سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

المرأة بمنبج تستقبل يومها العالمي بمنعطف تاريخي جديد..

روناهي/ منبج –

تحت شعار “نضالنا ضمان ثورة المرأة”، تقطع المرأة في مناطق شمال وشرق سوريا عموماً ومنبج خصيصاً خطوات ملموسة في الحفاظ على مكتسبات الثورة، وتبدو أنها أقرب من أي وقت مضى في تحقيق ما تصبو إليه نحو مجتمع يسوده العدالة والمساواة.

تعتبر ثورة شمال وشرق سوريا غيضاً من فيض من تاريخ المرأة العريق ليس فقط في اليوم الذي أضربت به النساء في نيويورك ونفذن اعتصاماً في الثامن من آذار من عام 1857م ومطالبتهن بالتساوي في الأجور، وإنما هو امتداد لمراحل مبكرة من تاريخ ميزبوتاميا حين سرق منها الذكر الماءات المئة والأربع. ولا تزال المرأة تناضل منذ ذلك التاريخ الطويل ضد مؤامرة الرجل المستغل لكدح المرأة، وما ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا إلا محطة تاريخية أثبتت للعالم أنه مهما حاولت القوى الاستغلالية دفنها، فإنها كالبذور ستنبت وتمد فروعها حتى تصل إلى كل امرأة في العالم.
مسارات ودلالات
ينبغي أن نلفت الاهتمام إلى ما تملكه المرأة من صفات ومزايا من إرث وتراث يرفع من مكانتها لما يقال عنها في بعض الثقافات أنها الحياة والطاقة الروحانية. ولعل ما يميز المرأة في هذه المرحلة أنها استطاعت بتماسكها وصمودها من تمزيق النظرة النمطية السائدة إلى نظرة أكثر إرادة وحرية. كما وبدأت المرأة تدرك ما يحيط بها من مصادر للقوة والثبات عما كان في السابق من جهل في السياسة والاقتصاد والاجتماع، ما دفعها إلى نفض الغبار الغابر إلى مشاركة حقيقية في مختلف المجالات.
لقد برزت المرأة في المرحلة الراهنة أكثر شمولاً وعمقاً في الطروحات الفكرية وأكثر استيعاباً لدورها القيادي سريعاً، إذ شاركت بكل قوة في كل المحافل الرسمية والاجتماعية، حيث يخصص لها في كل الفقرات أو البرامج كلمة أو بيان أو ورشة عمل، وهذا يعني أن تقدم المرأة محصلة لانتصار لها واعتراف بتقدمها وتفوقها في هذا الميدان.
الفارق والمتغير
إن أيدي الغدر التي تطال المرأة خلال السنوات الأخيرة تظهر القوة التي تتمتع بها رغم محاولة قوى الظلام في إطفائها باغتيالها فكرياً وجسدياً. وبات من حكم المؤكد أن المجتمع لا يمكن بناؤه إلا من خلال المرأة الحرة وبقيم عظيمة، وما استشهاد هفرين خلف وسعدة وهند إلا تأكيد على هذه المقولة.
إن التغيير حدث منذ أن انطلقت المرأة بكل قوة متأثرة بهؤلاء الشهيدات وغيرهن وإيمانهن بأن المرأة ما تزال قادرة على العطاء وتحقيق النصر، وشمل التغيير عدة نواحٍ، فسياسياً ازداد نشاط المرأة عبر انضمامها إلى الأحزاب المختلفة، بينما كان ذلك حكراً على الرجال، واستطاعت المرأة في منبج قيادة أكبر حزبين في منبج وريفها، هما حزب سوريا المستقبل وحزب الحداثة. أما اجتماعياً فبرزت المرأة كقوة فعالة في المجتمع، حيث تصدرت النساء الأرقام فازداد طلبهن للانضمام إلى الدورات التدريبية بهدف زيادة وعيهن. أما اقتصادياً فاستطاعت المرأة أن تستقل مادياً عن كاهل وعهدة الرجل، وكسرت بذلك مقولة الرجل أن المرأة ميدانها المطبخ وليس العمل، لا بل تمكنت من قيادة عدة مشاريع اقتصادية، منها بيت المونة. أما عسكرياً فحملت المرأة السلاح جنباً إلى جنب الرجل في مجلس المرأة العسكري وخطت خطوات ملموسة في الوقوف على الخطوط الأمامية لمواجهة العدو.
