سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الكراب.. إرث فلكلوري تغيبه الحداثة وتنعشه السياحة الثقافية

إعداد/ عبد الرحمن محمد_

الزائر للمغرب العربي ومن يقصد مناطقه السياحية، وما أكثرها، لا شك إنه سمع ذلك الترنيم الجميل واللحن المتهاطل على الروح، “ها شريبة الماء شكون لي بغا يشرب” أو أنه ما يزال ترن في أذنيه تلك الترنيمة” أبرد أعطشان” التي يرددها في نغمة تتهاطل على الروح كما تتهاطل تلك الرشفات من كأس الماء التي يمدها إليه “الكراب”.
بزيه المميز والمحبوب، ينعش النفوس ويسقي الأجساد العطشى، بمقابل مادي زهيد تارة، وتارة بدعاء طالما سمعه وردده على الملأ “الله يرحم الوالدين”، والرزاق الله، وبرضا تام وابتسامة تنبئك إن الدنيا ما زالت بخير، وإن ابتسامة تنعش الروح، كما تروي كأس الماء أجسادا عطشى وتنعشها.
“الكراب” أو “ساقي الماء” في المغرب، وجمعهم “الكرابة” مهنة تكاد تزول في المغرب، بعد أن كانت من أبرز طقوس المهرجانات والأعياد في أنحاء البلاد، وركنا ومعلما من معالم أبرز المدن المغربية، بملابس زاهية وقبعة مزركشة وسلسال يتدلى منه الجرس النحاسي، الذي يتردد صداه في الأمكنة المزدحمة، وصوت جهوري يتردد صداه في الأمكنة والتجمعات، وخاصة أوقات اشتداد الحر، وفي كؤوس نحاسية في الغالب.
السروال الأحمر التقليدي، والقبعة الكبيرة “الترازة” التي تظلل الكتفين والرأس، أكثر ما يميز “الكراب” علاوة على الجرس و”الشكارة” التي تحوي ما يجنيه من “الغلة” حيث يضع الدريهمات، تلك خصوصيات أصالة منقولة عبر الأجيال، وتلك القربة الكبيرة المصنوعة من جلد الماعز المعالج جيدا لهذا الغرض، والمزينة بالقطع النقدية القديمة، وتعلق بها “طاسات” ـ وقطع زينة نحاسية /زليفات/ لامعة، الشربة فيها تروي ظمأ العطشان.
تكاد مهنة الكراب تقتصر على كبار العمر ممن تجاوزوا الخمسين من العمر، وهي تحتاج للجلد والصبر وقوة التحمل، كذلك فقد بات غلاء أسعار لوازمها أحد أسباب تراجعها، فاللباس التقليدي للمهنة والجرس النحاسي والكؤوس الخاصة كذلك كلها باتت بأضعاف أثمانها، بعد أن صنفت المهنة وما يتعلق بها من التراث والفلكلور المغربي الأصيل، وارتفاع أسعار النحاس، الذي تصنع منة الكؤوس و”الجرس – الناقوس” الخاص الذي هو أسلوب دعاية ومناداة للمارة والمتسوقين.
اليوم وبعد التطور الهائل في ميادين الحياة، والحداثة التي غزت مفاصل الحياة وأسواق العالم ومنها المغرب، فإن “الكرابة” يتضاءل أعدادهم باستمرار، ويكثرون في المناطق السياحية، لأن الكراب بات عنصرا هاما في السياحة المغربية، ولا بد للزوار الأجانب، وبعض السكان المحليين من اللقاء به، والتقاط صورة معه، وإنعاش الجسد والروح بـ “شريبة ماء”، في الوقت الذي كان الكراب عنصرا مهما ينبغي حضوره في الساحات والأسواق الأسبوعية منها واليومية، وكان رواد هذه الأماكن يتلهفون إلى شربة ماء من يد “الكربة” التي يحملها حيث لا يجد الناس الماء إلا في قربة الكراب، وأصبح الكراب أيضا بهندامه المتميز قطعة فنية يسعى أرباب الفنادق والمطاعم لتأثيث فضاءاتهم بها من أجل تلبية رغبة زبون قادم من أوروبا يسعى لرؤية جمال وبساطة الماضي وتقاليده العريقة.
معاناة “الكراب” تتضاعف في موسم الشتاء، حيث يقل الطلب على الماء وعلى وجودة بسبب قلة السياح، كما أن التدابير الصحية والخوف من انتقال بعض الأمراض عن طريق الاستعمال المتكرر للأدوات ذاتها بات يقلق الكثيرين ويصرفهم عن شرب الماء من يد الكراب، وخاصة بعد جائحة كورونا، التي اجتاحت العالم قبل فترة وجيزة، لكن الكراب يبقى من أحد أبرز مفردات الفلكلور المغربي الأصيل.