سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

المرأة في منبج؛ عنفوان البدايات وسنديان النهايات..

روناهي/ منبج- تتفاخر المرأة في منبج حفيدة أتار غاتيس أنها مثلت في فترة ما من تاريخ العالم الآلهة ذروة سنام الخير والعطاء والقداسة من جهة لتعيش فيما بعد من تاريخها عصوراً من الظلام والجهل أدت إلى استعبادها من ذهنية المجتمع الذكوري من جهة أخرى، ولكن في ظل الأمة الديمقراطية بدأت تعيد أمجادها.
تفرّد المجتمع الذكوري بالسلطة في كافة مجالات الحياة جعلته يسلب من المرأة كافة حقوقها ومنجزاتها ويدفن جميع طاقاتها الكامنة بإرضاخها لسلطة العادات والتقاليد الموروثة منذ العصور الأزلية ممارساً عليها جميع أشكال العنف إلى درجة وصل بها أن أحيلت إلى كتلة من السواد في إبَّان حقبة مرتزقة داعش فبدت عاجزة مسلوبة الحقوق وفرض عليها الالتزام ببيتها حسب منظورهم المتشدد فضلاً عن معاناتها من جرائم بحقها من نزوح ورجم وسبي وغيرها. لكن بعد تحرير مدينة منبج ارتسمت صورة للأمل والعمل بما أنجزته يديها من بطولات كبيرة على مستوى التدريب الفكري أو متمسكة بسلاح المقاومة عبر نساءها المقاتلات البطلات.
أحلام مؤجلة والسعي لتحقيقها
لا يمكن المقارنة بين لحظات الحياة إبان حقبة مرتزقة داعش وبين لحظات الحياة في الحرية والديمقراطية في عهد الإدارة المدنية الديمقراطية، فهي تتباين كما لو أنها على مفترق بين ثنائيتين اثنتين، الموت أو الحياة، بين الانتقال من مرحلة الظلام إلى مرحلة النور. هناك مثلاً يدور على ألسنة البعض “فاقد الشيء لا يعطيه”، وفي واقع الأمر لما ندرك بعد مدى طعم الحرية والديمقراطية لولا أن جربنا نهج الأمة الديمقراطية؛ لنعرف نعمة ما نملك من قيمة تكريمية، أولتها فلسفة القائد أوجلان للمرأة، وهذا الأمر لم يكن ليتحقق لولا أن عرفنا معنى عقم الحياة بكل مفاصلها في ظل مرتزقة داعش الذي حاول أكثر من مرة أن يحتل أولاً كيان المرأة قبل أن يحتل الأرض.
تناغمت في السابق دعوات مرتزقة داعش بالسيطرة على إرادة الشعوب، ولجم كل محاولة من المرأة ترى فيها نوعاً من دفاع المرأة عن ذاتها أمام أبشع صور النخاسة التي نفذها بحق بعض النساء في المعتقلات التي كان مقرها مدرسة زيدان حينظل، وشوهدت في ذلك بعض أدواته في الغرف السرية والزنزانات الفردية التي أقامها هناك لإحكام قبضته على شخصية المرأة. لكن المرأة في منبج، كانت أولى المشاركات في تحرير المدينة من لون السواد الداعشي بانتظار أحلام مؤجلة بانتظار التحقيق الآن.
فكر المرأة الحر بدأ بتنظيم نفسها
أولى الخطوات المدروسة من بعد مأسسة الإدارة المدنية الديمقراطية في مدينة منبج وريفها، كان الالتفات إلى المرأة؛ ككائن إنساني مثلها مثل الرجل، وهذا يعني أن لها الحق بشكل عام في الانخراط في العمل بالمؤسسات المدنية والمجالس تمثيلاً صحيحاً مئة في المئة، وإن كان هذا الأمر صعب من ذي قبل بمكان تحقيقه على الإطلاق بسبب الهوة بينها وبين الرجل. في أولى محطات المرأة من بعد تحرير مدينة منبج وريفها، أطلقت المرأة لنفسها العنان لتتبوأ أعمالاً إدارية من أجل تنظيم نفسها بكافة مجالات العمل فلم تجد من بأس في الانضمام لمجلس المرأة الممثل الوحيد والداعم الأكبر لكل النساء على اختلاف أطيافهن وثقافاتهن وطاقاتهن وميولهن، ولهذا الغرض انعقد خلال هذا العام الكونفرانس الأول لمجلس المرأة في مدينة منبج وريفها الذي أخذ على عاتقه تنفيذ أولى أجنداته التنظيمية المتعلقة بهيكلة آليات عمله التنظيمي عبر وضع نظام داخلي يؤطر للمجلس أقسامه ومهامه ومسودة قراراته كخطة سنوية للعمل على إنجازها من قبل العضوات في المجلس.
