سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الشهيد حقي قرار.. روح النضال الكردستاني الأبدية

دجوار أحمد آغا_

حياة كفاح ونضال الشهيد “حقّي قرار” هي الروح الحقيقية لتأسيس حزب العمال الكردستاني والذي أصبح شعلة النضال والكفاح من أجل التحرير ليس فقط للشعب الكردي بل لسائر شعوب الشرق الأوسط والعالم بقيادة القائد التاريخي والمفكر والفيلسوف الكبير عبد الله أوجلان الذي وصف الشهيد بأنه “روحي المخفية”.
في يوم شهداء حركة التحرر الكردستانية المصادف للثامن عشر من أيار، تُعد شهادة أحد مؤسسي حركة التحرر الكردستانية؛ حقي قرار نهجاً وميراثاً للمقاومة لقوات الدفاع الشعبي، وجميع الشعوب المستشرقة بفكر الحركة ومؤسسيها، الداعي للديمقراطية والعدالة والمساواة، والحرية للمرأة والمجتمع ككل.
في هذا التقرير سنسلط الضوء على حياة وكفاح الشهيد الأممي حقي قرار منذ نشأته وحتى تاريخ استشهاده.
البداية والنشأة
على شواطئ البحر الأسود وفي ناحية أوردو – أولباي، وفي العام 1950 ولد لعائلة لازية طفل جميل أطلقوا عليه اسم حقي، مثل بقية أطفال اللاز، عاش حقي طفولة قاسية وصعبة، فهم كما الكرد والأرمن والسريان والعرب ممنوعين من التعلم بلغتهم الأم، ويجب عليهم الدراسة باللغة التركية. (شعب اللاز عاش منذ القديم في مملكة لازونا سنة 250 م وهي تمتد من سواحل جورجيا إلى طرابزون وريزا على سواحل البحر الأسود، شعب عريق له تاريخ وثقافته وعاداته وتقاليده). وهكذا درس حقي قرار الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس ناحية أولباي باللغة التركية، التي كانت وما تزال اللغة الرسمية الوحيدة في البلاد، بعدها انتقل للدراسة في جامعة أنقرة حيث تعرف على الشباب اليساريين وتأثر بالحركة الثورية.
التعرّف على القائد عبد الله أوجلان
حينما خرج القائد عبد الله أوجلان من السجن ولم يكن يملك بيتاً وبحث عن منزل يأوي إليه، قال أحد الرفاق أن المنزل الذي ‏يُقيم فيه الرفيق حقي قرار وكمال بير يمكن أن يستوعبه، ويستطيع المكوث فيه، كان الرفاق الذين يسكنون في ذاك البيت هم ‏ثوار، وسيقبلون به، القائد عبد الله أوجلان في أواخر عام 1972 أوى إلى منزل حقي وكمال، يسلّم عليهم وقال: “إنني خارج من ‏السجن وأبحث عن منزل ولا يوجد مكان يأويني”، وأنه جاء إليهم بناءً على اقتراح أحد أصدقائه، يقول الشهيد الأممي كمال بير بهذا الصدد: “جاء القائد إلى ‏المنزل، باقتراح من رفيق وأن هذا المنزل للثوار، وبقي هنا. وبعد أسبوع أصبح صاحب البيت، وخلال ‏شهر تحركنا كلنا حسب أفكاره، من الناحية الأيديولوجية والفكرية والمواقف أثر علينا بشكلٍ كبير”.‏
النضال والكفاح 
شهد عامي 1973 و1974 نضالاً مكثفاً من أجل الحركة الثورية التحررية في تركيا وكردستان من جانب القائد عبد الله أوجلان ورفاقه، حيث قاموا بالعمل على النظرية الثورية التي سوف يقوم عليها النضال والكفاح الثوري فيما بعد بشكل عملي. فالمرحلة الأيديولوجية مهمة جداً، وكما قال الزعيم الأممي لينين “لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية”. اتخذ الشهيد حقي قرار الذي قال عنه القائد عبد الله أوجلان بأنه “روحي الخفية وهو بالنسبة لي توأم” مكانه في المجموعة التي عُرفت فيما بعد بـ “المجموعة الآبوجية” وخاض نضالاً وكفاحاً متميزاً وشارك بنشاط في النقاشات مع القائد حول العمل الثوري وكيفية تطويره.
