سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

القائد عبد الله أوجلان .. الشريف في خصومته والأمين في سرديته

هاني الجمل (كاتب ومختص بشؤون الشرق الأوسط)_

على الرغم من قربي بالقضية الكردية من خلال الأصدقاء الكرد الذين تشرفت بهم في القاهرة وهو ما أدى إلى اندماجي بهذه القضية الإنسانية التي كنت شاهداً على بعض أحداثها من خلال وسائل الإعلام المصري التي نقلت بشكل كبير ظروف القبض علي القائد عبد الله أوجلان ومراحل عدة من مشاهد محاكمته ومع كثرة
الدراسات والتحليلات السياسية والأيديولوجية التي خرجت علي يد محبي التعايش السلمي وإقرار السلام العادل بين الاثنيات العرقية التي حمل لواءها القائد عبد الله أوجلان ووضع لبنة كبيرة في هذا الإطار الذي تجسد في النموذج الحاكم في شمال وشرق سوريا في الوقت الحالي. إلا أنني كنت أرى أن القائد الروحي للكرد كان شريفًا في خصومته مع الأتراك ولم يغبن حق من حاول أن يقبل بالحوار “الكردي ـ التركي”  من أجل تأسيس قاعدة مشتركة ينطلق من خلالها لقبول الكرد كشعب له الحق في تقرير مصيره؛ وهنا أردت أن أرصد نجاعته وهو تحت وطأة السجن المشدد في إمرالي أن يكون شريفاً في خصومته مع الأتراك وتوضيح صورة التباين في المواقف السياسية تجاه الكرد علي الرغم من كونه شاهد عيان علي الأحداث وكان من السهل علي القائد عبد الله أوجلان أن يبرز الصورة السلبية والتعنتية فقط والتي قد تتوافق الشعور بالإحباط الذي انتاب الكرد بعد القبض عليه إلا أنه أثر عكس ذلك بصدق روايته للأحداث حتي مع وصف من كانوا يدعون حمايته وتخلوا عنه من أجل مصالحهم وهو ما ذكره في كتابه “المانيفستو” في باب “الخروج من سوريا” فقد ذكر ذلك: “إنّ خروجي من سوريا مرتبطٌ بالتمشيطِ الذي أجرَته شبكةُ غلاديو التابعةُ للناتو. لذا؛ لا يمكننا أنْ نَصوغَ شرحاً صحيحاً لهذا التمشيط ما لَم نأخذ الغلاديو والانشقاقَ الحاصلَ في الجيشِ التركيِّ على محملِ الجد فرئيسا هيئةِ الأركانِ العامة “إسماعيل حقي قره دايي” و”حسين كفرك أوغلو” لَم يَكُونا متحكمَين بزمامِ كلِّ شيءٍ بالدرجةِ المُعتَقَدةِ أثناء رئاستِهما فكِلاهما كانا أقربَ في فكرِهما إلى مقاربةِ أشرف البدليسيِّ من القضيةِ الكردية ولَم يَكُونا يَجِدان من الصائبِ أو الممكنِ توجيه الحربِ إلى اجتثاثِ الكردِ من الجذور كما كان موقفُ “محمد أيمور”، رئيس دائرة الكونتر كريلا في “منظمةِ الاستخباراتِ الوطنية” و”حنفي آفجي” من “دائرةِ الأمنِ” والذى يتماشى مع نفسِ النهج. وكانت هذه المجموعةُ قد شرعَت بانتهازِ حادثةِ “سوسورلك” لشنِّ حملةٍ ضد فريقِ الحربِ النافذ. في حين كان “دوغان غوريش” و”جفيك بير” يمثلان أساساً الفريقَ المضادّ أو جناح الغلاديو، كان التنافسُ بين هذَين الفريقَين قد طفا على السطحِ ثانيةً و انتهى التنافسُ بين الموالين والمعارضين بشأنِ الحوارِ معنا لصالحِ جناحِ غلاديو الناتو أي لصالحِ الفريقِ المُناصرِ للحربِ والإبادة وبدعمٍ من إسرائيل وأمريكا. كان يتعينُ الالتزامُ بالصدق وما كان لي أنْ أعملَ أساساً لإنقاذِ نفسي وبعد الإنذارِ الأخيرِ الذي أطلقَه “أتيللا أتيش” باسمِ غلاديو الناتو لَم يَكُنْ بإمكانِنا تصعيدُ الحربِ إلا في حالِ مساندةِ سوريا وروسيا لنا بثَبات لقد كان هذا مستحيلاً فعلاً بالنسبةِ إلى سوريا. إذ كان من الواردِ أنْ تُحتَلَّ بين ليلةٍ وضحاها من طرفِ الجيشَين التركيِّ شمالاً والإسرائيليِّ جنوباً أما موقفُ روسيا فكان ذليلاً أكثر، حيث أرغمَتني على الخروجِ من موسكو مقابل مشروعِ التيارِ الأزرقِ وقرضٍ من صندوقِ النقدِ الدوليِّ مقدارُه عشرةُ ملياراتٍ من الدولارات”.
