“القلعة” فضاء من الرقي والإبداع

قامشلو/ ليلاف أحمد-

لعبت المقاهي وما زالت  تلعب دوراً بارزاً في ثقافة الشعوب بل وحتى في ثوراتها وبخاصة في الشرق حيث كانت المقاهي تجمعات تتناول الثقافة والسياسة والقضايا المجتمعية المتنوعة ويتم فيها الإعداد للكثير من الخطوات السياسية والأدبية على صعيد المجتمعات والأفراد.

تُعتبر المقاهي الثقافية لأي مدينة في العالم أحد مرافقها العامة، ومرآة لها، تعكس ألونها الزاهية والباهتة على حد سواء؛ تعبيراً عن مزاجها العام، وهو بمثابة المدخل الى البيت، والشرفة التي تطل منها على العالم، ولكنها ولظروف الأزمة التي عصفت بسوريا ككل وفي قامشلو على وجه الخصوص غابت عن الساحة وخلت أحياء المدينة منها لتعود في الآونة الأخيرة بعد استتباب الأمن وانتعاش الحراك الثقافي من جديد، وكان مقهى “القلعة” باكورة هذه المقاهي والتي تعتبر فكرة ناجحة وإيجابية بالرغم من وجود جائحة كورونا التي أعاقت الفكرة.

وقد عبَّر “عبد الباري خلف” عضو جمعية “سوبارتو” الثقافية المعنية بالتاريخ والتراث الكردي عن سعادته بما شهدته مدينة قامشلو في الآونة الأخيرة من نهوض ثقافي ومنه افتتاح مقهى القلعة ثقافي الذي يجمع بين كافة أبناء المجتمع، ويعتبر خطوة مهمة على الصعيد الفكري والحضاري  وأضاف خلف: “سعيد لوجود مكان يتجه إليه أبناؤنا ومثقفونا الكرد لأسباب عدة، منها أن الشعب الكردي يبحث ويحب التقدم ولا سيما الصعوبات التي يلاقيها في الأوضاع الراهنة بدءاً من صعوبة إيجاد الكتب  لتبادل الأفكار والنقاش، ومن جهة أخرى يعتبر وجهة للترويح عن النفس”.

وأشار في حديثه إلى دور ثورة روج آفا في مناطق شمال وشرق سوريا ومحاولة دول محتلة كتركيا محو التاريخ الكردي وصهر ثقافته، مما دفع أبناءها للمقاومة والتمسك بلغتهم وهويتهم، وارتباط أبنائها بالثقافة والفلكلور الخاص بهم.

ملاذ لكل الأطياف

فيما أشارت الكاتبة والناشطة “شمس عنتر” إلى حاجة المجتمع لأماكن يقصدها أبناءه بكافة مكوناتهم، واعتبرت المقهى الثقافي مكاناً ناجحاً كونه فكرة جديدة وحضارية تشهدها المنطقة بالإضافة إلى أنها تجمع كافة الشرائح الفقيرة والغنية ولا سيما في الظروف المعيشية الصعبة.

وأشارت في حديثها إلى دور المرأة في التردد إلى المكتبات بقولها:”أنصح كل امرأة تهتم بالثقافة والأدب والفكر بالقراءة، وقد أصبح لدينا جميعاً مقهى حضاري، ومن جهة أخرى فهو كسر للعزلة وعدم هدر الوقت دون فائدة”.

وتحدثت “شمس” عن تقدم المرأة في شمال وشرق سوريا في كافة الاتجاهات، وعن دور الكرد في القيادة والثورة بقولها “نعم لقد عرف العالم الشعب الكردي من خلال المقاومة والدفاع, لكن إلى جانب ذلك نُريد أن نوضح ونثبت للعالم مدى تقدم فكرنا وأدبنا وفلكلورنا، فمنذ القدم والشعب الكردي يعيش على أرضه وله حضارته ولغته وتاريخه”.

في ذات السياق تحدث “خميس العجم” من (عشيرة الشمر) في مدينة قامشلو عن أهمية وجود مثل هذا الملتقى المستمروالتجمع للمثقفين بقوله “هذه الفكرة عريقة وحضارية لأننا نشهد وجود مقهى ومكتبة، وثانياً أنها تجمع بين أطياف المثقفين والمفكرين من مختلف المشارب والمذاهب في البلد”.

ويسعى مؤسسو هذه المبادرة أيضاً إلى تغيير الصورة النمطية عن المقهى كفضاء للتدخين والبطالة وقتل الوقت بما لا يفيد من كلام.
وبهذا الخصوص تحدث “محمد حسين” مدير مقهى “القلعة”:

 “غايتنا منذ تأسيسنا هو دمج الفكرتين، المقهى والمكتبة، على حد سواء كما في الدول المتقدمة، وليس الهدف تجارياً، وقد جمعت رفوف المكتبة ثلاثة آلاف كتاب ومجلة بكل أنواعها من الأدب والسياسة والثقافة… وحصلنا على الكتب من العديد من الدول”.

وأشار في حديثه إلى ما تشهده مناطق الادارة الذاتية في شمال وشرق سوريا من تقدم فكري وثقافي وعلى وجه الخصوص فيما يخص اللغة الكردية بعد عقود من المنع والصهر الذي طالها.

منتديات ثقافية وحوارية

ونوه “حسين” أنه من ضمن مشاريعهم التي خصصوها في الأيام المقبلة جمع الكتاب والمثقفين وإلقاء محاضرات كل أسبوعين بالإضافة إلى تنظيم ندوات بوصفه مكاناً للحوار والجدل حول الموضوعات الفكرية المختلفة، بالإضافة لإمكانات التواصل البشري وتبادل المعلومات والأخبار والمعارف والاستفادة من أصحاب الخبرة والمكانات الفكرية والثقافية في إقامة أنشطة ثقافية وفكرية متنوعة.

ويذكر أن هناك عدة مكتبات للمطالعة والقراءة ولها دور واسع في نشر الثقافة والفكر؛ كمكتبة هيئة الثقافة والفن في مركز محمد شيخو، ومكتبة آمارا العامة، ومكتبة اتحاد المثقفين في إقليم الجزيرة في حديقة القراءة.

للمقاهي الثقافية دورها الكبير في خلق التواصل بين رواد المثقفين والمفكرين والجمهور، وإلى جانب ذلك تعتبر فسحة خلاقة للأشخاص الذين يودون أن يقوموا بإتمام أعمالهم أو اجتماعاتهم في جو عصري وممتع، وملتقى عمل الشباب وهواة الفن ولاسيما في ظروف يصعب الحصول على الكتب المطلوبة، مما يسهم في تشكيل ثقافة مستقلة بذاتها ودافعاً لإنتاج أدبي وثقافي مختلف.