الانتقال من الشبكة إلى المنظومة..
أولى مجلس المرأة التدريب التثقيفي للمرأة اهتماماً ملحوظاً باعتباره الزورق الذي يقل النساء جميعاً إلى بر الأمان والسلام ولا مفر منه لبلوغ المرأة إلى ذاتها التي كانت تائهة. لذا عقدت العضوات في مجلس المرأة عدة اجتماعات في أحياء المدينة؛ كالخط الشرقي والخط الغربي، ومن أبرز أهدافها تشكيل إدارة تمثلها إحدى النسوة من كل حي أو خط من أجل الاطلاع على مشاكلها على كافة الأصعدة ومن ثم إيجاد حلول بناءة وفعالة لها على أساس فكري سليم. واتخذ المجلس عدة خطوات أخرى لتمكين المرأة من خلال العمل الدؤوب والمتواصل لقراءة واقع المرأة بشكل عقلاني ولا يتأتى ذلك إلا بتعزيز موقعها بين النساء الأخريات والتفاعل فيما بينهن عن طريق “حضور الاجتماعات والندوات والمحاضرات والمسيرات والوقفات الاحتجاجية والتضامنية وقراءة البيانات التي تندد وتستنكر الاعتداء التركي الوحشي على مناطق سوريا عموماً”.
الإنجاز الأهم في هذه المرحلة التاريخية المصيرية، هو إطلاق حملة تحت عنوان؛ “توحدنا انتصرنا.. سنقاوم لنحمي”، وشملت هذه الحملة التوعوية عدة مناطق أخرى في شمال وشرق سوريا، كان أحد أبرز نتائجها؛ “إيصال صوت نساء منبج للعالم أجمع، كونها تتعرض في أرضها للاعتداء أو للتهديد أو للعدوان”، ” إرادتنا أقوى من عنفكم أرفعوا أيديكم الظالمة عنا”، كانت هي الأخرى محور إحدى الندوات في هذا الغرض، وتضمنت هذه الحملة فعاليات عديدة منها؛ “قراءة بيانات تنديد واستنكار فضلاً عن نصب خيم اعتصام لمدة يومين في المنطقة الحدودية “العريمة”، ومن ذلك زيارة مجلس المرأة لمراكز حماية المرأة؛ كمكتب المرأة في المجلس العسكري، ومكتب الأمن الداخلي للمرأة، ومكتب الدفاع الذاتي”. كما كانت هناك مشاركة ناجحة لمجلس المرأة في مدينة منبج وريفها بزيارة خاصة إلى خيم الاعتصام التي نصبت في مدينة الرقة والطبقة. علاوةً على ذلك مشاركة عضوات قوى الأمن الداخلي الوقوف على الحواجز في المدينة وخارجها، وذلك تعبيراً عن دعم مجلس المرأة اللامحدود للعين الساهرة على أمن وأمان مدينتنا.
وأخيراً كان هنالك دور بارز لمجلس المرأة في مدينة منبج وريفها من خلال حضور الاحتفالية بالذكرى السنوية الثالثة لتحرير المدينة، والاحتفال أيضاً بيوم الثامن من آذار بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يجسد مقاومة المرأة ونضالها على مر العصور. كما كان لزيارة مجلس المرأة من قبل عدة وفود أجنبية، نذكر منها؛ الوفد الإيطالي، وذلك للاطلاع على مدى التطور والتقدم في عمل المرأة المنبجية.