بعد هذا السرد الأمين من القائد عبد الله اوجلان للأحداث السياسية في ذلك التوقيت يتضح لنا دخول أصحاب المصالح من الرأسمالية العالمية وخاصة أمريكا وأوروبا في خلخلة منطقة الأناضول والسيطرة عليها وذهب إلى أبعد من ذلك بأنه ألصق بإسرائيل وأمريكا السبب الحقيقي بدعم معسكر الصقور والحرب دون معسكر الحمائم في الجانب التركي كما أنه رفع الحرج عن سوريا وروسيا في ذلك التوقيت الحرج بسبب ظروف ضعفهما أمام التغول الرأسمالي.
شهادة ذات مغزى
 كانت شهادة بولانت أجاويد “رئيس وزراء تركيا” عندما تم اعتقال القائد أوجلان تعبر عن نفس النهج الذى يضع تركيا في معادلة صفرية ليس لها كثير الاهتمام بالقضاء على القائد أوجلان ولكن محاولة الضغط على تركيا بأوراق تجعلها تحت إمرة “الرأسمالية” فقد ذكر في قوله: “لَم أفهمْ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ سببَ تسليمِ أوجلان لنا”.
لقد حصلوا على معلومات من الخونة والعملاء أن بإمكانهم القضاء على القائد أوجلان واضطروا إلى تسليم القائد للدولة التركية وتطبيق القوانين فقد كانت  شدة رد فعل الشعب الكردي وموقفه حال سماعه نبأ اختطاف القائد أوجلان في الخامس عشر من شباط، قلبت حساباتهم رأساً على عقب ودليل ذلك تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية وعرابة المؤامرة الدولية مادلين أولبرايت حينما قالت: “كنا نتوقع ردة فعل ولكن ليس بهذا القدر..!”، وذلك لأن القائد أوجلان يمثل القضية والأمل والإرادة الحرة للشعب الكردي.
“لن تستطيعوا حجب شمسنا” 
 كان هذا هو شعار هتاف الصامتين من الكرد، فقد خرجت جموع الشعب في العديد من مدن العالم في تظاهرات حاشدة ضد المؤامرة الدولية التي استهدفت القائد عبد الله أوجلان وخلال هذه الاحتجاجات أضرم العشرات من المحتجين النار في أجسادهم تحت شعار “لن تستطيعوا حجب شمسنا” وجعلوا من أجسادهم حلقات من النار ودروعًا لحماية القائد عبد الله أوجلان والذى لم يشأ استخدام هذه الانتفاضة لنشر الفزع والرعب والفوضى في أقطار العالم المختلفة، فلم يعط أوامره بانتشار عمليات التفجير أو الصدام مع شعوب هذه البلاد ولكنه أثر إعادة النظر في نهج المقاومة خلف أسوار القضبان ليبدأ مرحلة جديد من الجهاد والمكاشفة الذاتية والإنتاج الفلسفي.
إمرالي مرحلة جديدة لنقد الذات 
كان من المتوقع أن تقوم تركيا بإعدام القائد عبد الله أوجلان. لكن؛ انتفاضة وشهداء “لن تستطيعوا حجب شمسنا” وكذلك بذل القائد جهوداً جبارة في محاولة إقناع بعض الأوساط في تركيا بأن المؤامرة هي ضد تركيا والمجتمع التركي بقدر ما هي ضد الشعب الكردي، وقد استطاع القائد آبو من تحويل هذه العزلة فى إمرالي إلى نجاح الولادة الثالثة للقيادة وطور مستوى الإرادة والفكر الذي يتجاوز المؤامرة الدولية وحدد النهج الايديولوجي السياسي ونقل ذلك إلى حزب العمال الكردستاني والشعب الكردي والإنسانية. لقد أصبح قائد جميع المضطهدين والمظلومين ونجح في كتابة أفكاره وفلسفته ونقلها إلى الرأي العام العالمي والذي مازال يتأثر بها معظم حركات التحرر ضد الكتل الاستعمارية ذات الإيديولوجية القمعية والممارسات الأحادية.