تحقيق/ ميديا غانم
روناهي/ قامشلو- أصبحت ثورة روج آفا وشمال وشرق سوريا قنديلاً للنساء الحرائر اللواتي يبحثن عن قدوة لهن، فقاتلنَ ودافعنَ وتطوّرنَ وطوّرنَ وأبدعنَ وتألقنَ في مجالات الحياة كافة، فها هن يستقبلن يومهن العالمي بروح شهيدات مقاومة هذه الثورة المباركة التي أصبحت مثالاً للمرأة المناضلة الحرة في العالم أجمع.
في كل عام وفي الثامن من آذار تحتفي معظم الدول بيوم المرأة العالمي، ويرتبط تاريخ هذا اليوم بتظاهرة عارمة خرجت في مدينة نيويورك إضراباً من قبل مجموعة نساء كن يعملن في معمل للنسيج، حيث طالبن بحق المساواة مع الرجل في ساعات العمل والأجر، وأيضاً بحق التصويت، حيث كان حقهن مغبون آنذاك، فكن يعملن لساعات أطول وبأجر أقل من الرجل، وجُوبِه الإضراب بتدخل من الشرطة بطريقة وحشية لتفرقتهن، ولكن التظاهرة استطاعت أن تصل صوت المرأة العاملة إلى المعنيين.
وفي الثامن من آذار من عام 1908وبالخبز اليابس والورود كشعار لهن عادت النسوة العاملات في معمل النسيج إلى التظاهر مجدداً في شوارع نيويورك وطالبن بكافة حقوقهن في التساوي مع الرجل في الأجر وساعات العمل، وحقهن في الاقتراع، وبعد هذه التظاهرات والمقاومة التي أبدتها المرأة العاملة في المطالبة بحقوقها، والكثير من النضال؛ تم تخصيص يوم الثامن من آذار كيوم عالمي للمرأة، وأصبحت النسوة تحتفي بهذا اليوم من كل عام، وكل منهن حسب طريقتها.
بتكاتفها قهرت دولة الخرافة المزعومة
وكمعظم بلدان العالم تحتفل النساء في شمال وشرق سوريا بهذا اليوم, ولكن طريقتهن مختلفة, فالمرأة في هذه المنطقة أحدثت تغييراً شبه جذري في مجتمعها، ونالت حريتها، فكانت السبّاقة في الثورة إلى إبراز ريادتها في كل مجالات الحياة، فمن الناحية العسكرية، تمركزت المرأة في شمال وشرق سوريا بالجبهات الأمامية في الدفاع عن أرضها، والقضاء مع الرجل على أكثر المتطرفين همجيةً ووحشية “مرتزقة داعش”، في حين كانت معظم الدول قد استنفرت لكيفية مواجهة هذا الإرهاب بالرغم من بعده عن بلادهم، لكن المرأة في شمال وشرق سوريا بتكاتف كافة شعوبها استطاعت أن تقهقر الدولة الخرافية داعش بنضالها وإرادتها الحرة، وبنهج الأمة الديمقراطية النابع من فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان رسول المحبة والسلام، فاستطاعت رص صفوفها، وتنظيم قوة خاصة بها من كل شعوب المنطقة، تحت اسم وحدات حماية المرأة، كما انضم لها بعض من النسوة من الدول الأخرى قدمن من أقاصي البلدان إيماناً بثورة حملت طابع المرأة الحرة والعاشقة للحياة الديمقراطية والرافضة للخنوع والسواد، فتفوقت ونجحت بأن تكون السباقة في الدفاع عن أرضها ببسالة، ولم تسمح للمتطرفين بأن يعيثوا فساداً في أرضها الطاهرة، ولاتزال على أهبة الاستعداد لمجابهة أي خطرٍ محدق بشعوب المنطقة، ولا تنتظر من يدافع عنها، حيث تشكل وحدات حماية المرأة 45 بالمئة من نسبة مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية.
