القهوة العربية والمهباش توأمان لا يفترقان

تل كوجر/ مثنى المحمود  ـ

القهوة العربية رمز من رموز الجزيرة السوريّة، وحتّى تحصل على النكهة اللذيذة والعادات الجميلة المرافقة لوجودها، يجب أن تأخذ حصة كافية من الدق والطحن داخل المهباش.

قد تختلف العادات والتقاليد بين العشائر العربية وحتى الكردية، وتختلف من منطقة إلى أخرى، لكن الثابت في مناطق إقليم الجزيرة استخدام القهوة العربية، في كافة الدواوين والربعات والمجالس، والقهوة تحتاج إلى شريكها الأساسي ألا وهو المهباش، الذي عرف استخدامات عديدة، اليوم يمكن القول أنه فقد شراكته الوثيقة بسبب ابتكار أساليب أكثر حداثة في إعداد القهوة، لكن يبقى المهباش الركن الثابت في ديوان الرجال حتى ولو دخل في إطار الزينة وإتمام المجلس.

الركن الثابت

تتعاقب الأعوام وتختلف على أثرها عادات وتقاليد المجتمعات، لكن يُثبت المهباش أنه الركن الأكثر ثباتاً داخل المجالس والربعات والدواوين، منذ زمن ليس بالبعيد كان المهباش أساس في تحويل القهوة من حبيبات إلى قهوة مطحونة جاهزة للغلي ثم تدخل حيز التذوّق، عن طقوس استخدام “المهباش” لإعداد القهوة العربية في “الربعة” ضمن منطقة “الجزيرة” تحدث لنا الحاج علي الكنو وقال: “من طقوس أهل الريف في منطقتنا وجود “الربعة” في كل بيت (وهي مكان اجتماع الضيوف) وفيها لا غنى عن ضيافة القهوة العربية، فكان المهباش أحد أركان “الربعة” بل يعتبره البعض رمزاً من رموزها، فشكلها يوحي بالكثير من علامات التميّز، والشخص الذي يجهّز القهوة كان يتفنن بالدق على المهباش وهو يطحن البن، بل كان يجذب الأنظار والمسامع إليه بشدة، فكانت دقّاته عليه وكأنه يعزف على آلة موسيقية، لذلك كان العديد من ضيوف “الربعة” يجلسون حوله خاصة إذا قدّم مجهز القهوة عدداً من الأطباق الحزينة من المواويل والعتابا وهو يدق”.

مواصفات وطقوس خاصة

دائماً ما كانت مرحلة إعداد القهوة مرحلة استثنائية، ترافقها طقوس خاصة تبدأ بميزات الرجل الذي يمارس عملية الدق على المهباش، من هذه الطقوس المتبعة أن لا يكون الرجل الذي يستخدم المهباش شخص عشوائي، بل يتوجب عليه أن يمتلك ميزات فريدة، ومن هذه الميزات التي يجب أن تتوافر في الشخص الذي يجهز القهوة ويدق على “المهباش”، أن يعرف ويملك خبرة كافية بتجهيز القهوة العربية، وتعامله مع “المهباش” شرط أساسي من شروط نجاح القهوة، كما أنه يجب أن يجيد التحكم بنسبة الطحن ودرجة نعومة حبّات القهوة، والأهم الحركات التي يقوم بها أثناء الطحن، ويتطلب منه ذلك أن يكون ذا حنجرة غنائيّة، فالكثيرون من ضيوف “الربعات” يميلون إلى سماع المواويل والأغاني التراثيّة، ولأن صورة “المهباش” توحي بالكثير من المتعة والهدوء فكانت توضع على زاوية ما، ويشاهدها كل من يجلس في “الربعة”، وحتى عندما يتم استخدامها فكان موضعها بشكلٍ شبه دائم.

جزء من التاريخ

اليوم ومع تعاقب الأجيال واختلاف أساليب تحضير القهوة، بات “المهباش” جزء من التاريخ في الجزيرة السورية، وأصبح يعد تراثاً شعبيّاً، حيث لا يقل عمره عن 200 عاماً، وكان الأداة الوحيدة والخاصة لتجهيز القهوة العربيّة التي تعتبر أحد أهم أركان الضيافة العربية في “الربعات”، والمعروف أن الربعة لا تزال هي المكان الذي يتجمع فيه جميع أبناء القرية وخاصةً عند المساء، وعادةً ما كان لكل شيخ عشيرة “ربعة” خاصة، وكان “المهباش” من اختصاص شخص واحد يعتني به من كافة النواحي وينظفه بين الحين والآخر، فطعم القهوة يجب أن يكون لذيذاً للغاية، والكل كان بإمكانه أن يحكم على جودة القهوة، ولذلك العناية والاهتمام بتلك الأداة الخاصة بالقهوة كانت من أولويات الجميع، ومع مرور الوقت ومنذ عدة سنوات دخل “المهباش” في صفحات الماضي، ولم يعد له وجود تقريباً إلا ما ندر، فالبعض يحتفظ به للذكرى فقط، وأصبح اليوم يُعرض في بعض المعارض التاريخية التراثية داخل المتاحف وأماكن عرض الأدوات ذات البعد التاريخية.