المرأة في الرياضة.. بصمة مُميّزة وطريق لم يكُن مفروشاً بالزهور

قامشلو/ جوان محمد ـ

---

وضعت المرأة الرياضية في مقاطعة الجزيرة بصمة مميّزة في رياضة سوريا بشكلٍ عام، وإقليم شمال وشرق سوريا بشكلٍ خاص، وكانت نتاج تعب وجهود سنوات تكلّلت بالوصول للمنصات الآسيوية والعالمية.

ليس من السهل في ظل مجتمع مازال الكثير منه يتطلّع للمرأة على أنها خُلقت للمطبخ وإنجاب الأطفال فقط، أن تمارس وتنشط في لعبة رياضية، وتنضم للفرق والأندية الرياضية وتسافر خارج البلاد للمشاركة في البطولات الرياضية وتعتلي منصات التتويج المختلفة، وتتقلّد الميداليات الملونة في أكثر من لعبة رياضية على مستوى المقاطعة وخارجها. ولم يتحقق كل ما ذُكِر إلا بعد جهود حثيثة ومثابرة وتعب وجهود سنين من مكافحة الصعوبات ونقص الدعم وإلخ.

اللاعبات ومدربيهن وأهاليهن تكاتفوا للوصول إلى ما نحن عليه الآن من إنجازات كبيرة منها لم يسبق أن حققها الرجال طوال عقود طويل لممارستهم للرياضة والمشاركة بالبطولات.

إن الإنجازات تختلف من لعبة إلى أخرى، ومجرد تشكيل فرق للسيدات واستمرارها لأكثر من سنة يعتبر إنجازاً كبيراً في المنطقة، في ظل الدعم القليل، وارتفاع التكاليف والمصاريف للفرق الرياضية إن كان على صعيد الخروج للتدريبات أو المشاركة في البطولات.

الألعاب القتاليّة ومنصات التتويج العالميّة

حققت الألعاب القتالية العديد من الميداليات الملونة على صعيد سوريا والعالم، كما أن في مقاطعة الجزيرة هذه الألعاب باتت تنتشر بشكلٍ كبير وحتى وصلت لتخريج مئات اللاعبين واللاعبات سنوياً من قبل المراكز الرياضية الخاصة بمختلف الألعاب القتالية، بالرغم من قلة بطولاتها الرسمية التي لا تتجاوز البطولة أو البطولتين في العام.

لاعبات مدرسة نمور التايكواندو الدولية التي تأسست في العام 2009 بمدينة الحسكة بمقاطعة الجزيرة أصبحن مدربات ولاعبات يرفدن العديد من النوادي في المقاطعة، كما حققت لاعبات المدرسة مؤخراً إنجازات عديدة بعد مشاركتهن في الإمارات العربية المتحدة (الفجيرة) بمشاركة أكثر من 2400 لاعباً ولاعبةً من 53 دولة حول العالم وفق النتائج التالية:

– فاطمة قاسم المركز الثاني والميدالية فضية.

– آلا حسين المركز الخامس.

– جفين إبراهيم المركز الخامس.

كما أن اللاعبات في المدرسة حصلن على شهادات دولية على مستوى اللعبة، وما ذُكِر كان آخر الإنجازات لديهن، فاللاعبات في المدرسة حققن الكثير من الألقاب والميداليات الملونة على صعيد مقاطعة الجزيرة وسوريا والعالم، ولجانبهن هناك لاعبات في مناطق أخرى وعلى وجه الخصوص في ديرك، فالمستقبل مُبشِّر بخير للاعبات مركز ديرك للتايكواندو، والذي لم يتوقف عن المران رغم كل المصاعب ومازال مستمراً إلى الآن.

وفي لعبة الكاراتيه التي بدأت تنشط منذ العام 2015، فقد أصبحت الفتاة فيها مدربة للفئات العمرية وحكمة في بطولات الرجال والسيدات بمقاطعة الجزيرة، كما على مستوى سوريا حققن العديد من المراكز الهامة، ووصلن إلى الحصول على ميداليات ملونة على مستوى آسيا.

ومؤخراً في بطولة الدوري السوري الممتاز الأول للكاراتيه، والذي أُقيمت منافساته في دمشق، فقد حققت لاعبات من مقاطعة الجزيرة المراكز التالية باسم نادي الهلال:

ـ نورهان أحمد عمر “ذهبية” 18 سنة.

ـ أحمد درويش “برونزية” – 18 سنة.