بين الهاجس الأسري والمطلب الإصلاحي
قلة من العقلاء من يمضي إلى ختام المسارات والحصول على نتائج، فمهما يكن هناك دائماً عقبات وعثرات تقف في وجه المرأة، وقلة من النساء من تستطيع المواجهة إلا من سارت على ركب النساء في مجلس المرأة الذي كان أحد أكثر إنجازاتهن قيمة في هذا العام؛ تشكيل مجلس للمرأة في شمال وشرق سوريا في مدينة عامودا بحضور المؤتمر التأسيسي للمجلس في تاريخ 14/6/2019م ليمثل منصة تنظيمية نسوية ومنسقية عامة لكافة النساء في شمال وشرق سوريا. ومن هذا المنطلق، لا يمكن للمرأة السير بخطى ثابتة سوى بإدراك أنها الحياة كلها كما يراها القائد أوجلان، “فالحياة من غيرها ضياع والنشء من دونها في شتات”.
لقد أولى مجلس المرأة الأسرة اهتماماً لأنه يرى بها الخلية التي تنبثق عنها المعطيات الأخرى حيث عقد المجلس عدة اجتماعات في الريف والمدينة بتاريخ 11/9/2019 تحت شعار؛ “دور المرأة في الأسرة لبناء مجتمع ديمقراطي”، كان هدفه، هو التوعية الاجتماعية لكافة النساء ومناقشاتهن فيما يعانين في حياتهن من ظروف وأمور قد تعيق مسيرة تحولهن الديمقراطي، بقصد الوصول إلى أوجاعهن ومعاناتهن وتعريفهن بتاريخهن العريق واسترجاع قداستهن المفقودة للإلهة أتار غيتس، إضافةً لذلك النقاش معهن حول مشاكلهن على العموم، ويأتي على رأسها قضية التمييز الجنسوي بين الذكر والأنثى وتفضيل المجتمع لاعتبارات الرجل لما يملكه من إمكانات وطاقات على حساب هاجس ذات المرأة المدقع وبين رؤى المجتمع الإصلاحية.
كي لا تنتج المرأة المنبجية عبودية جديدة
سعى مجلس المرأة في مدينة منبج وريفها إلى التنسيق التام مع كافة النساء العاملات في المؤسسات واللجان والمجالس والخطوط عن طريق إقامة العديد من الزيارات النموذجية المتكررة للمجلس باعتباره المظلة لجميع النساء. ولعل من أبرز النتائج الأكثر فاعلية في هذا المجال وضع برنامج لزيارة نساء وجهاء وشيوخ العشائر في منبج للتعرف عليهن عن كثب، والنقاش معهن لبلورة دورهن بشكل أشمل وأوسع، وهذا ما تجلى بحضورهن ملتقى نساء شيوخ العشائر الذي عقد في مدينة الطبقة في الأول من شهر أيلول المنصرم، والنافل القول إنه قد حقق انطباعاً جيداً لجميع النساء عن قبولهن المشروع الديمقراطي؛ كمخرج للأزمة السورية باعتبارهن صاحبات قرار ضمن أسرهن وعشيرتهن، فقد كان ناجحاً بكل المقاييس.
فالمرأة مهما كان وضعها سيئاً للغاية بمكان، فإنما تحتفظ بقدرات كبيرة على توليد طاقاتها الكامنة ذاتياً إذا ما أتيح لها ذلك، وإذا ما كان الأمر على النقيض من ذلك، فإن المجتمع على حافة إنتاج عبودية جديدة.
