سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

القائد عبد الله أوجلان… ثورة فكر لن تُعْتَقل

أفيندار عفرين_

كثيراً ما كانت المؤامرات تُحاك ضد السلاطين في حروب نزاعات السلطة المستمرة، كان يمكن أن يكون الخصم في هذه النزاعات التي تُدار خلف الكواليس فرداً واحداً أو مجموعة أفراد أو دولة على الأكثر، كانت هذه المؤامرات تبدأ بالخيانات التي لا تُنسى على مر التاريخ البشري وتنتهي بقتل الشخص المستهدف أو نفيه، أو تعذيبه حتى الموت، وغالباً كان الموضوع معتمداً على حظ هذا الإنسان، إما أن تكون محظوظاً ودعوات الآلهة محاطة بك فيتم قتلك وتصفيتك أو يكون حظك عسير الخطى فتبقى متروكاً لقدرك الأليم.
سأروي لكم يا أعزائي قصة، أشبه بقصة بروميثيوس في أسطورة الخلق الشهيرة، لكن روايتنا لن تكون أسطورية المعالم فهي حقيقية بكل حروفها حقيقية لدرجة لا يمكن لحنكة الإنسان توقّعها، وبطل حكايتنا كان طفلاً لا يشبه بأفكاره أحداً مميز الخصال؛ راودت أفكاره تناقضات كبيرة رغم صغر سنه، حيث تألم بزواج صديقته التي كانت تلعب معه في الشارع بالأمس واليوم أصبحت زوجة أحدهم وغداً ستكون أماً، لم يفهم هذا الطفل ما حدث بالضبط، “إليف” صديقتي وهي صغيرة كيف لأمر كهذا أن يحدث …؟”
– تعالي نلعب معاً! …
ـ لا أستطيع فأنا متزوجة الآن.
ياااه كم غريب حال هذه الدنيا؟ وبعدها تزوجت أخته مقابل أكياس من الحنطة … ما هذا الهراء! كان يفكر؛ كيف لإنسان روحاً وجسداً تُساوم على حياته بحبات قمح؟  كان متحداً بروحه مع الطبيعة ويعيش بسلام مع كل الكائنات وكأنه يجيد لغتها.
القائد عبد الله أوجلان المحور الأساسي الذي يشغل الكثير من صفحات الإعلام، والشخص الذي تم اعتباره ضمن أكثر مئة شخص مؤثر في العالم، القائد الذي يحتل الجزء الأكبر من انشغال السياسيين في هذا العالم … نعم لم أبالغ العالم أجمع!
وهنا سيكون سؤالنا لماذا؟
سنستطيع أن نستخلص من طفولته مدى اختلافه، طفل يستطيع عيش تناقضات بهذه الطريقة بالطبع سيكون حديث شؤون الساعة عندما يكبر.
 درس القائد عبد الله أوجلان في الجامعة، قسم الحقوق؛ ومن ثم تحول في العام نفسه إلى قسم العلوم السياسية. كانت أفكار الدولة تحيط بعنقه حتى تكاد تشعره بالاختناق. القائد عبد الله أوجلان كبر وكبرت التناقضات التي رآها عن المرأة والعائلة والمجتمع وشعبه، وأيضاً عن الدولة حتى وصلت تناقضاته لحد الكون. بات يبحث عن أسئلة لتناقضاته ويبحث معها عن حلول مناسبة.
أنا كردي لكني درست بالتركية أنا كردي ولم أتقن الكردية جيداً! لماذا كردستان مستعمرة؟ هذا هو التناقض الذي لمسه القائد عبد الله أوجلان الذي غير مساره ومسار شعوب الشرق الأوسط عامةً والشعب الكردي خاصةً. بدأ يفكر بالكرد وكردستان لكنه فيما بعد اكتشف أنه لو بقي في إطار الكرد وكردستان فهو لن يبتعد عن مفهوم وفكر الدولة القومية وخصوصاً أن رفاقه الأوائل في النضال، شهداء شعلة الحرية لهذا اليوم لم يكونوا كرداً. حدد القائد أوجلان توجه فكره وحلل أنه ما من مشكلة إن عشنا في جغرافية واحدة مختلفي الألوان، الأشكال، الأعراق، الثقافات واللغات، ما من مشكلة إن عشنا معاً رغم اختلاف الدين والمذهب والعقيدة فهذه الأرض تسعنا جميعاً وما من مشكلة لو تقاسمنها سوياً فالاختلاف ليس بخلاف.
