ريبين شيخو-
رغم حجم الأضرار التي تكبدتها الإنسانية جرّاء اعتماد العنف كأداة للتخاطب والتحاور ما زالت البشرية تدفع ضرائب باهظة من أمنها واستقرارها جرّاء اعتماد العنف كوسيلة في الحياة، لأن رواسب المنهج الهمجي العدواني ما زالت عالقة في أذهان وسلوكيات البعض منّا في التعاطي مع الحياة، فهي مشكلة قديمة جديدة لا تلبث أن تستقر في ساحتنا الإنسانية كل حين لتصادر أمننا الإنساني وتقدمنا البشري، وهنا نسلّط الضوء على ظاهرة العنف ضد المرأة كأسباب ونتائج في مجتمعنا.
يعرف العنف ضد المرأة بأنه أي عمل يُرجح بأنه يتسبب في أذى جسدي أو جنسي أو نفسي أو معاناة شديدة للمرأة، فقد يحدث العنف في المنزل أو مكان العمل أو ضمن المجتمع. ويُعدّ التهديد بأي شكل من الأشكال والحرمان والحد من حرية المرأة في حياتها الخاصة أو العامة من ممارسات العنف ضد المرأة.
ويشكل العنف ضد النساء والفتيات وباء عالمي، بحيث يطال امرأة واحدة من بين كل ثلاث نساء خلال حياتهن، فإن هذا السرطان الصامت غالباً ما يمضي دون أن يلاحظه أحد، ولكن يترك بصمته على الضحايا لسنوات إن لم يكن مدى الحياة.
لا ينحصر العنف ضد المرأة في شكل واحد، بل يتّخذ عدّة أشكال، منها العنف الجسدي الذي يعد من أكثر أنواع العنف وضوحاً، ويشمل ممارسة القوة الجسدية ضدّ المرأة. ويتّخذ عدّة أشكال، فقد يكون على شكل ضرب، أو صفع، أو غيرها.
إنّ المرأة التي تتعرّض للعنف الجسدي تعاني من آثار نفسية كبيرة، وقد يُمارس هذا الشكل من العنف، أي العنف النفسي، من خلال عدّة طرق، منها إضعاف ثقة المرأة بنفسها، والتقليل من قدراتها وإمكانياتها، وتهديدها، وقد يظهر أثره على المرأة عن طريق شعورها بالخوف، أو الاكتئاب، أو فقدان السيطرة على الأمور من حولها، أو القلق، أو انخفاض مستوى تقديرها لذاتها. أما أكثر أشكال العنف تأثيراً على الصحة النفسية للمرأة هو العنف اللفظي، وهو النوع الأكثر انتشاراً في مجتمعاتنا، وقد يكون من خلال شتم بألفاظ بذيئة، أو إحراجها أمام الآخرين، أو السخرية منها، أو الصراخ عليها.
وهنا يمكن تلخيص بعض الأسباب التي تؤدي إلى العنف ضد المرأة؛ كانخفاض مستوى التعليم، فالنساء العاملات في الأعمال التجارية الصغيرة والزراعة أكثر عرضة للإساءة من النساء اللائي كن ربات بيوت أو اللواتي لديهن وضع مهني مساوٍ لوضع الزوج.
وأيضاً العوامل الأسرية كالتعرض لتأديب بدني قاسٍ أثناء الطفولة ومشاهدة الأب يضرب الأم ويجبرها على فعل ما لا تريده، وكذلك تقاليد بعض المجتمعات مثل تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية إذ يخضع مليونان من النساء في السنة للختان في مختلف أنحاء العالم، ويمكن أن يؤدي ذلك التشويه إلى الوفاة، أو العقم، أو الصدمات النفسية طويلة الأمد، بالإضافة إلى زيادة المعاناة الجسدية، وأيضاً تقاليد الزواج والارتباط والقتل باسم شرف العائلة في العديد من دول العالم، إذ تُقتل النساء من أجل الحفاظ على ما يسمى بـ “شرف العائلة” لأسباب مختلفة، مثل العلاقة قبل الزواج، والاغتصاب والاعتداء الجنسي، مما يبرر قيام أحد أفراد الأسرة الذكور بقتل المرأة (الضحية).
وأيضاً الزواج المبكر، ويكون ذلك بتزويج الفتاة القاصر دون موافقتها، ويعد ذلك شكلاً من أشكال العنف لأنه يقوض صحة واستقلال ملايين الفتيات، ففي العديد من البلدان يكون الحد الأدنى للسن القانوني للزواج بموافقة الوالدين أقل بكثير منه بدونه، حيث تسمح أكثر من 50 دولة بالزواج المبكر في سن 16 وما دون بموافقة الوالدين.
تتمخض من تلك الأسباب نتائج سلبية على المرأة، فهي أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق أو التفكير بالانتحار أو الإدمان على الأدوية أو تعاطي المخدرات، واستخدام المسكنات والمهدئات، والتغيب عن العمل، كما يتسبب العنف ضد المرأة في ترك العديد من الزوجات أزواجهن في كثير من الأحيان والانفصال عنهم، ومن المرجّح أن يواجه الأطفال الذين نشؤوا في أسر ينتشر فيها العنف الممارس من قبل الشريك المعاشر؛ طائفة من الاضطرابات السلوكية والعاطفية يمكن أن تؤدي بهم إلى اقتراف ذاك العنف أو الوقوع ضحية له في مرحلة لاحقة من حياتهم.
حيث كُشف أيضاً عن وجود علاقة بين العنف الممارس من قبل الشريك المعاشر وارتفاع معدلات وفَيَات الرضّع والأطفال ومعدلات إصابتهم بالأمراض (مثل أمراض الإسهال وحالات سوء التغذية).
تبذل الوكالات والمنظّمات العالمية جهوداً كبيرة للتوصّل إلى أرقام دقيقة حول ظاهرة العنف ضدّ المرأة، وفيما يأتي أبرز الإحصائيات التي توصّلت إليها كلٌّ من منظّمة الصحة العالمية، ومجلس البحوث الطبية في جنوب أفريقيا، على الشكل التالي:
-
تعرّضت أكثر من 35% من نساء العالم للعنف الجسدي أو الجنسي على يد الشريك أو غيره من الأشخاص.
-
تعرّضت نحو 30% من نساء العالم للعنف الجسدي على يد شريكهن في العلاقة.
-
تعرّضت 7% من نساء العالم للاعتداء الجنسي من قِبَل شخص لا تربطهن به علاقة.
-
تصل احتمالية ولادة النساء اللواتي تعرّضن للعنف الجسدي أو الجنسي لأطفال ذوي وزن ناقص إلى 16%، كما تصل احتمالية إصابتهنّ بالاكتئاب إلى الضعف.