21276معلمة في شمال وشرق سوريا
لم تكن ثورة المرأة محصورة في الناحية العسكرية بالرغم من تردّد صداها في كل أنحاء العالم، بل هي ثورة متكاملة من كافة النواحي، فالثورة التي كانت بريادة المرأة المناضلة الباسلة في معارك الكرامة، أبرزت أيضاً دور المرأة المثقفة ومربية الأجيال التي ساهمت في نشر اللغة الأم، التي لطالما كانت الدرع الحصين للغة الأم، فهي من حمت لغتها من الاندثار على مر السنين، ففي ثورة روج آفا والشمال السوري أيضاً سارعت المرأة المعلمة إلى التدريب في الصيف والشتاء، ولم تعرف الكلل حتى طورت من نفسها لخلق جيل متعلم ومتطور محب لثقافته ولغته الأم، ومتقبل لكافة اللغات الأخرى برحابة صدر، حيث يبلغ عدد المعلمات في شمال وشرق سوريا 21276 معلمة، والكثير منهن أمهات ومربيات الأجيال في المدارس والجامعات، وبالرغم من كثرة الهجمات الوحشية على مناطق شمال وشرق سوريا من قبل المحتل التركي ومرتزقته ممن يُسمون أنفسهم بالجيش الوطني السوري لم تنكسر إرادة المرأة أو أحبطت عزيمتها، بل على العكس ثابرت وجاهدت أكثر للوصول بطلبتها إلى أعلى مراحل النجاح، فبجهودهن تتزين كل عام مدارس شمال وشرق سوريا بدرجات التفوق والنجاح للطلاب.
ثورة اقتصاديّة ضمن ثورة الشمال السوري
ولم تبقَ أيقونة الثورة “المرأة” متراجعة في خلق اقتصادها لتحقيق اكتفائها الذاتي والسعي بمجتمعها وبالمرأة على وجه الخصوص إلى المزيد من الازدهار، حيث اعتمدت على نفسها بتطوير اقتصادها الخاص وكان هدفها ليس الربح بل تحقيق تكامل في المجتمع، وأن تكون ذات استقلالية ضمن مجتمعها، وبالرغم من المعوقات التي واجهتها في البداية إلا أن جهودها أثمرت واستطاعت أن تضع الأسس والقواعد السليمة الثابتة لاقتصاد المرأة في شمال وشرق سوريا، فقد بدأت بخطوة بسيطة وبالتنسيق مع الجهات المعنية بشؤون المرأة في البداية، ففتحت العديد من المشاغل والمعامل والأفران والكثير من المشاريع الصغيرة في مختلف المناطق، ومن ثم بدأت هذه المشاريع الصغيرة تكبر ويعمل فيها عدد أكبر عدد من النسوة، ليكن عضوات فعالات في مجتمعهن ويستطعن الاعتماد على ذاتهن في تلبية كافة احتياجات الحياة، وللارتقاء باقتصاد المرأة إلى المستوى المطلوب لتحقق تكافؤ ضمن المجتمع؛ حيث عقد مركز اقتصاد المرأة كونفرانسه الأول على مستوى نساء شمال سوريا في إقليم الجزيرة بتاريخ 15 حزيران من عام 2017وصدر عنه الكثير من المقررات التي تحض على تدريب وتوعية المرأة في هذا المجال ودعمها بكل السبل المتاحة، فأصبح اقتصاد المرأة ثورة أخرى ضمن ثورة روج آفا والشمال السوري، ولاتزال المرأة المنتجة والفعالة تعلم وتتعلم للوصول باقتصاد المرأة نحو الاكتفاء المطلوب، كي تبقى منتجة وفعالة.
“جن وار JIN WAR ” مثال حي على الحياة الكومينالية
ومن أبرز ما ميز شمال وشرق سوريا بأن النسوة فيها قادرات على الاعتماد على ذاتهن، ولسن بحاجة لتابع يعيلهن أو من يحميهن، فكسرن الأدوار النمطية التي قوقعهن المجتمع داخلها، فكانت قرية جن وار مثال حي على الحياة الكومينالية التي كانت فيه المرأة تأخذ دورها الريادي في قيادة مجتمعها واعتمادها على ذاتها في تربية الأطفال والوقاية والحماية، حيث اقترحن فكرة المشروع منذ عام 2015، وتم وضع حجر الأساس لهذه القرية في آذار عام 2017، لتثبت أن المرأة في شمال وشرق سوريا استطاعت إزالة الفوارق المبنية على أساس الجنس التي فرضها المجتمع عليها منذ قرون من ناحية، وبين النساء أنفسهن من ناحية أخرى.