ـ أرزيف خالد حسين “برونزية” – 16 سنة.

ـ آية حسيني “برونزية” – 18 سنة.

ـ اللاعبة جاندا خالد دلي “فضية” – 16 سنة.

بالإضافة إلى لاعبات (أكاديمية ريزان للفنون القتالية)

ـ ملكة طلال الشيخ موسى “فضية” -53 كغ -18.

– بهية ريزان حسن “فضية”+66 كغ -18.

– ليلاز جلال عمر “برونزية” -57 كغ -18.

– هبة فخر الدين العلي “برونزية” -6١ كغ -16.

– حنين إبراهيم علي “برونزية” -42 كغ -14.

كما أن اللاعبة ابنة مدينة قامشلو ملكة طلال الشيخ حققت مع المنتخب السوري الميدالية الفضية في بطولة غرب آسيا للكاراتيه في المملكة الأردنية بالعام الماضي. وفي لعبة الكيك بوكسينغ القتالية أيضاً برزت المدربة واللاعبة شيلان يوسف ابنة ديرك بمقاطعة الجزيرة، والتي حصدت العديد من الألقاب المحلية والخارجية، ومن أهمها تحقيق اللاعبة شيلان يوسف للميدالية الذهبية في البطولة العربية للأندية (ستايل سيمي بوينت فايت) للعبة الكيك بوكسينغ، وتم اختيارها بالمرتبة الثالثة في الترتيب العام، وأُقيمت البطولة في مدينة دهوك بإقليم كردستان بالعام 2021.

وهذه اللعبة بدأت بطولتها في العام 2017 بمقاطعة الجزيرة، وفيها نسبة لا بأس فيها من الفتيات، ولكن بطولاتها الرسمية قليلة جداً مما يؤثر سلباً على انخراط الفتيات فيها بشكلٍ أكبر وتوسع انتشارها في المدن التي لا تتواجد فيها هذه اللعبة.

ألعاب فردية ومواهب مميّزة وضعف في الانخراط

أما أكثر الألعاب الفردية التي تعتبر نسبة الانخراط فيها ضعيفة فهي الشطرنج والطاولة والريشة الطائرة، ولكن بالرغم من ذلك فقد حققت لاعبات من مقاطعة الجزيرة إنجازات مميزة في هذه الألعاب، ففي لعبة الشطرنج والتي أبصرت النور على الصعيد النسائي في العام 2018، فقد حققت اللاعبة فلك حاج محمد ومن أول مشاركة رسمية لها خارج المقاطعة المركز الأول في بطولة إقليم شمال وشرق سوريا للسيدات للعبة الشطرنج، والتي أقيمت بالرقة في العام الماضي، كما ترافقها لاعبة مميزة أخرى وهي سيدار رستم وحققت ألقاب على صعيد بطولات مقاطعة الجزيرة، ونستطيع القول بأن اللاعبتان فقط تواظبان على تعلم هذه اللعبة والحفاظ على النشاط النسائي فيها.

كما أن لعبة  كرة الطاولة التي بدأت تنشط الفتيات فيها بالعام 2017، فتضم لاعبات مميزات وحققن نتائج على مستوى سوريا والعالم، ومنهن اللاعبة إيمان محمد وهي تنتمي لنادي سردم حالياً، وحققت ألقاب على مستوى مقاطعة الجزيرة وشمال وشرق سوريا، كما أنها توّجت بالعديد من الألقاب والمراكز المتقدمة، لكن الأهم والأغلى كان بطولة الأندية العربية للسيدات في الشارقة الإماراتية وحققت فيها الميدالية الذهبية في الفردي، وذهبية غرب آسيا للشبلات في لبنان عام 2012، كما شاركت هي في بطولتي ألمانيا عام 2012 وفي فرنسا عام 2013.

وأيضاً هناك اللاعبات آلاء وحيد ونور محمد و ميراف رشيد واللواتي حققن العديد من المراكز الأولى في بطولات المقاطعة وإقليم شمال وشرق سوريا، كما هناك مجموعة جيدة تمارس هذه اللعبة، ولكن بسبب قلّة البطولات والصالات المناسبة لممارسة اللعبة فهي تبقى ضعيفة الانتشار بين الفتيات حتى الآن مقارنةً بباقي الألعاب.

وفي الريشة الطائرة تنشط مجموعة جيدة من الفتيات، ولكن بسبب قلة الدعم والبطولات فهذه المجموعة لم تزِد من عددها بالشكل المطلوب حتى الآن.

