سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

القائد عبد الله أوجلان… القيادة الروحية والزعامة السياسية

د. علي أبو الخير_

في حركة التاريخ تبدو الشعوب في حاجة إلى قائد زعيم، يلبى طموحات شعبه للتغيير المصاحب لنوع من أنواع الثورة من أجل الحرية أو الحياة الكريمة، أو تذويب الفوارق بين الطبقات، فالفرد هو محرك التاريخ؛ لأنه يحرك الجماهير للصواب والحقيقة، وقد لا يصدق التعميم في هذا الاتجاه، فهناك قادة حروب ودماء، وأيضا قادة سلم وسلام.
ولابد أن يمتلك القائد الكاريزما الفطرية والقيادة المعنوية قبل أن يتحلى بالقيادة السياسية، وهو ما نجده فعليا عند المفكر عبد الله أوجلان، فهو زعيم سياسي وقيادته روحية، ويمتلك صفات القيادة وسمات السياسة.
ومنذ ظهوره في الحياة العامة، وهو يشكل حركة التاريخ للشعب الكردي، حيث ثار على الظلم والفساد، وتصدى للاستعمار التركي والإمبريالي، وكان ومازال نقطة مضيئة في تاريخ الكرد، ليس في تركيا وحدها، بل في الدول، التي يعيش فيها الكرد، وقد ملأ فراغ القيادة في وعيه قضية شعبه، فلم يمنعه السجن من قيادة الكرد، فكلمته مسموعة، فمثلا عندما طلب من السجناء الكرد التوقف عن الإضراب عن الطعام، أطاعوه برغبة روحية، وعقلية سياسية، وفي هذه الأسطر سنكتب قليلا عن القيادة والزعامة عند القائد أوجلان.
القيادة الروحية 
امتلك القائد عبد الله أوجلان روحا متدفقة من الحيوية والمثالية والفكرية، وهو ما جعله قائد سلام، وحتى وهو يحارب، لأنه يحارب من أجل السلام، لا بدوافع الانتقام.
فعندما اعتقدت الحكومة التركية، أنها باعتقال القائد أوجلان، أنهت أزمة عظيمة، لكنها لم تدرك أن هناك شعبا يعيش في شمال كردستان، يختلف ثقافيا وقوميا عن الشعب التركي، له هويته ولغته وتقاليده وقيمة، وهو حريص على الحفاظ عليها بشتى الوسائل والطرق، يسلك الطريق العسكري إذا ما تطلب منه ذلك.
لم تدرك القيادة التركية، أن للشعب الكردي ثقلاً كبيراً، وهو قادر على خلق ثورة كبيرة إذا ما أصرت الحكومة التركية الفاشية على مبادئها القائمة على أساس إلغاء الآخرين، متناسية أنه من الممكن أن تلد الأمة، التي أنجبت القائد أوجلان، أن تنجب ألف أوجلان، فهي أمة وشعب لا يقبلان الظلم، وهي شعوب ولودة للقادة والعظماء.
لقد تمكن القائد أوجلان بشخصيته القوية الخروج من الدائرة المحلية إلى الأفق الواسع، فكان مثل “هوشي منه” في فيتنام و”تشي جيفارا الأممي”، و”نيسلون مانديلا” في جنوب إفريقيا، وغيرهم من الثوار.
إن القائد أوجلان، قال عن نفسه في مذكراته المنشورة في العديد من المواقع العالمية: “كنت أخجل من نفسي، عندما أقول، إنني كردي، وكنت أقول: هذه الكردية ستجلب لي بلاءً كبيرا…. ومن جهة أخرى كنت أقول: إنني إذا ما تنكرت لها فهذا معيب جدا، إذن ما معنى أن أكون كردياً، ولا أصنع شيئاً لكرديتي”.
 وعلى ما يبدو إن للظروف القاهرة، التي مر بها الكرد في شمال كردستان، وسواها تأثيراً مباشراً بدفع  القائد عبد الله أوجلان لمثل ذلك القول، وهو قول مقبول من رجل قيادي يقول، إنه لا يصح أن يكون كرديا، إذا لم يقد شعبه للنضال، فقد رأى أن الإنسان الكردي تعرض لمحاولة منظمة لطمس هويته الوطنية، وابتلاع ثقافته، والعبور عليهم على أساس أنهم جزء من الأمة التركية، وبذاك ابتعدوا كثيرا عن إرثهم وتاريخهم، بيد أن فقدانهم التطور السياسي ككيان مستقل، لن يحول دون تطورهم الثقافي، فرغم عدم امتلاكهم دولة، إلا أن تأثيرهم واضح المعالم بالدول، التي هم فيها.
