سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

القرن الحادي والعشرون قرن نضال وكفاح المرأة وتطوير الديمقراطيات

روشين إبراهيم_

إن استمرار ثورة الشعوب في إقليم شمال وشرق سوريا في المقاومة والنضال مرهونة بدور المرأة ومدى فعاليتها وتلبيتها لمتطلبات إنشاء الإدارة الذاتية الديمقراطية، وهذا ما تمّ التأكيد عليه بعد مرور قرابة عشرة أعوام. كما أنّ انضمام المرأة الكردية إلى ثورة روج آفا، وطليعتها على كافة الأصعدة ضمان دمقرطة هذه الثورة التي ستستمر بكلّ وتيرتها ضد القوى الإرهابية المسماة بداعش والاحتلال التركي وجميع أعداء وجودنا والمحتلين.
لقد مرّ عشرة أعوام كاملة على استمرار نضال المرأة في روج آفا في خضم ثورة شعبية لا تزال تتعرض لأشرس الهجمات الإرهابية؛ بهدف النيل من مكتسبات الشعوب وعلى رأسها الشعب الكردستاني، لكن المرأة رغم كلّ ذلك استطاعت أن تخطو خطوات عظيمة نحو الحرية، فلَو قيّمنا نشاطات وفعّاليات المرأة منذ إعلان عن ثورة الشعوب في شمال وشرق سوريا يمكننا القول؛ إنّها كانت كثيفة وشاملة لجميع نواحي الحياة، وذات تأثير كبير على تغيير واقع المرأة في المنطقة، ويمكننا الإشارة إلى دور المرأة في التوعية من خلال الأكاديميات والدورات التدريبية التي قامت بها ضمن أكاديميات «مؤتمر ستار»، حيث تمّ تخريج الآلاف من النساء وأعطت لهنَّ الدور الرئيسي في النشاطات النسائية والسياسية عموماً. لهذا كان للمرأة نشاط كبير في إثبات نفسها على أساس الرئاسة المشتركة والتي باتت ثمرة للنضال والمقاومة، فنظام الرئاسة المشتركة لأول مرة يُعمم في روج آفا، وهذا التعميم شمل كلّ من المرأة الكردية، العربية، الآشورية، السريانية.
إنّ بناء الحياة على أسس تشاركية بين الجنسين أصبح ركناً أساسياً من أركان المجتمع الحر التي تسعى الحركة إلى بنائه. لم يطبق نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية في أيّ دولة من الدول التي تدّعي الديمقراطية والحرية، ويعتبر النموذج الأنجح على الساحة التنظيمية، كما إنّ النظام الرأسمالي يستمر ببث ثقافته ضمن المجتمع، مُبدياً إنّه الأكثر تبنياً لحرية المرأة من خلال إبعاد وإفراغ المرأة الشابة من قيمها المجتمعية وإكسابها الشكليات في مفهوم الحرية، لهذا يصبح من الصعب تحرير المرأة التي اقتنعت بأنّها متحررة وليست بحاجة إلى نضال تحرري.
إنّ هذا من أحد الأسباب التي تواجه حركتنا في جذب فئة الشبيبة إلى صفوف النضال، فجميعنا يعلم إنّ حركة المرأة خطتْ خطوات جديّة في سبيل تحرّر المرأة، وفي صدارة هذه الخطوات إصدار القوانين الخاصة بالمرأة والتي تدخل في خدمة المرأة والمجتمع. لذا؛ كان للإدارة الذاتية الديمقراطية الموقف الحاسم لتحرير المرأة من الأنظمة والقوانين التي فُرضت عليها من قبل الأهل والمحيط المتحكم بها.