الدراجات الهوائية صدى إعلامي عالمي

كما برزت لعبة الدراجات الهوائية بشكلٍ مميز مع الإعلان عن حملة “بدي بسكليت” عبر المدربة ميديا غانم التي تشرف على تدريب فريق أُعلِن عنه رسمياً في 16/1/2021، وحتى الآن الفريق مستمر واستطاع استقطاب وسائل إعلامية كثيرة محلية وعربية وعالمية، منها سكاي نيوز عربية والقناة الأولى الألمانية وفرانس 24 وبي بي سي البريطانية وصحف بلجيكية وبرازيلية، وكما قام الفريق بكادره الفني والإداري في العام الماضي بتدريب 40 فتاة وامرأة لمدة ثلاثة أشهر على تعلّم قيادة الدراجات الهوائية برعاية منظمة دار وبالتنسيق مع المجلس الرياضي بمقاطعة الجزيرة، واختُتِم بماراثون كبير وبتغطية إعلامية واسعة.

لعبة كرة القدم صعوبات وإنجازات

هذه اللعبة حالياً هي الأوفر حظاً من خلال البطولات الكروية والدعم المُقدم لها من قبل الأندية، وبالطبع عانت اللاعبات والأندية لفترة طويلة فقد كانت التدريبات على أرصفة المدارس بالعام 2016، لحين الوصول إلى اللعب فوق الملاعب المُعشبة.

في مقاطعة الجزيرة برزت معالم أول بطولة كروية رسمية للسيدات بالعام 2017، وكانت على الملاعب المغطاة سداسيات، وجاءت بمشاركة ستة أندية وهي: قامشلو ـ أهلي عامودا ـ ميتان سري كانيه ـ براتي تربه سبيه ـ جودي رميلان كركي لكي ـ حسكة.

وحققت سيدات قامشلو اللقب بعد فوزهن في المباراة النهائية على سيدات أهلي عامودا بهدف دون رد.

وتكفلت تلك الخطوة في العام الذي يليه؛ أي 2018 بإقامة أول مسابقة لكأس الأندية للسيدات وبمشاركة أندية: قنديل ـ قامشلو ـ أهلي عامودا ـ براتي ـ سري كانيه ـ جودي، وأحرزت سيدات نادي قامشلو لقب كأس أندية إقليم الجزيرة لكرة القدم السيدات بعد فوزهن على سيدات أهلي عامودا بهدف بدون رد

وحدثت نقلة نوعية في لعبة كرة القدم بمقاطعة الجزيرة، حيث انتقلت البطولات من على أرضية الملاعب المعشبة المغطاة الصغيرة “سداسيات” إلى اللعب فوق الملاعب الكبيرة المكشوفة وبـ 11 لاعبة، وأول بطولة أبصرت النور كانت للموسم الكروي 2020 ـ 2021، وشارك فيها ستة أندية وحققت سيدات الآساييش اللقب، وأيضاً على غرار بطولة الدوري أُقيمت أول مسابقة للسيدات على الملاعب الكبيرة وبـ 11 لاعبة وحققت سيدات أهلي عامودا الكأس بمشاركة سبعة أندية هي نفسها التي شاركت بالدوري وأضيف إليهم نادي شبيبة الحسكة.

وتوالت البطولات المختلفة للسيدات: مدارس كروية للفتيات ـ شبلات ـ ناشئات ـ شابات، وبهذه البطولات كافة حقق نادي الآساييش لقبها، وحتى نفس النادي حقق ألقاب الدوري والكأس والسوبر العام المنصرم.

ولم تكتفِ لاعبات الأندية باللعب في بطولات مقاطعة الجزيرة فقط، بل شاركن ببطولات الدوري السوري بأسماء أندية الجهاد والخابور وعامودا، وحققت سيدات عامودا في أول بطولة رسمية على الملاعب المكشوفة في سوريا لقب الدوري السوري للموسم 2019 ـ 2020، وأيضاً باسم سيدات الخابور حققن اللقب في الموسم 2020 ـ 2021، وتصدرن سيدات نادي الهلال وجل لاعباته من نادي الآساييش من مقاطعة الجزيرة الترتيب في الدوري السوري في مرحلة الذهاب للموسم 2023 ـ 2024.