ومن منظور قيادته الروحية الفلسفية، يعتقد القائد عبد الله أوجلان، أن الكرد يمتلكون تاريخا مذهلا، لأنه يرى أن التاريخ الأمثل هو التاريخ الثقافي، وليس التاريخ العرقي، حيث يقول في (مانيفستو الحضارة): “إن التاريخ العرقي هو ظاهرة بمفردها، وأشمل أنواع التاريخ هو التاريخ الثقافي” ولقد حدثت له، كما يحدث للزعماء، تحولات من اليمين الديني لليسار الفكري، ولكنه لم يتخل عن الدين، ونظر للماركسية على أنها رؤية اقتصادية، ولكنه وجد أنها لا تلبي رغبات الشعوب، فنقد الماركسية بصورة علمية وعملية في الوقت نفسه، وانتقد الليبرالية، وتوصل إلى نتيجة أن الأمة الديمقراطية هي الأنسب، والأهم للشعوب ليس في منطقة الشرق الأوسط  فقط، ولكن لدول العالم أجمع، وهي النظرية الحديثة التي كتبنا عنها كما كتب عنها مفكرون عالميون وهي رؤية صواب، قد نختلف في بعض تفاصيلها، ولكن نحترم ونقدر كاتبها، والعجيب أن هذه الأفكار كتبت داخل المعتقل؛ ما يثبت روحانية أوجلان وأريحيته وقدرته على ديمومة التواصل مع شعبه، ومع باقي الشعوب.
الزعامة السياسية
خلال مسيرته السياسية الفكرية تمكن القائد عبد الله أوجلان من تشكيل حزب العمال الكردستاني، واعتقد أن فكرة انتشار هذا الحزب تولدت لدى القائد أوجلان في فترة سجنه الأولى.
لقد انصب جهد القائد عبد الله أوجلان خلال الفترة بين عام 1979 ولغاية 1999 على جانبين، الجانب السياسي والجانب العسكري، ففي الجانب السياسي، كان يهدف لبناء أيدلوجية منفصلة، ورؤى مستقبلية لقضيته ولشعبه وتعزيز تنظيم حزبه، أما الجانب الآخر فهو الجانب العسكري، حيث ركز على تأمين الخطوط الخلفية لمقاتلي الحزب، وتأمين الاتصال بين الجناح العسكري والسياسي، مع المحافظة على عنكبوتية هذا الاتصال، إضافة إلى بحثه عن مراكز آمنه لتدريب مقاتلي حزبه، وهذا التخطيط ساهم في تنامي شعبية، وازدياد الوعي السياسي لدى الكرد في أرجاء كردستان وخاصة في شمال كردستان..
وبعد تنامي الهجمات المكثفة من الاحتلال التركي على حركة التحرر الكردستانية؛ بدأت الحركة ببدء الكفاح المسلح صراع ضمن إطار الدفاع المشروع، ولكن الأتراك وبعد النجاحات الميدانية، التي حققها حزب العمال، أخذوا يعتمدون الأساليب القسرية ضد مؤيديه والمتعاطفين معه، ويلجؤون إلى سياسات “فرق تسد”، فتارة يثيرون الرأي العام ضد قادة الحزب على أنهم كفار ملحدون، الأمر الذي أوقع صداما عنيفا بين حزب الله التركي، واليمين الإسلامي، وبين حزب العمال الكردستاني، ومع بداية عام 1991 أخذت التنظيمات الإسلامية تشن حملات اغتيالات لقادة حزب العمال، لتأخذ بعداً آخر، حينما شملت المتعاطفين مع الحزب، ومهما يكن من أمر، فإن نجاحات الجناح العسكري لم تكلل بنجاحات في الجانب السياسي، واستمر قادة تركيا يرفضون إجراء أي مفاوضات مع الحزب، رغم الضربات القوية، التي يتلقاها الجيش التركي المحتل.
ولكن في الأحوال كلها، يمكننا القول: إن القائد الروحي والزعيم السياسي عبد الله أوجلان، كان له الدور الكبير لبقاء القضية الكردية حية، وهو دور لو يعلمون عظيم وكبير…