سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الطريق ليس سهلاً… هكذا انتزعت عراقيات نصيبهن في عالم النشر

“تخيلوا، صدفة ذهابي لشارع المتنبي، من أجل شراء مجموعة كتب هو الذي غيّر حياتي للأبد، دخلت المكتبة وشممتُ عطر الصفحات، اخترت منها مجموعة وحينما عدت إلى المنزل، اكتشفت أني نسيتها في المكتبة”.
بهذا الإحساس اللطيف تروي براء البياتي صاحبة دار براء للنشر والتوزيع، مصادفة القدر الذي جعل منها إنسانة ثانية كما تقول: “فور رجوعي لاستعادة ما نسيت، تولد لدي ودون مقدمات شغف العيش بين الكتب، طلبت من أصحاب المكتبة، أن أعمل معهم بشكل تطوعي ودون أجر، فوافقوا وبذلك أصبحت أول امرأة تعمل في شارع المتنبي”.
ناشرات باحثات عن الأمل
ما بين رفوف المكتبات ودور النشر والترجمة، بدأت أحلام مجموعة من النساء لدخول عالم النشر الأدبي في العراق، ولم يكن الموضوع سهلاً بالطبع لاقتحام بيئة أدبية بقيت تحت سلطة الرجال فقط لسنين طويلة، لكن الطموح والجهد فتحا لهن بابا لتأسيس جيل نسوي يترأس دورًا للنشر وتوزيع الكتب بمختلف صنوفها.
كانت مهمة براء التطوعية كما توضح هي شرح مضمون وأهمية الكتب للناس مع بيعها، وأيضاً عرضها وتصويرها وكتابة التقييمات عنها، بقيت في المكتبة لأكثر من سنتين بشكل طوعي لأنها أساسا وبعد تخرجها لم تفكر بالعمل ضمن تخصصها وهو هندسة المواد، وكان حلمها دراسة الصحافة، وتزامنت أمنيتها مع الأوضاع الصعبة والحرب الطائفية عامي 2006-2007، فرفضت عائلتها فكرة الإعلام خوفا عليها، وكان المستهدف الأول وقتها هو الصحفي.
“لم أمارس العمل بشهادتي بعد تخرجي لأسباب كثيرة، منها أن عشرات الخريجين لا يملكون فرص عمل، ولأني لم أحب تخصصي، اعتبرت نفسي محظوظة بالعمل في المكتبة، والذي يشبه حلمي بالصحافة فهو لا يبتعد عن دائرة الكتابة”.
افتتحت براء البياتي عام 2016 مكتبة ودار براء، وكان أول كتاب تقوم بطباعته “امرأة عربية تحب” للكاتبة داليا القيسي، علما أنها تطبع وتوزع مختلف صنوف الأدب، باستثناء كتب السياسة والدين، لأنها تعدّها “تابوهات قد تشكل خطرا لها ولعائلتها”.
وتزيد: “بعض الأدباء لا يفضلون طبع ونشر كتبهم أو التعاون مع امرأة ناشرة، وهذا نوع من النظرة الشمولية تجاه الأنثى واعتبارها غير قادرة على تولي بعض المهام الحصرية لهم -للرجال-، وهذا شيء غير صحيح، إننا نواجه صعوبات مضاعفة ونقدم نتائج متزنة”.

جائزة عالمية
ونالت براء جائزة “ماكس هيرمان” كأول امرأة في تاريخ العراق تفتح دار نشر، وكانت أول امرأة عربية تنال الجائزة، وبراء التي لم تكن تتخيل فوزها يوما، شعرت بالصدمة من عدم احتفاء الحكومة العراقية أو وسائل الإعلام بها.
تقول في حديثها: “أنا أعرف أن الطريق شاق وصعب على المرأة وسيتم التعامل معها على أنها فريسة، وأن وجودها في مكان رجالي يمنحهم الحق بافتراسها، لكن دار براء اليوم تترجم العديد من الكتب التي تكون حقوقها حصرية للدار وطبعنا أكثر من 45 كتابا أدبيا وفلسفيا في أقل من ست سنوات”.
الحاجة لمقهى ثقافي
“العناد بطل الفكرة، عند إصداري لكتابي الأول لاقى رواجا عاليا وطلبا، وحينما حان وقت طباعة كتابي الثاني، واجهت صعوبات جمة مع دار النشر وهو ما حفّزني لإتمام الفكرة بمجهود فردي”، بهذا الإصرار والثبات تقص منى الجابري أصل الفكرة التي أنشأت بسببها “دار أفتوريا للنشر”، إذ لم تتمكن من إصدار كتابها الثاني “لن ننثني/ حكايات من ثورة تشرين” واضطرت لسحبه والتفكير بطريقة لطبعه دون مشاكل مع دور النشر التي تتعامل مع الكاتب الفتي وصغير السن بنوع من الجفاء وعدم التقدير، كما تقول للجزيرة نت.
تضيف: “فكرتُ أن افتتح دار نشر ومكتبة خاصة بي، لدعم وتشجيع الأدباء وخصوصًا الشباب، وعدم التعامل معهم على أنهم مصدر تجارة وربح فقط، استطعت أن آخذ قرضا من البنك، كوني أعمل مُدرسة للغة الإنجليزية في إحدى المدارس الإعدادية، وأسست دار أفتوريا”.
وأطلقت منى هذا الاسم لدارها، حينما كانت تقرأ رواية “نبوءة أفتوريا” للكاتبة المصرية سارة جوهر، فتواصلت معها وطلبت استخدام الاسم.
كيف واجهت منى العقبات؟
تستذكر منى العقبات التي اعترضت طريقها لإتمام فكرة الدار، بسبب الصعوبات وعدم التقبل والحروب كما تبين في حديثها أنها حاولت جاهدة الحصول على عضوية اتحاد الأدباء والكُتاب العراقيين، وكان طلبها يُقابل بالتجاهل لأكثر من سنة، لكنها بالمقابل استطاعت الحصول على عضوية اتحاد الناشرين العراقيين، وتمكنت من إصدار أكثر من 50 كتابا خلال ثلاث سنوات من عمل الدار.
تقول منى: “حبي للكتاب هو ما ساعدني، ومع الوقت والتقدم تواصلت معي منظمة أفكار بلا حدود لدعم المكتبة، إذ أعمل حاليا على تطويرها وسيكون فيها ناد للقراءة وجلسات للنقاش والحوارات الأدبية الأسبوعية”.
وتطمح لأن تكون دارها أكبر، وفي مكان آخر أيضا، ورغم أنها تحب شارع المتنبي وتعمل به لعراقته وأهميته، لكنه -كما تقول-لا يخلو من مضايقات ومحاولات تشويه، تؤكد أنها تود إحداث تغيير في الأدب النسوي ومساعدة النساء الكاتبات ودعم كتبهن، لأنها ترى المجتمع يرفض الكثير مما تنتجه النساء من أدب، ولهذا تعمل على تأسيس مقهى نسائي ثقافي.