كما تم دعوة لاعبات للمنتخب السوري من العام 2018 وإلى العام الحالي 2024، واستطاعت لاعبات من مقاطعة الجزيرة بمنح المنتخب السوري أول لقب في تاريخه على صعيد الكرة النسائية، حيث توّجت ناشئات منتخب سوريا بلقب بطولة اتحاد غرب آسيا الرابعة لكرة القدم (الأردن 2023)، وجاء هذا التتويج بعد فوزهن في المباراة النهائية على ناشئات الأردن بهدف سجلته اللاعبة آية محمد في الدقيقة 76، فيما حلَّ المنتخب اللبناني في المركز الثالث بفوزه على ناشئات العراق بنتيجة 2-0.

واللاعبة آية محمد تعتبر نجمة في الكرة السوريّة، وحققت العديد من الألقاب الجماعية والفردية على صعيد الكرة السوريّة وصعيد الكرة النسائية في مقاطعة الجزيرة.

كما حققت واعدات منتخب سوريا لقب بطولة غرب آسيا بفوزهن على نظيراتهن في المنتخب اللبناني بهدف دون رد في المباراة النهائية للبطولة التي جمعتهما، على ملعب البولو في العاصمة الأردنية عمان بالعام 2023.

هذه الألقاب الآسيوية بشهادة الجميع كانت البصمة للاعبات مقاطعة الجزيرة والفضل لهن في تحقيق هذه الإنجازات، وخاصةً باتت المقاطعة مكاناً لتنشأة نجمات في كرة القدم وسط اهتمام كبير من قبل العديد من الأندية، كما تم تكريم لاعبات الناشئات من قبل المجلس الرياضي بمقاطعة الجزيرة وبحضور رئيسة هيئة المرأة أفين باشو.

لعبة كرة السلة والطائرة مثابرة وتحدي لقلّة الدعم

في عام 2018 نظمت أول بطولة لأندية السيدات في لعبة كرة السلة وبمشاركة أربعة أندية وهي الآساييش ـ أهلي عامودا ـ سردم ـ الحسكة، وذلك على أرضية ملعب السلة ضمن استاد شهداء الثاني عشر من آذار بقامشلو.

في هذه اللعبة تراجع عدد الأندية من أربعة إلى نادٍ واحد في العام 2022، وبقيت سيدات الآساييش لكرة السلة يكافحن كل الظروف الصعبة وغياب البطولات الرسمية والتنشيطية إلى الآن، فقد قام نادي برخدان العام المنصرم وبتشجيع من نادي الآساييش ومنحهن عدة لاعبات على تشكيل فريقها للسيدات، ولكن ناديين فقط لا يكفيان لتنظيم بطولة للعبة، وحصلت العديد من المحاولات من نادي الآساييش لتنشيط اللعبة على صعيد البطولات، ولكن دون جدوى ليكمل النادي طريقه في افتتاح مدرسة لكلا الجنسين، وليمتلك حالياً النادي العديد من الفئات النسائية للعبة كرة السلة، وحتى النادي شارك باسم منتخب سيدات مقاطعة الجزيرة في العام المنصرم ببطولة إقليم شمال وشرق سوريا لكرة السلة للسيدات، ونلن المركز الأول بعد فوزهن على سيدات الطبقة والرقة.

إن استمرار نادي الآساييش بفئاته المختلفة في لعبة كرة السلة والحفاظ على مدرسته التي تخرّج في كل عام حوالي مئة لاعب/ة وتأهيل لاعبات أصبحن اليوم حكمات في بطولات الرجال للموسم 2023، ومنهن الحكمة هالة حمو ورونيدا طاهر، يعتبر بحد ذاته إنجازاً كبيراً وسط كل الصعوبات التي ذُكرت من قلة الدعم واهتمام المجلس الرياضي والأندية سوياً بهذه اللعبة التي لم تعُد لطبيعتها حتى الآن رغم العديد من المحاولات.

وفي لعبة كرة الطائرة هي لا تختلف كثيراً عن لعبة السلة، فنادي سردم يكافح عبر فريقه منذ عدة سنوات للإبقاء على اسم اللعبة بالرغم من قلة البطولات بشكلٍ عام فيما يخص هذه اللعبة على صعيد السيدات، ولكن إلى متى؟

كل هذه الإنجازات والخطوات والألقاب لم تأتِ بسهولة وكان ثمنها باهظاً جداً، وجاءت بعد تعب وسهر ليالي وإصابات ومرض وقلة دعم وأجواء حرب وقصف للمحتل التركي، وفي خِضم كل ما ذُكر استطاعت المرأة وضع بصمتها المميزة في رياضة سوريا والعالم سوياً.