سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الشهيد قاسم أنكين.. شعلة النضال الكردستاني التي لن تخبو نارها

دجوار أحمد آغا

شعب خرج من تحت الرماد، بفضل قائد ومفكر وفيلسوف من أحد أبنائه، شعب تمت محاربته في كل شيء ومن الأطراف والجهات، بغية انحلاله وصهره في بوتقة الأمم المسيطرة والمحتلة لوطنه، شعب رفض الذلّ والاستسلام وقاوم بأبسط المقومات، محافظاً على ذاته من الاندثار والانتهاء.

خرج المارد من القمم وأصبح يدافع عن شرف وكرامة الإنسانية ويعمل من أجل إعادتها إلى جادة الصواب وإلى أصلها بعد أن ابتعدت كل البعد عن قيمها ومبادئها وأصولها البشرية، وكل ذلك تم بفضل قيادة هذا المفكر العظيم ورفاقه، الذين آمنوا بفكره وفلسفته وطريقه إلى الحياة الحرة الكريمة، والتي تحتاج إلى تضحيات كبيرة فكان حزب العمال الكردستاني، الذي أُسِّس على دماء شهيد حركة حرية كردستان الأول “حقي قرار”، وأصبح حزب الشهداء.

وسنتحدث في هذه القراءة عن أحد الشهداء العظماء في تاريخنا المعاصر الشهيد “قاسم أنكين”، عضو اللجنة المركزية لحزب العمال الكردستاني، الذي استشهد في 27 أيار من عام 2020 في منطقة برادوست في باشور كردستان إثر غارة جوية للعدو التركي المحتل.

النشأة والبدايات

 عائلة نازلي كول من العائلات الوطنية المشهود لها بالسير على خط حزب العمال الكردستاني منذ بدايات تأسيسه، لديها شهداء تعتز وتفتخر بهم، لقد ولد الشهيد قاسم أنكين (إسماعيل نازلي كول) في باكور كردستان لكنه نشأ وترعرع في الغربة، لأن عائلته اضطرت تحت ضغط السلطات الفاشية التركية أن تهاجر من موطنها وتستقر في بلاد الغربة في المنفى، تأثر أنكين بوجود شهداء لحركة حرية كردستان في صفوف عائلته؛ ما زاد ارتباطه مع القضية وتعرف على الحركة في المنفى وشارك في أعمال الشباب والفنون والدبلوماسية، وكان لايزال في ريعان شبابه عام 1985، وبعد مرور أربع سنوات من العمل انضم بشكل رسمي إلى صفوف حزب العمال الكردستاني، في عام 1989.

الالتحاق بساحة القيادة

 وبعد انضمام الشهيد “قاسم أنكين”، إلى صفوف حزب العمال الكردستاني بشكل رسمي، طلب من الرفاق في أوروبا التوجه الى ساحة الشرق الأوسط للقاء القائد “عبد الله أوجلان”، وبعدها دخل إلى لبنان مع مجموعة من الرفاق، حيث انضم إلى أكاديمية الشهيد “معصوم قورقماز”، في البقاع اللبناني، حيث تعرّف عن قرب على القائد “عبد الله أوجلان”، الذي كان يقوم بنفسه بالإشراف على تدريب الكوادر وإعطائهم الدروس الفكرية، فاستفاد الشهيد قاسم أنكين من تدريبه في الأكاديمية بأقصى أشكالها وكون لنفسه ثقافة مستندة إلى فكر وفلسفة القائد “عبد الله أوجلان”.

الكفاح الثوري العملي

 وبعد تلقيه الدورة التدريبة في أكاديمية الشهيد معصوم قورقماز على يد القائد عبد الله أوجلان، توجه المناضل “قاسم أنكين”، إلى “بوطان” قلب كردستان، حيث بدأ بممارسة ما تلقاه نظرياً على يد القائد، بشكل عملي على أرض الواقع، وكان فرحاً جداً بعودته إلى مسقط رأسه في باكور كردستان مناضلاً ثورياً، بعد أن غادرها طفلاً لا حول له ولا قوة، ناضل بقوة في مناطق “نورحق، إنكيزك، بينوغايان” مع رفاقه وأصبح قاعدة أساسية لتحويل تلك المناطق الى ساحة مقاومة حقيقية للكريلا لاحقاً.