للمرأة جهود كبيرة منذ بداية الثورة في حلّ مثل هذه المشاكل والقضايا المتعلقة بالمرأة والعائلة، ففي عام 2014 كان لتنظيمنا، تنظيم «اتحاد ستار» الدور الرئيسي في إنقاذ المرأة من الوضع المتردي والمشكلات التي اعترضتها، ولم يفرق التنظيم بين هوية المرأة سواء أكانت عربية أو كردية أو سريانية أو آشورية، إنّما ساهمتْ في تطوير طاقات المرأة في كافة مجالات الحياة السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، فقامت بتدريب المرأة السريانية وإنشاء تنظيم خاص بالمرأة العربية، حيث إنّ تنظيم المرأة في كافة مجالات الحياة السياسية، الأيديولوجية، الفكرية، السياسية، الاقتصادية، العسكرية، الثقافية والإدارية، أدى إلى ظهور نتائج هامة على أرض الواقع، فلو درسنا كلّ مجال على حِدَةٍ لتبين لنا بأنّ المرأة لها دور كبير في قيادة الثورة في روج آفا، فهي قدمت الكثير من التضحيات والبطولات في نضالها الثوري، “المرأة التي خرجت من منزلها راكضة وراء حقوقها وتحقيقاً لمطالبها في العدالة والمساواة، تركت منزلها لتبحث عن ذاتها الضائعة منذ آلاف السنين”، وبالفعل عندما انضمت إلى الساحة السياسية التقتْ بذاتها وتوحدتْ معها، وتحولت إلى ذاك النبع الذي فتح أمامه المجرى لتتدفق منه المياه بغزارة، بعدما كانت محاصرة ومقيدة في بقعة صغيرة. فالمرأة أدركت فيما بعد بأنّها تمتلك طاقات هائلة من الإمكانيات، لم تكن هي نفسها مدركة أو على يقين بها. تمكنت المرأة في روج آفا خلال السنوات الماضية من كسر جميع القيود التي كانت تكبلها خلال القرون الماضية، من عادات وتقاليد بالية فُرضت عليها الذهنية الذكورية وحولتها إلى أسيرة في المنزل وحتى في مكان العمل. واستطاعت إبراز طاقاتها من خلال قوة إرادتها وازدياد ثقتها بنفسها وما تقوم به من عمل خارج المنزل.
نحن لا ننكر بأنّها واجهت الكثير من المشاكل والصعوبات في البداية، إذ تعرض العديد منهن لحالات العنف والطلاق، لكن إصرارها واستمرارها في النضال أدى إلى كسر تلك الذهنية في المجتمع، وبدل الامتعاض الذي كان يبديه الرجل أصبح يتفاخر بالعمل الذي تقوم به المرأة. هكذا أصبح لها دورين في المجتمع، خروج المرأة خارج إطار المنزل أكسبها ثقة كبيرة وشخصية قوية قادرة على حلّ كل مشاكلها بوعيها وقدرتها. أمّا الجانب الثقافي فكان له دور كبير في الإعلاء من قيمة المرأة في المجتمع من خلال الندوات التوعوية والتثقيفية والدورات التدريبية، بالإضافة إلى العديد من الفعاليات والنشاطات الفنية التي ساهمت في تطوير قدراتها وإمكاناتها الفنية. لذلك؛ نقول إن للمرأة دور في إغناء الثقافة الوطنية، ومن أهم المواضيع التي شغلت تفكيرها في الآونة الأخيرة، هي كيفية بناء العائلة الديمقراطية المعتمدة على مبدأ حياة التشاركية. إنّ تنظيم المرأة بهذه الكثافة ضمن صفوف الأسايش، إنّما يعبّر عن الانفتاح الذي حققه المجتمع الكردي. حقيقةً إنّ القوالب التي فُرضت على المجتمع من قبل الذهنية الذكورية الرجعية منذ سنوات طويلة حالت دون تقدمها وتطورها وانضمامها إلى الأسايش، ولكن إصرارها على الانضمام فتح المجال أمامها، كي تنقل معاناتها إلى الجهات المعنية. لأول مرة تتوجه المرأة الكردية إلى الجهات المعنية الرسمية بخصوص ما تتعرض له من الظلم والاضطهاد، هذا لوجود المرأة في ذلك المجال ووجود من يدافع عنها ويعيد لها حقوقها المسلوبة. كما إنّ الدورات التدريبة التي قامت بها أكاديميات “مؤتمر ستار” خلقتْ أرضية صلبة لنضالات المرأة ونظّمتْ لها ساحات الحرية كي تمارس نشاطاتها في أجواء أكثر ديمقراطية، وعلمتْ المرأة كيف تعيش لذاتها وإنّها ليست لغيرها، كما علمتْها كيف تعيد الحياة الجماعية المجتمعية عن طريق معرفتها ووعيها بتاريخها الذي لم يكتب بعد، وتعلمتْ كيف تُحيي ذاك التاريخ وتعطيه روحاً، وكيف تعيش، وكيف تناضل، وكيف تنظم حياتها، وكيف تدافع عن ذاتها وتاريخها.
