. ماسكل، الذي قام برحلة إلى المنطقة الشرقية من جبل العرب عام 1936 وصف بالتفصيل هذا المعبد، وخاصة عناصره المعمارية والزخرفية بالإضافة إلى سوره ومدخله، وبعض المنحوتات الموجودة بداخله وحوله، ومنها رأس ملتح للإله النبطي ذي الشراة، يعتمر قبعة وهو معروض في متحف السويداء وتمثال يمثل محارباً تم تركه أمام المعبد ويحمل كتابة نذرية للمعبد منقوشة ضمن إطار منحوت على شكل ذيل طائر السنونو وكتابات يونانية منقوشة.
كما ذكرت الرحالة البريطانية غير تورد بل، التي وصلت إلى المشنف عام 1900 في مذكراتها أنه “على حافة الصحراء كان هناك معبد صغير في غاية الروعة مبني فوق أرض مرتفعة قليلاً ويمكن الوصول إليه عبر عدة أدراج بمحاذاة بركة ماء نحتت في الصخر”.
وورد في تقرير عالم الآثار الألماني استيفان فرايبرغر أن لهذا المعبد شكلاً مستطيلاً قسم إلى ثلاثة أجزاء متساوية تقريباً، الأول يدعى “بروناوس”، وهو الجزء الواقع بين الأعمدة المتقابلة، وجدار المدخل والجزان الثاني والثالث يشكلان قدس الأقداس “حجرة التمثال” وهو مقسوم إلى جزأين متساويين تقريباً بقوس “قنطرة” بازلتية ومن الأجزاء الأصلية الباقية في المعبد الجدار الشمالي بما فيه قواعد الأعمدة والسواكف، وبعض مداميك السور الخارجي ومن قاعدة عمود الزاوية الجنوبية الشرقية يتقدم جسم المعبد من شرق الساحة الأمامية المبلطة.
كما عثر في المشنف العديد من الكتابات اليونانية المنقوشة على الحجارة البازلتية خلال العصر الروماني في القرن الثاني الميلادي، وكتابات يونانية رسمية كانت تؤسس لمبان مهمة من بينها معابد وقصور وأضرحة بالإضافة إلى وجود ‏‏شبكة من الطرق الرومانية المرصوفة بالحجارة البازلتية وقلعة ضخمة بنيت من حجارة بازلتية محلية وأدت في أغلب الأوقات دوراً عسكريا مهماً ومتقدماً لحماية القرية المركزية.
وكالات