وناضل الشهيد قاسم في مناطق باشور كردستان أيضاً خاصة (بهدينان، برادوست، وقنديل)، حيث قاد المقاومة في مواجهة مخططات المحتل الهادفة إلى احتلال تلك المناطق، وألحق بها خسائر جسيمة، مناضل ثوري بكل ما للكلمة من معنى، وطبق النظرية الثورية على أرض الواقع العملي في مختلف مناطق كردستان.

 العمل الإعلامي والتعريف بالكريلا

 وعمل الشهيد قاسم أنكين في مجال تنظيم الأنشطة الإعلامية، وكان له دور بارز في تطوير الإعلام من الناحية الفكرية، حيث كان يتولى القيادة في هذا المجال، وكان متميزاً، حيث يكتب لمعظم الصحف والمجلات التي تصدرها حركة حرية كردستان، بالإضافة لإعداد برامج خاصة بتاريخ كردستان وجغرافيتها، للقنوات التلفزيونية.

وقبل دخول الشهيد قاسم أنكين مجال الإعلام، كانت الأنشطة الإعلامية مستقلة، وليست متعلقة بالأيديولوجية، وكانت تُخاض بغير أيديولوجية، حيث كانت هناك تصرفات من هذا القبيل ترزح تحت تأثير الليبرالية، وهذه كانت مفاهيم خاطئة، حيث قام الشهيد قاسم أنكين بتصحيحها ووضع الإعلام في مكانه الصحيح، حيث عرّف العالم بالكريلا وحياتها ومقاومتها وحقيقة وجودها المضيء في سماء الشرق الأوسط المظلمة.

وبقي الشهيد قاسم أنكين فترة لا بأس بها في موقع المسؤولية عن مركز الإعلام والمعلومات في قوات الدفاع الشعبي HPG، وعمل خلال هذه الفترة على تعزيز وتطوير الأنشطة الإعلامية وربطها بالمعايير الفكرية الأيديولوجية من خلال الدعائية ـ التحريضية، وجعلها ملكاً للمجتمع بحيث لا ينفصل العمل الإعلامي عن المجتمع، ويتم خوض ذلك من خلال الارتباط الوثيق مع المجتمع، وقد انضم الشهيد قاسم أنكين، مثل رفاقه (دوزدار، نوجيان، شيلان، دنيز، غوربتللي أرسوز) إلى قافلة شهداء خط الإعلام الحر.

منبع الفكر والثقافة

 ولأنه أحد كوادر حركة حرية كردستان، الذين تلقوا التدريبات الفكرية على يد القائد “عبد الله أوجلان”، وتأثروا بها بشكل كبير، وقف الشهيد قاسم أنكين في وجه خط التصفية بعد مؤامرة التاسع من تشرين الأول 1998، والتي استثمر فيها أصحاب النهج التصفوي، وخاصة بعد عملية القرصنة، التي أدت الى خطف القائد “عبد الله أوجلان”، وتسليمه لدولة الاحتلال التركي، في حين كان رفاقه يستمدون القوة والعزيمة منه، كونه كان قد رسّخ في ذاته سمات المناضل والكادر المتمكن والمتعمق في فكر القائد، والسير على نهجه وفلسفته، فقد كان ثورياً حقيقياً بعيداً عن الشعارات.

وكانت لديه قوة طبيعية، حيث يستطيع أن يمنح الطاقة والحماس والمعنويات لرفاق دربه، وكان رفيقاً مثقفاً، ويدرّب نفسه بشكل جيد، وينظم وقته جيداً، ومنغمساً على الدوام في القراءة، وإجراء الأبحاث، حيث أصبح منبعاً للفكر والثقافة لرفاقه.

وقد توجه الى دراسة كل ما كُتب حول الكرد وكردستان والتاريخ الكردي والجغرافيا، وكان يطور نفسه كثيراً وخاصة في موضوع الذهنية والفلسفة والسياسة والثقافة والأيديولوجية، ولهذا السبب، كان له دور بارز في الأنشطة التدريبية.

الاستهداف والاستشهاد

 وفي السابع والعشرين من شهر أيار 2020، استشهد عضو اللجنة المركزية لحزب العمال الكردستاني PKK “قاسم أنكين”، إثر استهدافه في هجوم وحشي قامت به الطائرات الحربية لتحالف الفاشي القائم في أنقرة (حزب ما يُسمى العدالة والتنمية AKP وحزب الحركة القومية MHP في مناطق الدفاع المشروع منطقة برادوست)، لينضم إلى قافلة شهداء أيار (حقي قرار، دنيز كزميش، إبراهيم قايباق قايا، أشرف أوناي، محمود رنكين).

