سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

القرار الأممي 2254 بين مصالح الدول والتطبيق على أرض الواقع

رفيق إبراهيم_

القرار الأممي 2254 كثيراً ما يسمع به السوريون على لسان السياسيين، وفي أروقة المؤسسات الدولية المعنية، وأيضاً الدول الفاعلة في الأزمة السورية، والكل يجمع بشكل ما، أن هذا القرار هو مفتاح الحل في سوريا، على الرغم من أنه لا يوجد في الأفق أية بوادر لتنفيذ بنوده، وهناك من يقول، أن القرار غير قابل للتطبيق على الأرض السورية، للتداخلات الكبيرة من العديد من الدول في الشأن السوري.
لا حلول دون تطبيق القرار 
القرار الأممي 2254 صدر في العام 2015 حيث اجتمعت الدول في مجلس الأمن، وأصدرت القرار بالإجماع، والكل اتفق على ألا حل من دون تطبيق ذاك القرار، وحتى روسيا حليفة حكومة دمشق تؤكد على تطبيقه، على الرغم من توجهها إلى البدائل ففي 2017 وجهت روسيا الأنظار إلى آستانا، وعقدت مؤتمراً بمشاركة تركيا وإيران، وحكومة دمشق، وكان ذا صبغة عسكرية وسياسية، وفي خطوة عُدَّت التفافاً على القرار 2254، ومؤتمر جنيف المعني بحل الأزمة السورية، اتجه موسكو في عام 2018 لعقد اجتماعات سوتشي، وهو ما يعدُّه سياسيون وقانونيون ومتابعون مفارقة، بهدف الالتفاف على مضمون القرار الأممي  وبنوده الأساسية.
ولاستمرار الأزمة السورية دون أي تقدم في مسار الحل، اتجهت العديد من الدول العربية بتحسين علاقاتها مع حكومة دمشق، وأحضروا بشار الأسد إلى قمة جدة، في محاولة لإعادة فتح مسار الحوار مع حكومة دمشق، وأيضاً تركيا حاولت تطبيع العلاقات مع دمشق، ولكن حتى الآن لم يكن هناك تقدم، وعلى الرغم من ذلك، ما تسمى المعارضة تتخوف من محاولات تعويم حكومة دمشق من جديد.
القرار الأممي 2254، الذي تقدمت به الولايات المتحدة، في العام 2015، يحتوي على 16 مادة، ومن أهم هذه المواد المادة الرابعة، التي تنص على دعم عملية سياسية شاملة في سوريا، وتقود إلى هيئة حكم انتقالي غير طائفي خلال ستة أشهر، تكون تحت إشراف مباشر من الأمم المتحدة، يتم تحديد جدول زمني لصياغة دستور جديد لسوريا، ومن ثم تقيم انتخابات بإشراف أممي بهدف تحقيق الديمقراطية والنزاهة، في غضون عام ونصف.
آلية تطبيق القرار 2254
بعد صدور القرار كلف مبعوث أممي إلى سوريا، وهو ستيفان دي مستورا، حيث حاول إيجاد حلول للأزمة السورية، عبر صولات وجولات في المنطقة، وأيضاً مع الدول الفاعلة في القضية السورية، ولكنه بعد كل الجهود، التي بذلها لم يستطع إحداث أي تقدم، ليتم تسليم الملف السوري لغير بيدرسون، والذي يستمر حتى الآن، ولكن هو أيضاً لم يكن قادراً على إحراز أي تقدم في الأزمة السورية، على الرغم من تأكيده الدائم على أن الحل في سوريا يجب أن يكون أساسه تطبيق القرار الأممي 2254.
وفي آخر تصريح صحفي لغير بيدرسون، بعد زيارته العاصمة دمشق، ولقائه وزير خارجية حكومة دمشق، فيصل المقدار قال بيدرسون: “يجب أن نكون صادقين ونقول إن القرار (2254) لم يكتب له النجاح حتى الآن، لكن بصيص الأمل هو أن الأطراف في سوريا لا تزال ملتزمة ببنود القرار”.
بيدرسون وفي تصريحاته يدعو إلى ضرورة وقف إطلاق النار في أنحاء البلاد، ودفع مسار اللجنة الدستورية، لوضع دستور جديد للبلاد، وفي الفترة الأخيرة يطالب حكومة دمشق بضرورة تطبيق ما تم الاتفاق عليه مع الجامعة العربية، بعد مؤتمر جدة، المسار الذي يعرف، بخطوة مقابل خطوة.