وأحرزت المرأة فروقاً بيّنة ما بين عام مضى وعام جارٍ رغم وجود العديد من النواقص، ما يجعلها تتطلع بشدة بعين ثاقبة للعمل وعين أخرى للأمل لمواجهة أبرز التحديات؛ كإصدار قانون تشريعي لحماية المرأة ومنع تزويج القاصر.
مقام ومقال
تمكن مجلس المرأة خلال العام المنصرم من القيام بعدة نشاطات، أهمها ما يلي: القيام بعدة حملات توعوية نوعية عامة في المدينة والريف أيضاً. وتهدف هذه الحملات لتوعية المرأة بما يدور حولها في المجتمع ولتتعرف أيضاً على واقعها وحقيقتها. وحملت الحملة شعار “بوعينا وتنظيمنا سنبني مجتمعاً تسوده الحياة التشاركية”. ويتضمن النقاش واقع المرأة الذي يلامس حقيقة جوهرها والصراعات المتراكمة في السنوات العجاف. وساهم مجلس المرأة بحملة توعية في مخيم اللاجئين الكائن في قرية الرسم الأخضر وذلك بحضور العديد من الإداريين القائمين في مخيم اللاجئين بما يسمح من انتشال المرأة من براثن العذابات إلى مقام ثبات الإرادات.
وشارك مجلس المرأة في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة تحت شعار “لا للعنف، لا للإبادة، معاً نحمي المرأة والحياة”، وتضمنت الحملة إقامة ورشات عمل في المدينة والريف في توضيح مسائل الحرب الخاصة التي تواجه المرأة وأبرز الحلول البناءة، وشمل ذلك قراءة بيان ومسيرة جماهيرية.
ولم تقف المرأة عاجزة أثناء مخاطر انتشار كورونا، بل استخدمت أبرز التقنيات الإلكترونية للتفاعل مع محيطها والمجتمع، وكان الهدف منها توعية المرأة ضمن منزلها بل قطعت شوطاً ليس في تدريب نفسها على التدريب اليومي أو الأسبوعي أو الأكاديميات بل كان التدريب ضمن الاجتماعات والحملات الممنهجة وطرحت خلالها مواضيع قوية جداً فتشاطر التمكين المقال والمقام.
توافقات وتوازنات
انضمت المرأة بمحض إرادتها في المجال العسكري؛ إدراكاً منها أن بلدنا سوريا صارت ساحة للحرب ولا يمكن أن تكون بمنأى عنها، لأن الخطر يهدد حياتها وأسرتها ووطنها. وتمكنت أثناء تحرير مدينة منبج وريفها من رجس الإرهاب أن تكون مثالاً للثبات والتوافق على إنهاء مظاهر شرذمة بنات جنسها من الوهن والضعف والصهر في بوتقة رهان السلطة، فأثبتت وجودها على حمل السلاح أو من دونه أيضاً بعدما جسدت أروع صور الصمود والتوافق على فكر الأمة الديمقراطية نظرياً وعملياً، وليس أنموذج الشهيدتين سعدة وهند ببعيد. ولا شك أن الفطرة السليمة لا ينبغي أن تكون فيها المرأة على حافة من الترهات بل خضعت المرأة إلى دورات عسكرية وفكرية فنظمت نفسها سيكولوجياً بالتدريب من جهة وتدريب آخر على حمل السلاح من جهة أخرى. وبرزت المرأة منضوية في السلك العسكري، إذ تشير الأرقام بانخراطها بكل ثبات وعزيمة من تخريج الدورات المتتالية في كل دورة عسكرية، خاصةً أن المرأة المقاتلة تمثل الأيقونة للمرأة في الشق المدني، وتسلك درب النضال والكفاح، فتستطيع الدفاع عن نفسها وتتعلم طريقة الهجوم وحمل السلاح وتتدرب على استخدامه، إلى جانب مشاركة المرأة المقاتلة بحملات توعية في العديد من المجالس والخطوط في الريف والمدينة على حد سواء. كما وتشارك المرأة المقاتلة في زيارة لعوائل الشهداء بقصد الوقوف على حوائجهم في كل المناسبات وأيضاً مشاركتها الباسلة في تشييع الشهداء والشهيدات.