فيجب على أبناء شعبنا الكردستاني أن يفهم من خلال شخص الشهيد “قاسم أنكين”، حقيقة شهداء حركة حرية كردستان الأبطال وأن يُقاتلوا تحت قيادتهم، لكي يصلوا إلى حقيقة القيادة والحرية، على هذا الأساس يجب علينا جميعاً “الكرد، والعرب، والسريان، والآشور، الأرمن، والشركس، والتركمان”، أن نفهم كل ما يدور حولنا من مؤامرات ودسائس، بشكل أكثر دقة وواقعية، فشهداؤنا هم قادتنا، وأصحاب الفكر الثوري والتطبيق العملي لهذا الفكر، وهم قوتنا الأساسية في كل زمان ومكان.

ميراث الشهيد أنكين

 وعلى الرغم من مرور أعوام على استشهاد المناضل الكبير قاسم أنكين، إلا أن الميراث الذي تركه لنا، يُذكرنا دوماً به وبالنضال والكفاح الصلب والمنضبط، الذي مارسه طوال سنوات حياته، والتي تجلّت فيما تركه لنا من أفكار وأراء ورؤى نقدية لمجريات الأحداث، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الكردية ونضال وكفاح الكريلا، الذي أخذ الحيز الأكبر من نشاطاته الدعائية لتعريف العالم بهذه القوات التي استطاعت بقوة إرادتها وصلابتها أن تواجه أعتى أنواع الأسلحة المتطورة في العالم وتلحق بها خسائر كبيرة.

فهنيئاً لك أيها الرفيق الشهيد “قاسم أنكين”، المرتبة التي وصلت إليها في قلوب أبناء شعبك وكل أحرار العالم من خلال تجسيدك القيم الإنسانية والمبادئ النبيلة في كفاح ونضال محاربي الحرية أفراد قوات الدفاع الشعبي وصولاً الى نيلك مرتبة الشهادة، فلتنم قرير العين أيها الشهيد فها هم رفاقك يسطرون أروع ملاحم البطولة والفداء في مواجهة قوى الظلام.

هكذا تحدثوا عنه

 نكتفي بذكر ما قاله عضو اللجنة التنفيذية في حزب العمال الكردستاني “مراد قره يلان”، وعضوة اللجنة المركزية لحزب العمال الكردستاني خالدة أنكيزك عن المناضل الثوري الشهيد قاسم أنكين.

وقال مراد قره يلان: “في شخص الرفيق قاسم أنكين والرفاق الذين استشهدوا معه، استذكر الشهداء، وأنحني بكل احترام أمام ذكراهم. لقد كان الرفيق قاسم أنكين يعني لنا الكثير، لا يستطيع المرء أن يصفه ببعض الجمل. لقد كانوا حتى لحظاتهم الأخيرة مرتبطين بالوعد الذي قطعوه على أنفسهم. سنمشي على خطاهم. أستطيع قول هذا”.

ومن جانبه؛ قال خالدة إنكيزك: “لقد أحدث استشهاد الرفيق قاسم أنكين، فراغاً كبيراً في حياتنا، ولن نعتاد أبداً على كونه بعيداً عنا جسدياً، لكن هذا كشف الحقيقة أيضاً، كلما كبر حزبنا، حزب العمال الكردستاني، زادت القيم التي يخلقها ويقدم التضحيات أكثر، استشهاد الرفيق قاسم ثمن نضالنا، من الصعب علينا أن نملأ مكانه، لكن بصفتنا رفاق الرفيق قاسم أنكين، سنجعل ذكراه حية في كل لحظة من نضالنا، شخصيته ستنير مستقبلنا كمنارة، لذا نستذكر الرفيق قاسم أنكين مرة أخرى بكل احترام وتقدير وننحني إجلالاً وإكباراً أمام ذكراه، سيستمر هذا النضال حتى نحقق أهداف شهدائنا، مرةً أخرى، في شخص الرفيق قاسم، نستذكر شهداء الحرية بكل تقدير واحترام”.