مثّلت شعوب شمال وشرق سوريا في المحافل الدوليّة
ومن الناحية السياسية كانت المرأة بالمستوى الدبلوماسي المطلوب لتمثل شعوب المنطقة في المحافل الدولية، وكان عقلها ومعرفتها السياسية محط إعجاب كل من سمعها، فالمرأة السياسية في شمال وشرق سوريا لا تقل عن العسكرية وغيرها من النساء المنتجات والمعلمات، فهي خلقت كيانها الخاص بعيداً عن السياسات الدكتاتورية المحيطة بها منذ آلاف السنين، واتبعت نهج الأمة الديمقراطية، فدافعت عن حقوق كافة شعوب المنطقة، وأصبح يُحتذى بها من كل أصقاع العالم، وقد انخرطت في هذا المجال الذي لطالما كانت الدول الرأسمالية تبعد المرأة عنه، وحتى إن كانت موجودة فيه فقد كان دورها شكلي لا أكثر، ولكن نساء شمال وشرق سوريا تألقن بدرجة من الوعي السياسي والدبلوماسي، وكان هدفهن الأول والأخير تحقيق السلام والأمان لشعوب المنطقة، حيث قدمن في سبيل إيصال رسالة شعبهن وتكريس صوت المرأة السياسية الناشطة شهيدات قتلن بطرق وحشية وهمجية على يد أعداء الإنسانية والمرأة أمثال الأمينة العام لحزب سوريا المستقبل الشهيدة “هفرين خلف”.
كما حاول المحتل التركي ومرتزقته وأد صوت المرأة التواقة للحرية عن طريق الغزو مع مرتزقته على عفرين ومناطق أخرى في شمال وشرق سوريا بهدف إفشال ثورتها وإعادتها إلى زمن العبودية، عن طريق تهجيرها قسراً من مناطقها، والقيام بالكثير من الجرائم بحقها، فتهجرت المرأة ونزحت إلى المخيمات ضمن شمال وشرق سوريا، حيث يبلغ عدد المهجرات قسراً في مخيمات إقليم عفرين المحتل 3822أمرأة و3138طفل، مرابطين بالقرب منها لحين العودة، والآن ينظمن أنفسهن ويتحدين ظروفهن، ويثبتن بأنه بصمودهن النصر قريب وعفرين ستحرر بإرادتهن الحرة وتنظيمهن، كما يحوي مخيم الهول ١٨٣٤٣امرأة، ومخيم العريشة ٢٨٦٤، وروج ٥٢٠ وواشو كاني ٢١٩٨ ونوروز ٨٨ وتل أبيض ٥٣١ ومحمودلي ٢٤٦٩ ومخيم الشرقي الجديد في منبج ٥٩٢، أما القديم في منبج ٤٠٧ امرأة، والنازحات من إدلب بعد دعوة قائد قوات سوريا الديمقراطية لهم نتيجة الحرب الدائرة فيها فيبلغ عددهن ١٣٦مرأة لحد الآن ٢١ عائلة بالمخيم الشرقي الجديد، والبقية موزعين على العوائل بمنبج.
هات القتال الأمامية إلى بتربية الأجيال ونحو الاكتفاء الاقتصادي ومروراً بالانخراط السياسي وكسر النمطية في النوع الاجتماعي، والصمود والنضال؛ المرأة في شمال وشرق سوريا المثل الأعلى لكل امرأة تريد تحقيق ذاتها والتخلص من نير العبودية والدكتاتورية والرأسمالية وتسلط الذهنية الذكورية، وكل امرأة تحتفي بيوم المرأة العالمي وكلها ثقة أنها نجحت أن تكون امرأة حرة فاعلة ضمن مجتمعها.