المخزون التنويري؛ “مجلس المرأة أنموذجاً”
لا شك هناك العديد من العقبات التي تواجه عمل المرأة على صعيد الأداء العملي مما يعمل على تثبيط وإخماد طاقاتها حاصداً ما تخزنه جوارحها من أدوات فاعلة مؤثرة على النصف الآخر من المجتمع بسبب تزايد الصندوق الأسود للعنف في مقابل كم هائل من التحديات الراسخة في المجتمع تحت أسماء بما يعرف بالأعراف والتقاليد البالية، لكن من أعظمها خطورةً ظاهرة العنف في كافة المجالات التي من شأنها تقليص فرص تطوير ذاتها وخاصةً من قبل قيود السلطة الذكورية التي تحد من انطلاقها من أجل تفعيل دورها بشكل صحيح؛ ولذا أعد مجلس المرأة في مدينة منبج وريفها مؤخراً حملة توعوية لمناهضة العنف ضد المرأة تحت شعار؛ “بثورة المرأة الحرة سنبني مجتمعاً خالٍ من العنف”، وقد عقدت لهذا الغرض سلسلة من الاجتماعات في الريف والمدينة وبحضور كبير من الرجال أيضاً، ولعل أكبر تعنيف تتعرض له النساء، هو حرمانها من التعليم، ففرض عليهن تزويجهن باكراً وما يترتب على ذلك من نتائج ومعاناة نفسية وجسدية وصحية. يبدو ذلك جلياً في تفكيك العائلة والانعكاسات السلبية على أفراد العائلة والمجتمع حيث عقد المجلس 107 اجتماعاً وحضرته 4469 امرأة. هذه الأرقام تؤكد مما لا يدعو للشك بالمسؤولية التاريخية التي يؤديها مجلس المرأة في فتح فضاءات مغلقة إلى أكبر شريحة من النساء بغية نشر الوعي بينهن ليستطعن أن ينظمن أنفسهن ضمن الأسرة والمجتمع، وتطرقت هذه السلسلة من الاجتماعات على مجموعة من أشكال العنف، تم رصدها بشكل واضح في المدينة؛ كالعنف الاجتماعي والاقتصادي والنفسي وحتى العنف السياسي أيضاً. وضمن هذه الحملة، عقدت ندوة خاصة للمرأة تحت شعار؛ “الاحتلال عنف”، و” بمقاومة هفرين سنحطم الاحتلال والفاشية”، كما شاركت المرأة بمسيرة جماهيرية في٢تشرين الثاني ضمن سلسلة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة من خلال كلمة، عبرت عن رفضها للعنف بكافة أشكاله وأساليبه، ومرددة أنها ستناضل وتقاوم بالمخزون التنويري لفكر المرأة حتى تبني مجتمعاً خالي من ظاهرة العنف.
من نموذج المناضلة إلى نموذج الناشطة
لعل ما وصلت به نساء مدينة منبج وريفها من تطور وتقدم في مجال العمل لم يكن ليتحقق لولا التدريب الفكري الذي دفع بالمرأة إلى الارتقاء بالفكر إلى مستويات متقدمة، وذلك عبر افتتاح دورات تدريبية فكرية تثقيفية توعوية في الأكاديميات الخاصة بالمرأة باسم الشهيدة “زيلان حلب”، ويعطى فيها العديد من المحاضرات المتنوعة في مختلف النشاط الفكري والوجداني والتاريخي، بمعدل أربع دروس مختلفة مع استمرارية التدريب الأسبوعي في مجلس المرأة؛ لإعطاء محاضرات أخرى في جوانب متعددة، تتولى إدارتها لجنة التدريب الخاصة بالمجلس. ومما لا يخفى على ذلك أثره في تطوير الوعي المعرفي بشخصية المرأة نفسياً وجسدياً ومعرفتها بحقوقها كاملة. مستمدة قوتها من المرأة المقاومة “ليلى كوفن”، التي مثلت الطاقة الكامنة للمعنويات الخلاقة لفرض الثبات النفسي في شخصيتها المتحررة، لتنتقل المرأة إلى النموذج الناشط الخالق المبدع في تأليف عملية التأثير والمؤثر.
من صميم معاناتها ولدت دوافع المقاومة
مثلت المرأة المنبجية بكل أطيافها على الساحة السياسية بالشكل المناسب من خلال رفضها لما يجري في مناطق شمال وشرق سوريا من اعتداء الاحتلال التركي على الشعب الآمن، فما كان من المرأة الحرة إلا أن هبت لتصرخ بصوتٍ عالٍ “لا”، وفي كافة الفعاليات بوجه الظلم والعدوان أمام مرأى العالم كله. ليتولد لديها من صميم معاناتها دوافع المقاومة والكفاح، بموقفها الرافض للاحتلال التركي بمدينة كري سبي/ تل أبيض”، وسري كانيه “رأس العين”، فانتفضت نساء مدينة منبج وريفها لتقديم المساندة والدعم لأهالي المناطق المحتلة والمنكوبة وخاصةً لما حدث من استشهاد هفرين خلف والأم عقيدة والشهيدة أمارة، فهن يمثلن الدرب الطويل الذي يمنحهن إصراراً للحفاظ على حريتهن وأرضهن لأن ألمهن واحد ووجعهن واحد وعدوهن واحد، ولن ينتصرن سوى بالتحام أيديهن معاً لتحقيق النصر.