الضرائب… باب الفساد الأوسع في الحكومة السورية

مع انقضاء كل عام، تصبح خزائن الدولة السورية شبه فارغة، وتبحث الدولة التي بات الفساد ركنٍ اساسياً فيه عن طرق مختلفة لسد النقص، أما فرض ضرائب جديدة أو البحث في دفاتر الصناعيين والتجار لاستحصال الضرائب (ربما أكثر من اللازم) بحجة التهرب الضريبي الذي كانت سمة من سمات الفساد في سوريا ولا تزال.

إذ كشف وزير المالية السوري، كنان ياغي، نهاية الشهر الفائت عن تحصيل مئات المليارات من “الفاسدين”، وتوعد بمحاصرة ظاهرة التهرب الضريبي، واستمرار ملاحقة المتهمين بها.

ويُشير العديد من التجار والصناعيين في حلب ودمشق وباقي مناطق سيطرة الحكومة السورية، أن وزارة المالية لا تثق بالدفاتر الحسابية التي يقدمونها لها، ويبقى “الشك” هو سيد الموقف بين الطرفين واستمرار الصراع وهو ما يعمق هوة الفساد ولجوء البعض لطرق غير قانونية لتقليل نسبة الضرائب.

ضريبة خيالية

وينظر بعض الخبراء والاقتصاديون إلى طريقة جني الضرائب وتحديدها وفق القانون السوري، بالـ”الظالم” للتجار وهو ما يدفع لفتح باب الفساد وربما إغلاق منشآت صناعية بحد ذاته.

وسبق أن أفصح احد الصناعيين في حلب عن نيته إغلاق منشأته الصناعية بسبب الضرائب، وكانت الضريبة التي تم فرضها على محل لصناعة البلاستيك أثارت استياء صاحب المنشأة هشام دهمان، الذي نقل “معركته” مع المالية إلى شبكات التواصل الاجتماعي بعد تكليفه بمبلغ فاق الخمسة مليارات ليرة عن ثلاثة سنوات مضت.

وقرر “دهمان”، إغلاق المنشأة وظهرت الكثير من ردود الأفعال من تجارٍ وجهاتٍ رسمية: “كيف للحكومة أن لا تقدر جهود الصناعيين الذين ظلوا يعملون في البلاد رغم كل ظروف الحرب كما يقولون؟.”

جنة

ويصف أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، إبراهيم العدي، في محاضراته، سوريا بـ”جنة التهرب الضريبي”، ويقدر قيمته بمبلغ يفوق الألفي مليار ليرة. وهذا الرقم يعادل إلى حد ما إجمالي قيم الدعم الاجتماعي في موازنة العام الجاري.

ويشير إلى أن “ظروف الحرب سمحت بمعدلات تهرب أوسع مما كانت عليه قبلها، وأن المتهربين ضريبياً يستخدمون أساليب غير شرعية لدفع ضريبة أقل”.

كما يصف نظام التحصيل الضريبي بـ”المتخلف، والمنقرض عالمياً” بعدما أصبح عمره أكثر من 70 عاماً، وعن الخصام الدائم بين التاجر والدولة يقول “التاجر السوري في حالة خصام دائم مع وزارة المالية، ويعتمد تقديم بيانات مزورة.”

ويعتبر التهرب الضريبي من أكبر الجرائم في كل دول العالم، والمشكلة في سوريا، أن طريقة عمل الموظفين في المالية كما في الجمارك والتموين، فمعظمهم يجنون ثروات هائلة، بأموال ذهبت إلى جيوبهم عوضاً عن صناديق المالية.

واعتبر “العدي” أن مصطلح التهرب الضريبي هو مصطلح تجميلي لحالة الفساد الضريبي “لأن المتهرب ضريبياً يستخدم كل الأساليب غير الشرعية لدفع ضريبة أقل أي التهرب من استحقاق مالي عليه.”

ويتسم القطاع الخاص في سوريا بسمات مختلفة فرضتها عليه بيئة العمل التي تعتمد المحاصصة بين أصحاب المال الخاص والمسؤولين أصحاب القرار، بشكل جعل أصحاب رؤوس الأموال يستاؤون من أي مطالبة بالدفع، لأنهم دفعوا لشركاء مسؤولين لكي يحصلوا على الحماية والتهرب من الضرائب وغيرها.

ونقلت وكالة نورث برس عن بعض المواقع والتجار الطريق الجديدة التي يعتمدها موظفي الضرائب وذلك عبر مداهمة مجموعة من مراقبي الدخل المنشأة الاقتصادية، “يقتحمونها” كما يصف أصحاب الفعاليات الاقتصادية ما يحصل.

ويقوم بعض الأشخاص في المجموعة باستلام العمل مكان المحاسب ليتحقق بنفسه من حجم الأرباح ومن ثم يتم وضع الضريبة بناء على الأرباح التي تظهر معهم.

وفي محلات أخرى يحتاجون لأكثر من يوم في إحصاء الموجودات والمستوردات في المستودعات، وهذا ما حصل مع أصحاب بعض المحلات المشهورة، مثل حلويات نفيسة وداؤود في دمشق.

وكانت وزارة المالية قد قررت تشكيل لجنة جديدة، لدراسة النظام الضريبي ومراجعة التشريعات الضريبية النافذة، واقتراح التعديلات التشريعية اللازمة، وسيتم تحديد اجتماعات اللجنة بما لا يقل عن اجتماعين شهرياً.

وسبق أن تجاوزت المبالغ المكتشفة خلال 2019 والمطلوب استردادها لمصلحة الخزينة العامة للدولة من الجهات العامة في القطاعين الاقتصادي والإداري 13.15 مليار ليرة سورية، إضافة إلى 425.37 ألف يورو، و455.17 ألف دولار.

وقدر حينها أن 5.4 مليارات ليرة من المبالغ المكتشفة خلال 2019 سببها الفساد، نتيجة الاختلاس والتزوير والخلل، وتطلبت عقوبات إدارية ومسلكية بحق المخالفين، بحسب الوزارة.

وكالات