المحللون والناشطون والمتابعون للشأن السوري، يؤكدون على أن القرار 2254، تستخدمه الدول الفاعلة في الأزمة السورية، لتحقيق مصالحها، بعيداً عن مصلحة الشعب السوري، ولذا يخرج القرار عن مضمونه وجوهره، لذلك لا يمكن تطبيق القرار الأممي على أرض الواقع، والسبب ليس القرار ذاته، بل بسبب تفسيرات بنود القرار؛ لأن كل دولة تفسره حسب هواها ومصالحها، ومن المفارقات الغريبة أن القرار المذكور يتضمن بنودا تتعلق بالشأن الإنساني والمساعدات، ومع ذلك لا يتم النقاش حولها، وهذه القضية يجب الالتزام بها وبتطبيقها.
بنود الاتفاق لم يتم الالتزام بها
 ومن بنود القرار الهامة، تلك التي تتعلق بالإفراج عن المعتقلين، وفك الحصار عن المدن المحاصرة، وإيصال المساعدات الطبية والغذائية إليها، وهي البنود 12 و13 و14، لكن مع الأسف حتى هذه البنود الإنسانية، لم يتم الالتزام بتطبيق أي منها حتى الآن، فكيف يمكننا تطبيق البنود السياسية في القرار 2254؟
هناك عدد من الدول، تدعي بأنها حريصة على تنفيذ القرار علناً، ولكن في الخفاء تحاول دائماً تعطيل القرار وبنوده، ومن هذه الدول روسيا على سبيل المثال، حيث عملت كل ما يمكن عمله من أجل إفراغ القرار من مضمونه عندما حاولت تغيير مسار العملية السياسية في سوريا، وأعلنت عن آستانا، ثم سوتشي، بعد ذلك، والكل يعلم أن هذين المسارين يتناقضان مع جوهر العملية السياسية والقرار الأممي 2254.
مسارات آستانا وسوتشي تعطل الحلول
 بإمكاننا القول: إنه تم تهميش السوريين، عبر خلق البدائل للقرارات الأممية الخاصة بالحل في سوريا، وصدور أي قرار بعيداً عن إرادة السوريين، لا يمكن القبول به، ومن هنا على السوريين بأطيافهم وانتماءاتهم التمسك بجوهر القرار الأممي 2254، ورفض أي تفاهمات جانبية من الدول الإقليمية أو الخارجية، لا يستفيد منها الشعب السوري، وعلى السوريين رفض مخرجات آستانا وسوتشي، حيث تحاول تركيا وروسيا وإيران تحقيق مصالحها فقط من خلال هذه المؤتمرات، وعلى حساب دماء السوريين.
العديد من الدول الفاعلة في الأزمة السورية، حاولت تغيير مسار الحل في سوريا، وتحويل القرار 2245، إلى مجرد إطار عام يتحدث عن إصلاحات دستورية فقط، فروسيا حاولت عبر مسار سوتشي اتخاذه بديلاً عن جنيف، وهذا يتعارض مع جوهر القرار الأممي، وهناك إشكالية كبرى تتعلق بما تسمى المعارضة حيث قبلت بالقرار الأممي، ولكنها وإرضاءً لدول إقليمية، انخرطت في مسارات أخرى كآستانا وسوتشي، والتي تتناقض مع مسار جنيف، حيث أشركتها تركيا في آستانا لتحقيق غاياتها، ما ساهم في تعقيد الأزمة وعدم الوصول لحلول لها.
فيعدُّ مسار آستانا، أحد العوامل، التي ساهمت في إبقاء المعضلة السورية كما هي دون تقدم، لأن قراراتها جاءت لتعطيل آليات الحل، التي وضعها مجلس الأمن، وبإمكاننا أن نتهم سوتشي أيضاً بتعطيل التوجه للحل في سوريا. لذا؛ على الدول، التي وقعت وصوتت على القرار الأممي 2254، أن تقوم بواجبها تجاه الشعب السوري، الذي لا زال يعاني من القتل والدمار والهجرة والفقر، وأن تعمل بجدية وفرض آلية عمل لتطبيق القرارات الأممية على الجميع، بما يعود بالفائدة على الشعب السوري، وإنهاء معاناة ثلاثة عشر عاماً من الحرب الدائرة.