ويتضح أن الثورة التي لا تحوي المرأة ونماذج من كفاحها البطولي ثورة عرجاء لن تنتصر مهما بلغت قوة الرجل لأن المرأة هي ضمان نجاحها واستمراريتها.
أصول وجذور، مجلس المرأة أنموذجاً
شكل مجلس المرأة في منبج وريفها خير داعم ومساند للنساء، وعمل منذ تأسيسه على تحرير المرأة من الظلم والعبودية والذهنية السلطوية. فألهما حريتها وحضورها الشيق ومكنها في الخروج من عنق الزجاجة إلى منابر الألق والوجود عبر دعمها ومساندتها في مختلف الفعاليات التي كانت تقام في أماكن مختلفة في مناطق شمال وشرق سوريا.
كان مجلس المرأة في منبج وريفها سباقاً في جميع الفعاليات التي أقيمت خارج منبج، وأبرزها مشاركته في الندوة السياسية التي نظمت ضد المؤامرة الدولية بحق القائد أوجلان التي أقيمت في مدينة الرقة، وشارك أيضاً في مؤتمر ستار الذي أقيم في إقليم الجزيرة، حيث أحدث فرصة لدعم المرأة من كافة شعوب شمال وشرق سوريا، كما وشارك في حضور مؤتمر لحزب سوريا المستقبل أقيم في مدينة الرقة وصدر عنه جملة من القرارات الهامة.
وتعبيراً عن الحفاظ على تراثها وجذورها وثقافتها الملونة بألوان الحرية والعيش المشترك من خلال زيها الذي يدل على أخوة الشعوب بين جميع النساء، شارك مجلس المرأة في منبج وريفها بمهرجان المرأة الفراتية الأول الذي أقيم في مدينة الرقة. وأعربت عن موقفها الرافض للاعتداءات التركية على مناطق شمال وشرق سوريا، فشارك مجلس المرأة في خيمة الاعتصام التي أقيمت في عين عيسى تنديداً بالعدوان وبالصمت الدولي حيال جرائم الاحتلال التركي أيضاً.
وشارك مجلس المرأة في حضور الاحتفالية التي أقيمت في الرقة في ذكرى تأسيس الإدارة المدنية الديمقراطية، معبرة عن فرحها ومباركتها في وضع يدها مع أخواتها النساء المناضلات بالإضافة إلى المشاركة في برنامج تلفزيوني في مدينة الرقة حول الوضع السياسي العام.
نضالنا ضمان ثورة المرأة
يحمل شعار “نضالنا ضمان ثورة المرأة” العديد من الصور والإيحاءات لانبعاثها للنضال والمقاومة. هذا الشعار حدد لعيد المرأة كانعطاف في مسيرتها الثورية، حيث ترتفع صور الشهيدات في كل الشوارع وتزين الساحات بالأعلام في مشهد مؤثر.
وناضلت المرأة من أجل قيمها الوطنية وشكلت علامة فارقة ومميزة في تاريخ الشعب والحياة الديمقراطية فأدت دوراً مهماً في التصدي للقيم والعادات البالية. وقادت ثورة الشعب المسلحة في شمال وشرق سوريا ومضت بالصف الأول في المظاهرات والاحتجاجات ضد الاحتلال التركي وحملت السلاح بكل شجاعة وبسالة في مناطق كري سبي/ تل أبيض، وسري كانيه. هذا الشعار المقدس يعبر عما تقدمه المرأة من تضحيات وكفاح ليس في ساحات القتال فحسب وإنما بما تقدمه من بطولة وعطاء ومكابدة العمل الشاق في الوصول إلى ما هي عليه الآن.
ولا شك أن ثورة المرأة بالفعل هي ضمان كي تأخذ المرأة مكانتها التاريخية والاستراتيجية عن طريق أحداث جوهرية بما يسهم بمشاركتها في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية عن طريق التنمية بمفهومها العام. ولا يكفي الاعتراف من الناحية الشكلية بتطورها ولا سيما أن التنمية الاجتماعية تحتاج إلى طاقات وجهود جميع الفئات. ولطالما كانت المرأة تاريخياً انبعاثاً للتحرر وأيقونة قيادة الثورة في الوقت الحاضر في مناطق شمال وشرق سوريا، فاستحقت بكل جدارة أن تكون الضمان لنجاحها واستمرارها في جميع المجالات.