أين تكمن المشكلة لو كنت كردياً وجاري عربي؟ أين المشكلة لو كنت يهودياً وجاري مسلماً؟ أين المشكلة لو أن أخلاقنا هي من تحكم مجتمعاتنا وليس القانون؟ أين المشكلة لو أن المرأة في هذا المجتمع تكون حرة وصاحبة إرادة ولا يتشابه قدرها مع قدر إليف وأخته!
أين المشكلة لو أننا نحمي البيئة للحفاظ على توازنها لدرء خطر غضب الطبيعة علينا؟ نستطيع الاستخلاص أن القائد أوجلان فقط أراد إخراج المجتمع من قوقعة هيمنة الرأسمالية التي توغلت عليه بعباءتها السلطوية.
فهو استطاع بفكره أن يكتب تاريخاً جديداً غير متوقع، فالأقطاب المهيمنة التي قسمت الدول ورسمت الحدود لها واختاروا الحكام بعناية ليلبوا غايتهم في المنطقة، ولم يكن من المتوقع أن يخرج أحد عن إطار مفاهيمها الموضوعة، وخصوصاً في الشرق الأوسط، فهم أطلقوا عليه مسمى دول العالم الثالث، وباتوا يُصدرون لهم قشور المعرفة بعد أن سرقوا حضارتهم وجَرّدوهم من عقولهم النّيرة.
استطاع القائد عبد الله أوجلان في ظل هذه التحديات أن يرسم خطاً جديداً أشبه بثورات الأنبياء، استطاع انتشال الأرواح قبل الجسد من متاهات أنظمة ربّت شعوبها على الخوف من كل ما يُعاش فالحياة خوف والسياسة خوف وحتى الحب خوف، فحدود الدول لم تكن يوماً حدود أمن لقاطنيها بل هي حدود قتل لمواهبها وقمع لحريتها وحساب لأنفاسها بل وحتى حدود صّهر لمخالفيها.
القائد يُذكرنا أن الحياة لا تكمن في العيش لأجل القوت والزاد فقط، وأن المرأة لم تُخلق لتصبح أداة جنس وتكاثر، وأن القوانين وضعتها الدول لتحمي نفسها، وتضمن استمرارها وأنه يجب على الإنسان أن يتوحّد مع الطبيعة وألا ينفصل عنها.
لكل ما سبق تعاملت دول عدة “بريطانيا ،أمريكا، تركيا وإسرائيل” وسواها، وبعد تعرفهم لحقيقة فكر القائد وأنه يدعو إلى نشر مفهوم الديمقراطية ويدعو بالسياسة المجتمعية، وهذا الأمر غير مقبول؛ بنظرهم، ويجب أن يجدوا حلاً لردعه وإيقافه، هو ومن معه، يجب أن يتم القضاء على حزب العمال الكردستاني فهو يشكل تهديداً على فكرهم الذي “أحرقوا” العالم من أجله،  لذا كان مخططهم: “يجب وضع العمال الكردستاني في قائمة الإرهاب ولهذا يجب أن نجد خطة مُحكمة لذلك، كقتل أحد ممن يدعمون الأفكار الديمقراطية ويتبنى أفكار الحرية وليكن رئيس وزراء السويد مثلاً”!
 تم ذلك ووُضع حزب العمال الكردستاني على لائحة الإرهاب وهنا استمدت الدول مشروعيتها لمحاربته بصفة رسمية تبعاً للأحكام والقوانين، لكن هذا لم يردع حزب العمال الكردستاني من إكمال مسيرته النضالية للوصول إلى هدفه في تحقيق أخوة الشعوب وضمان حرية المرأة في مجتمع أخلاقي سياسي، وأيضاً العمل المستمر من أجل نشر السلام.
