سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

اللاجئون في مصر بين الإقامة الشرعية والأزمات الاقتصادية

د. علي أبو الخير_

منذ عام 2011 وما عُرف بالربيع العربي أو الثورات العربية، تتفاقم مشكلات اللاجئين من الدول العربية التي تحولت فيها الثورات الشعبية إلي حروب أهلية، في سوريا وليبيا واليمن، فضلا عن السودان، ونجت منها مصر بفضل تلاحم شعبها مع قواته المسلحة.
اللاجئون في دول الجوار
تمثلت مشكلة اللاجئين في الدول التي لجأوا إليها، فبعض هذه الدول أقامت مخيمات على الحدود ومنعت دخولهم إلى أي مدينة أو قرية، كما فعلت الأردن مع اللاجئين السوريين، وبعض الدول أعادت الكثير منهم إلى سوريا ليكتووا بنيران الحرب التي كانت دائرة بين جيش حكومة دمشق وما سُمي بالجيش الحر، ومرتزقة داعش الإرهابي، فيما انتصرت قسد على الأخيرة.
أما ما فعله النظام التركي بقيادة رئيسه أردوغان مع اللاجئين السوريين، فهو مما يندى له الجبين، فقد منعهم من الدخول إلى الداخل التركي وتركهم على الحدود بدون مأوى، وبعضهم حاول الهجرة إلى اليونان ومنهم من مات غرقاً، ثم ابتز أردوغان دول الاتحاد الأوروبي، بعد أن هددهم بترك السوريين للهجرة إلي دول الاتحاد، وطلب منهم معونات ينفقها على اللاجئين السوريين، وبالفعل منحته دول الاتحاد ما يقرب من ستة مليارات من الدولارات لم ينفق منها دولاراً واحداً على اللاجئين، وتركهم لمصيرهم البائس، مما دفع الآلاف منهم للهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية، منهم من استقبلهم استقبالاً حسناً ومنهم من رفض وجودهم، ألمانيا استقبلت بعضهم، وقالت المستشارة الألمانية السابقة (انجيلا ميركل)حينها: “إن التاريخ سيذكر أن ألمانيا استقبلت السوريين، ولكن مكة منعتهم” في إشارة للسعودية وباقي دول الخليج التي لم تستقبل لاجئاً واحداً، ربما طوال العصر الحديث، وهنا لم يجد اللاجئون السوريون وغير السوريين إلا الدولة المصرية ملاذاً لهم رغم أزماتها الاقتصادية.
اللاجئون في مصر
لم يحدث في مصر، أن أقامت خياماً على الحدود ولم يحدث أن منعت لاجئاً إليها من الإقامة فيها، حتى لو كان لجوؤه غير شرعي، فهي التي استقبلت الأرمن والكرد الهاربين إليها من الدولة التركية العثمانية وما بعد العثمانية.
ويمكن القول إن عمق مصر الحضاري هو الذي جعلها عبر الزمن ملاذاً للهاربين من ظلم أو فقر بلدانهم، فقد استقبلت الأنبياء إبراهيم ويوسف ويعقوب وأبنائه، وولد فيها موسى، حيث حمت وأخفت المسيح والعذراء مريم ثلاث سنوات ونصف من بطش ملك اليهودية هيرودوس.
فلا غرابة إذن أن تستقبل في العصر الراهن الهاربين لها من كل بلد في المنطقة، فقد استوعبت الأخوة العراقيين خلال الفترة منذ عام 2003 وحتى عام 2007، أي منذ التدخل الأميركي واشتعال الحرب الطائفية، وعادوا بعد أن هدأت أمور العراق، وخلال تلك الفترة كانوا هم وغيرهم وحتى اليوم من المعفيين من المصروفات المدرسية ومن ضرائب الدخل، رغم كمّ الأزمات التي تعيشها مصر.
أعداد اللاجئين في مصر
لم يجد الأشقاء السوريون مقراً هادئاً لهم إلا مصر، حيث يعيش اليوم مليوني سوري في كافة جغرافيا الدولة المصرية، كما يعيش ما يقرب من خمسة ملايين من الأشقاء السودانيون، منهم ثلاثة ملايين يعيشون في مصر قبل الحرب الأهلية للعمل، ومليونين خرجوا من السودان بسبب الحرب الأهلية بين البرهان وحميدتي، فضلا عن مليونين من دول مختلفة مثل اليمن وليبيا وإثيوبيا والصومال.. الخ.
وجملة عدد اللاجئين في مصر حسب إحصائيات شبه رسمية محلية دولية تسعة ملايين لاجئ، لا تفرق الدولة أو تميز في الحقوق بين طالبي اللجوء أو المهاجرين المقيمين على أراضيها، وتقدم خدمات لكل هؤلاء اللاجئين أو المهاجرين على أراضيها، من دون تعريض أي من اللاجئين إلى المكوث في مراكز إيواء أو مخيمات على الحدود، غير أن هذا الأمر لا يمنع من فض الاشتباك ما بين فكرة موقع مصر بين أزمات سياسية وصراعات مسلحة، وفكرة تقنين هذه الهجرة أو اللجوء وضبط هذا الملف أمنياً، لما له من ارتباطات مع الأمن القومي المصري والأمن المائي والغذائي، وحتى الديموغرافي.
اللاجئون وأزمة مصر الاقتصادية
ترعى مصر عدداً كبيراً من اللاجئين – كما ذكرنا – من مختلف الجنسيات والوافدين المقيمين من الأجانب، الذين تصل أعدادهم طبقاً لبعض التقديرات الدولية، إلى أكثر من تسعة ملايين “ضيف ولاجئ” يمثلون 8.7% من حجم سكان مصر، أغلبهم من الجنسية السودانية والسورية، ومع تصاعد الأزمة، وتصاعد الأصوات المطالبة بضرورة إيجاد حل رسمي وحكومي لقضية أعداد اللاجئين، ضجت مواقع التواصل الافتراضي بتناول هذه القضية، كما انتشرت فيديوهات وصور لأعداد اللاجئين أو المهاجرين في عدد من الأحياء بالعاصمة المصرية القاهرة، وبعض المحافظات الأخرى، وانتشار محلات خاصة ببيع منتجات عدد من بلدان المهاجرين، وهو الأمر اللافت في الشارع المصري، حيث انتشرت محلات متخصصة في بيع منتجات وعطور خاصة بالسودانيين، وانتشار محلات خاصة ببيع توابل ومأكولات سورية، ومطاعم أخرى ليبية، وغيرها من المحلات التي اعتبرها البعض ظاهرة تؤثر على الثقافة الخاصة بالمجتمع المصري وتدفع باتجاه تغير ديموغرافي لا محالة.
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر، تعالت الأصوات التي تشير إلى علاقة أزمة استقبال اللاجئين على الأراضي المصرية والزيادة الكبيرة في أعدادهم بتفاقم الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار في البلاد، وضرورة عمل الحكومة على إيجاد حل لهذه المشكلة والتي تمس حياة المصريين بشكلٍ يومي.
وفي النهاية لن تطرد مصر أحداً لجأ لها؛ لأنه في النهاية ميراث مصري قديم قدم الزمن….