المراة العفرينية… تاريخ نضالي مستمر في ظلِّ الإدارة الذاتية

 روناهي/ الشهباءـ خلال سنوات عدة فقط تمكنت المرأة في عفرين من إبراز هويتها وشخصيتها المثقلة بالتميز استناداً على الثقافة الاجتماعية العفرينية والتي تطورت أفكارها القديمة بفضل أفكار التحرر الاجتماعي التي صُقلت بتشييد الإدارة الذاتية الديمقراطية في عفرين يوم 29 من شهر كانون الثاني عام 2014، هذه الإدارة التي تمكنت من تغيير بعض مفاهيم المجتمع الخاطئة وتقصد النظام القديم على تحريفها من تأطير الحياة الاجتماعية والسياسية وصبغ المجتمع باللون الواحد وتحت شعارات عنصرية وأحادية الجنس.

عفرين التي ازدهر فيها كل شيء خلال السنوات السبع الماضية، عادت اليوم إلى عصور يمكن تشبيهها بعصور الجاهلية الممزوج بثقافة قطاع الطرق والاحتلال، وتقييد حرية المجتمع الكردي الأصيل في المنطقة وإطلاق العنان لفصائل مرتزقة تحلل كل شيء على نفسها وتقيد حرية المرأة والمجتمع، لكن مازال الشعب العفريني في الداخل والخارج يناضل بهدف إعادة الحياة مجدداً للمدينة المحتلة وبالطبع لن يكون ذلك ممكناً إلا بتحريرها من الارتزاق والاحتلال.

الإدارة الذاتية كانت مطلبٍ جماهيري بحت

ولإبراز طابع عفرين الجميل قبيل الاحتلال التركي لها، وما حققته الإدارة الذاتية الديمقراطية من نجاحات في طريق تحرير المجتمع والمرأة، التقت صحيفتنا مع عضوة الإدارة الذاتية الديمقراطية في عفرين فاطمة لكتو، والتي كانت مشاركة في تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية عبر توليها رئاسة هيئة المرأة آنذاك، وتعتبر فاطمة أن إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في عام 2014 كانت ضرورة اجتماعية وسياسية لأن الشعب كان بحاجة لتغيير في شكل الإدارة والخدمات المقدمة وكذلك التمثيل السياسي العام، وبهذا جاء إعلان تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية كخطوة مهمة، وهذه الإدارة قامت على مبدأ الأمة الديمقراطية الذي طرحه قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان للعالم أجمع، وهنا في سوريا، رأى الشعب والقيادة السياسية أن هذا المشروع هو الحل الأمثل للأزمة السورية عامة والقضية الكردية على شكل الخصوص، وبالأخص دعم التعايش المشترك بين المكونات وتمتين إخوة الشعوب وتقريب وجهات الأحزاب السياسية وشعوب المنطقة على مبدأ الديمقراطية والتعددية.

قوة المرأة برزت في كافة المجالات

وتوضح فاطمة ان مشروع الإدارة الذاتية كان مثالاً ناجحاً للعالم أجمع، وقد حقق خطوات هامة في كافة المجالات ولاسيما تحرير المرأة والحفاظ على حقوقها، ومع تشكيل الإدارة الذاتية كانت لهيئة المرأة دوراً هاماً فيها، من الناحية الاجتماعية والثقافية والعسكرية في سوريا عامة، هذا ودور المرأة في المجتمع الكردي ليس بجديد بل هو ناتج عن نضال عقود من الزمن في أجزاء كردستان وأوروبا، وتُشير فاطمة لكتو إلى أنه كان لهيئة المرأة دوراً هاماً في المجتمع وبالتنسيق الوطيد مع مؤتمر ستار المنظمة المعنية بالمرأة، وبهذا الشكل تم الدمج بين الأطر التنظيمية للمرأة والمجتمع عبر تكاتف الهيئة مع مؤتمر ستار وتنظيم المجتمع بدءاً من القاعدة.

في عفرين تمكنت المرأة من إبراز ذاتها وقدارتها في شتى المجالات، بدءاً من رئاسة المجلس التنفيذي والتشريعي، وحتى القطاعات الخدمية والبلديات وغيرها،  وتم تشكيل قوة لحماية المرأة من أسايش المرأة والحماية الجوهرية الخاصة للمرأة، وهذه الحماية لا تعني مجابهة الرجال بل العمل على غرس روح الشجاعة في المرأة وإثبات قدرتها على مجابهة كل المخاطر وهو بحد ذاته تغير لذهنية المجتمع والرجل الذي ربما لفترة معينة كان ينظر إلى المرأة بموضع الضعف.

حماية الثقافة واللغة الأم أهم سمات نضال المرأة

كما أن دوراً جوهرياً أخر  حيث كانت للمرأة الكردية بصمتها الفاعلة وهي الهوية الثقافية للمجتمع وحماية اللغة الأمة، المرأة العفرينية تمكنت من الحفاظ على الثقافة الخاصة بعفرين وتم إبراز هذا الدور عبر الثقافة والفن، وتمكين اللغة الكردية في كافة مجالات الحياة وليس التعليمية فقط، وأكدت فاطمة لكتو أن المرأة خلال السنوات الأربعة لإعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة عفرين تمكنت من تفعيل دورها، وإظهار الوجه الحقيقي للمرأة للعالم عبر الدبلوماسية والعمل على حماية حقوقهنّ عبر سنّ قانون المرأة وتغيير فكر المجتمع العام الذي واجه ضغوط عامة وسياسة خاصة ضد قيمه خلال العقود الماضية، وبهذا كان المجتمع الكردي في روج آفا يتجه نحو الاضمحلال، وكان من الواجب سنّ بعض القوانين ولاسيما في مجال حقوق المرأة بما يعتمد على القيم الاجتماعية والثقافية للمجتمع، والقانون الخاص بالمرأة كان له أهمية خاصة لما لدور المرأة أهمية في بناء العائلة والمجتمع وهذا القانون لم يكن يخص المرأة بصورة شخصية بل كان ينظم العلاقات الاجتماعية العامة وبناء العائلة على أساس صحيح ونتائج تطبيق هذا القانون كانت ذات أهمية من أهمها انخفاض نسبة الانتحار وقتل النساء والاعتداءات المختلفة على الأطفال وغيرها من المشاكل الاجتماعية.