معروف أن حزب العمال الكردستاني هو الحزب الذي أسسه القائد عبد الله أوجلان مع بعض من رفاقه؛ حقي قرار، كمال بير، والكثير من الأسماء التي خُلّدت في تاريخ الحزب والإنسانية، ولم تكتفِ الدولة التركية وشركائها بإنكار الكرد واستخدام أبشع أساليب الإجرام لردعهم وزرع الخوف في قلوبهم، لكن الكرد في باكور والأجزاء الأخرى باتوا مدركين تماماً حقيقة أن كردستان مستعمرة! وأيضاً شعوب المنطقة أجمع باتت مدركة تماماً لطقوس العبودية التي تعيشها.
بدأت الدول غير الراضية عن فكر القائد بحياكة المؤامرة التي لم يكن لها مثيل في التاريخ وعلى مر الزمان، بدأت المؤامرة عندما قررت الدول الإيقاع به 9/10/1998، حيث خرج القائد من دمشق بعد الضغوطات التركية على الدولة السورية وحشد جنودها على الحدود للبدء بعملية عسكرية ضد سوريا.
 توجّه إلى اليونان بعد أن وعده بعض البرلمانين باستقباله، وإمكانية بقائه في اليونان ولكن ذلك لم يحدث، وهنا كانت خيانة اليونان الأولى والأكبر لعهد صداقة كانت ستجمعها بالقائد وللأسف لم تكن الأخيرة، قاموا بإرسال القائد إلى روسيا بجواز سفر يحمل اسماً آخر وفيزا، ليصل القائد إلى موسكو، وتبدأ المساومات بين روسيا والناتو آنذاك، وحسب الادعاءات في تلك الفترة، وبحجة الضغوطات على روسيا، اضطر القائد إلى تغيير وجهته، بعد قيام  بعض الأحزاب اليسارية وبعض ممثلي مؤسسات المجتمع المدني وبعض أعضاء البلديات وحزب الخضر الإيطالي بدعوته إلى إيطاليا وفعلاً توجه إلى إيطاليا وكان لقاءه على مستوى سياسي برئيس وزراء إيطاليا الذي حاول بدوره مساعدة القائد على حل القضية الكردية سلمياً. لكن ذلك لم يحدث ونتيجة الضغوطات الداخلية من (الأحزاب اليمينية الإيطالية)، والضغوطات الخارجية من أمريكا التي طالبت بتسليم القائد لمحاكمته والموساد الإسرائيلي الذي كان يقوم بكل ما يستطيع فعله سراً وعلناً وأيضا بريطانيا، فقد كانت سيدة المواقف في السيناريو الذي كتبته بقمة الدهاء والحنكة السياسية، ولا ننسى مهرج الساحة الذي مازال يتوعد الوعيد الى يومنا هذا بمنطقه الخرافي الذي يدعي فيه حفظ أمن بلاده بأرض غيره، والوجه الحقيقي لسياسة العالم خلف الكواليس إنه وبلا منازع تركيا.
كان القائد قد دعا لمبادرة سلام أثناء تواجده في إيطاليا، لكن مع الأسف أي سلام نرجوه من كل هذا القبح الذي يحيط بنا، ألمانيا أيضاً كان يجب أن تشارك بلعبة الخيانة وأن تكون جزءاً من هذه المؤامرة فقامت بدوها بإيقاف حكم غيابي كانت قد فرضته على القائد، وكان يمكن لهذا الحكم أن يكون بين الأربعة والخمسة أعوام، وبهذا باتت من رعاة هذه المؤامرة.
توجه القائد مجدداً إلى روسيا بعد 66 يوماً، ليستقبله البرلمانين الروس حاملي الورود، كان القائد متأكداً أن هذه الورود ليست إلا صورة لمساومات ستحدث وأن لا أحد سيتخلى عن مصالحه للحفاظ على علاقة الصداقة.
قرر القائد بعدها العودة الى جبال كردستان بعد أن تأكد انه ليس للكرد ملجأ سوى الجبال وذلك عن طريق أرمينيا وقرباغ ولكن عندما صعدت طائرته توجهت لمكان مجهول ليجد القائد نفسه في طاجكستان وفيما بعد قرأنا بعضاً من عبارات القائد عن وصفه تلك اللحظات فيقول: “إن كنت سأصرخ فلا أحد سيسمعني، وإن كنت مت ما كان لأحد أن يرى جسدي”.