النضال الذي مارستْه المرأة الكردية في ساحات المعارك الساخنة ضمن صفوف وحدات حماية المرأة، والنجاحات الميدانية التي حققتها، أدهشت العالم ومزقت الذهنية التي كانت تسعى لتحكيم سلطتها مرة أخرى على منطقة الشرق الأوسط، فما دام الرجل يحافظ على قوالبه الذهنية ورغباته في التسلط، فإنّ المرأة بحاجة إلى تكثيف نضالها كي تنهي هذه الذهنية الرجعية، وتحقق أمانيها ببناء مجتمع ديمقراطي حر.
المجتمعات الغربية والشرقية تؤمن بأنّ المرأة غير قادرة على حمل السلاح، وإنّ طبيعتها لا تلاءم ذلك، حيث تمّ حرمانها من أبسط حقوقها في الدفاع عن ذاتها ومواجهة كل أشكال العنف التي تعترضها، والنظر إليها على إنّها لا تصلح لشيء سوى زينة المنزل، لكنّ وحدات حماية المرأة كسرت هذه القاعدة، وفتحت المجال أمام المرأة كي تتعرف أكثر على طاقاتها الدفينة وقوة شخصيتها، والمقاومة التي أبدتْها المرأة عبَّرت عن قوة إرادتها في مواجهة الظلم والعبودية. ونضال المرأة اليوم أصبح مثلاً يُحتذى به في جميع أنحاء العالم، فالمرأة المصرية، التونسية، الأفغانية، العراقية، الكردستانية، بدأت تنظم نفسها كي تكون قادرة على الدفاع عن نفسها ومواجهة أي ظلم يعترضها من المجتمع. وبهذا تكون المرأة قد مزَّقت ستار الخوف المرعب، الذي عاشته لآلاف الأعوام. لكن كلّ هذا لا يعني إنّنا تخلصنا بشكل نهائي من الذهنية الذكورية الرجعية. بطبيعة الحال الفرق بين الأعوام السابقة والوقت الحالي كبير جداً، فكلّ ما تمّ القيام به في الأعوام السابقة من فعاليات ونشاطات بدأت تُثمر، وأصبحت قاعدة مهمة لبناء الإدارة الذاتية الديمقراطية، كما أنّ القوانين التي أصدرتها هذه الإدارة كانت من أهم نتائج هذه النشاطات والفعاليات. بهذا يمكننا القول: «إنّ القرن الحادي والعشرين سيصبح قرن كفاح ونضال المرأة وتطوير الديمقراطيات»، وتثبت حقيقتها من خلال النضالات الكبيرة التي قامت بها، والتي اعتمدت على فلسفة الحياة الندية في المجتمع الديمقراطي الحر، والتي رسمها لنا القائد عبد الله أوجلان للوصول إلى الحرية والعدالة، ونحن بدورنا نعمل على رد الجميل للقائد الذي فَدَى بحياته من أجل حرية المرأة والمجتمع وتحقيق العدالة.