هل تمكنت الإدارة من تغيير ذهنية المجتمع؟

أرثى نظام الإدارة الذاتية في عفرين منطق التعايش المشترك وتشكيل موزاييك مصغر من سوريا، تتعايش فيه كافة المكونات معاً ويكون لهم تمثيلهم العادل في الإدارة، وهو بعكس ما كان النظام السابق يروج له ألا وهو تفكيك المجتمع وإثارة النعرات القومية بين الشعوب وكذلك الحال اليوم بعد الاحتلال التركي (إذ تحكم الفصائل المرتزقة كل شيء)، وتؤكد هنا فاطمة أن “الإدارة الذاتية نجحت في تمتين العلاقات بين شعوب المنطقة وتغيير أسلوب العيش في المجتمع إلى حداً ما ولعلى أبرز الأمثلة على ذلك هو الالتحاق الطوعي لكافة شعوب المنطقة من كرد وعرب وأرمن لواجب الدفاع الذاتي في صورة برهنت الترابط المتين بين المكونات، وهذا برز أيضاً خلال مقاومة العصر، إذ تمازجت دماء العرب والكرد معاً في الدفاع عن عفرين والتصدي للعدوان التركي”.

 وتابعت فاطمة “وفي الإطار ذاته احتضنت عفرين في ظل الإدارة الذاتية النازحين السوريين من كافة المناطق السورية وتمكن هؤلاء من ممارسة حياتهم الطبيعية في شتى المجالات”.

وعن دور المرأة العبرية قالت “النظام القائم هذا افسح المجال أمام المرأة العربية ايضاً للتعبير عن ذاتها ونبذ العنف الممارس ضدها لدرجة معينة أكثر من المرأة الكردية نتيجة تباين العادات والتقاليد بين الكرد والعرب والأعراف العامة، وباتت المرأة العربية في عفرين تنظر للإدارة الذاتية متنفساً لها في البحث عن الحرية والمضي إلى جانب المرأة الكردية في طريق التحرر الاجتماعي وتغيير بعض القوانين والعادات التي كانت سائدة في ظل النظام السابق والذي كان يعادي العرب والكرد معاً”.

في مقاومة العصر… تمازج الدماء ووحدة الصف

خلال مقاومة العصر، باتت النتائج الإيجابية للإدارة الذاتية الديمقراطية واضحة في توحيد المجتمع بمختلف توجهاتهم السياسية والعرقية في خندق المقاومة، ووقًف الرجل إلى جانب المرأة في وجه الاحتلال، وكذلك الكُرد والعرب والأرمن وقفوا صفاً واحداً قبيل العدوان التركي على عفرين وأثناء العدوان، ورفعوا صوتهم أمام العالم لمناهضة سياسات الاحتلال التركي عامة، ومن هذا المنطلق شاركت المرأة في المجالات العسكرية والاجتماعية والطبية في حماية عفرين أثناء العدوان عبر المشاركة في التظاهرات وإعداد الطعام للمقاتلين ورفع المعنويات العامة للشعب.

وتقول عضوة الإدارة الذاتية في عفرين فاطمة لكتو “المرأة وعبر 58 يوم من مقاومة العصر أثبتت فاعلية دورها وقدسية مشاعرها التي كانت تنبع من حب الأرض والدفاع عن مشروعها الذي كان لها الدور الأبرز في نجاحها”، وتُشير فاطمة لكتو إلى أن المرأة شاركت بكل إمكانياتها في مقاومة العصر عبر تقديم الدعم اللوجستي والنفيسي والطبي للمقاتلين والشعب عامة، كذلك مساهمتها في القتال إلى جانب الرجل، وتتابع “أطلق مؤتمر ستار حملتها الأولى بمناشدة المرأة الحرة في العالم للوقوف ضد الاحتلال التركي، وهنا ظهر تكاتف النساء من أرجاء العالم لمقاومة العصر، وتوجهت النساء من لبنان وفلسطين وباشور وباكور كردستان وأوروبا إلى عفرين لمساندة نضال شعبها ضد العدوان التركي، وهذا الشيء يدل على أنه ثمة قوة غير طبيعية تقاوم الاحتلال”.

وتصف فاطمة دور المرأة في المرحلة الثانية من مقاومة العصر بالبناء وتتابع “كل المآسي التي واجهتها المرأة العفرينية وفقدانها لفلذات كبدها، تمدها اليوم هنا في المخيمات بالقوة والطاقة، ولن نقول أن المرأة العفرينية باتت ضعيفة بعد احتلال عفرين بل ما زالت المرأة تمتلك القوة وتتجه نحو حريتها وتوظف كل إمكانيتها في سبيل تحرير عفرين”.

هذا وتمارس الفصائل المرتزقة والاحتلال التركي شتى أساليب التعذيب النفسية والجسدية على المجتمع الكردي في عفرين، واختطفت الفصائل المرتزقة عشرات النساء وتعرضت اخريات للاعتداء الجسدي وإجبارهنّ على الزواج قسراَ من المرتزقة.