هذه العبارات تجعلنا نفكر مراراً عن أي إنسانية تعيشها هذه الدول وأي قباحة سياسية تُعاش؟ أي ثمن يدفعه شخص فقط اختلف بتفكيره عن نظرية القطيع التي فرضتها تلك الأنظمة؟
القائد اضطر بعدها للعودة إلى اليونان وعاش في منزل كاتبة وقاصة يونانية حاربت بالحرب العالمية الثانية في حرب بلادها ضد جيش هتلر النازي، وصفت تلك السيدة وابنتها حبهما للقائد بهذه الكلمات: “كان ذو خاصية مميزة، شخص ذو وجه مبتسم، سألني: كوني في منزلك ألا تخافين؟ قلت له: لا أمن على حياتك هنا أخاف عليك”.
في هذه الأثناء كانت الحكومة اليونانية تصف وجود القائد لديها كلغم بين أيديهم ماذا سيفعلون. بعدها تم التفكير بالذهاب إلى هولندا ليمتثل القائد للمحكمة الدولية، ولكن عندما استقلوا الطائرة ووصلوا إلى مينسك في روسيا البيضاء، لم تكن الطائرة التي ستقلهم إلى لاهاي موجودة فعادوا آنذاك أدراجهم إلى جزيرة كورفيه اليونانية، ليتوجه من جزيرة كورفيه إلى إفريقيا، ومن هناك إلى جنوب إفريقيا، ووصل إلى كينيا (نيروبي) وظلوا في بيت السفير اليوناني مع رفاقه. لتخطط الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) وتقوم الاستخبارات الأمريكية بتنفيذ العملية المشتركة مع الاستخبارات التركية لخطف القائد.
 وطبعا لم تقف اليونان مكتوفة الأيدي، بل وضعت بصمة خيانتها الأخيرة؛ في معادلة المصالح تلك وأخبرت القائد أنه يتوجب عليه مغادرة السفارة اليونانية لنقله إلى هولندا.
وهكذا تم تسليمه إلى الفريق القادم بطائرة لا تحمل أي رموز، إشارات، أعلام أو دلالات تبين أن الطائرة تركية وهذا الفريق تم إرساله من قبل الاستخبارات التركية والأمريكية وكان مؤلف من سبعة أشخاص وفعلاً تم خطف القائد وتسليمه إلى تركيا في 15/ 2/ 1999 ليبقى مقيداً إلى صخور إيمرالي كما عصر الملوك العارية حسب وصفه.
أعتقد الجميع أنه باعتقال القائد عبد الله أوجلان سننتهي أو تنتهي قصتنا، لكن الملايين منذ ذاك الوقت وإلى يومنا هذا ينادون بأن لا أحد يستطيع حجب شمسنا، ما يقارب الثمانين شخصاً أقدموا على حرق أنفسهم عندما أعتُقل القائد.
خمسٌ وعشرون عاماً ومئات قصص الخيانة والآلاف من الشهداء ولم تنتهِ قصتنا ولن تنتهي روايتنا، فكل الساحات اليوم تردد شعار: “المرأة، الحياة، الحرية”، فالقائد أكد أنه لم يخن خيال طفولته، أكد بفكره أن حرية المرأة أساس المجتمع السياسي الأخلاقي الحر.
كما أثبت القائد عبد الله أوجلان  أن جدران إيمرالي لن تكون  حاجزاً بينه وبين شعبه كما الروح والجسد، ونحن أيضاً لن نخون القائد حتى لو خانتنا كل السياسات والأمم، ولن نستسلم حتى نحقق حرية القائد الجسدية، وبلهيب شعلة رفاق درب القائد مظلوم دوغان، وفي شخص الشهيدة ساكينة، زيلان وبريتان وكل شهداء الحرية، سنحقق مشروع القائد الذي يتبنى فكر الأمة الديمقراطية كمشروع الحل الوحيد لجميع مشكلات الشرق الأوسط ، ولن نتوقف وسنجعل من صخور إيمرالي أيقونة السلام الأبدية، ففكر القائد عبد الله أجلان مستمر فيه مادامت الروح تدب في الأجساد.