الانخراط في العمل 
تنتهي مرحلة الاستعدادات النظرية وتبدأ مرحلة كيفية البدء بالخطوات العملية في العام 1975 يتحدث مصطفى قره سو عن هذا الأمر من خلال تعرفه على حقي قرار وكمال بير خلال اجتماع “ديكمن” حيث يُعتبر أول اجتماع رسمي وقد حضره القائد عبد الله أوجلان وحوالي 25 إلى 30 رفيق حسب ما يقوله قره سو، الذي يضيف بأن خلال هذا الاجتماع تم انتخاب حقي قرار عضواً في إدارة المجموعة كمساعد للقائد أوجلان. وفي بداية العام 1976 تم اتخاذ قرار العودة الى كردستان، حيث كان قد تم تنظيم عدد لا بأس من الشبيبة الثورية في أنقرة وكان لا بد للبدء بالتوجه إلى كردستان.
الانتقال إلى كردستان 
التزاماً بقرار المجموعة والقائد عبد الله أوجلان بالتوجه إلى كردستان، يقوم حقي قرار ومعه عبد الرحمن أيهان بالتوجه إلى بازيد حيث انخرطا في التنظيم والنضال لفترة وجيزة وبعدها انتقل قرار إلى إيله “باطمان” حيث بقي فيها لمدة شهر، ولكن لصعوبة التأقلم هناك حيث الجميع يتكلم الكردية بينما هو لازي يتكلم التركية ذهب إلى أضنة، عمل هناك لفترة أيضاً، ومنها انتقل إلى ديلوك ليتعلم من أجل ألا تصبح اللغة الكردية عائقاً أمامه.
النجمة الحمراء والاغتيال
علاء الدين كبلان عميل الاستخبارات التركية أسس مجموعة أطلق عليها اسم “خمسة أجزاء” وعُرفت بالنجمة الحمراء. تم تدريب أعضاء المجموعة على يد استخبارات دولة الاحتلال التركي لتقوم بضرب الحركة التحررية الكردية التي كان يمثلها “المجموعة الآبوجية”. كانوا يراقبون قائد المجموعة وجميع أعضاءها عن قُرب. ولدى ذهاب حقي قرار إلى أضنة والعمل مع القوى الثورية هناك، لم تكن مواجهته مع علاء الدين مصادفة، بل كانت بترتيب من الاستخبارات التركية. وبعد انتقال قرار إلى ديلوك، قام علاء الدين بدوره إلى اللحاق به حيث استفزه ودعاه إلى مقهى يوم 18 أيار 1977، وكان قبلها قد حرّض الناس في المقهى قبل اللقاء بساعة بالقول “بعد لحظات سيأتي الفاشيون إلى هنا”. بعد حضور حقي قرار إلى المقهى وحصول نقاش حاد وحصل توتر على أثره تم شن هجوم عليه باستخدام المسدسات، ولم يقم أحد من الموجودين في المقهى بالتدخّل، وبقي قرار ينزف الدماء لفترة طويلة، ومن ثم جاءت سيارة الإسعاف ونقلته إلى المستشفى لكنه استشهد.
تأسيس PKK رداً على استشهاد حقي قرار 
بعد استشهاد حقي قرار الذي قال عنه القائد عبد الله أوجلان بأنه “الشهيد الأول لنا”، طالب العديد من رفاقه الانتقام له، لكن القائد أوجلان الذي كان له بُعد نظر ورؤية صائبة وثاقبة للأمور، قرّر تأسيس حزب العمال الكردستاني، قال: “انتقامنا لرفيقنا سيكون بتأسيسنا لحركة منظمة وحزب سياسي يقود جماهير الشعب الكادحة نحو الحرية وتحقيق الانتصار على العدو وتحرير كردستان”. وبعد مرور عام تم الإعلان عن تأسيس حزب العمال الكردستاني في قرية (فيس) بالقرب من مدينة آمد في 27 تشرين الثاني عام 1978م. لقد كان قرار تأسيس الحزب والبدء في خوض العمليات، نتيجةً للارتباط الوثيق بـ حقي قرار.
التشيّع ومراسِم الدفن
بعد انتشار نبأ استشهاد حقي قرار، قرر كلاً من كمال بير وجميل بايك أن يخطفا نعش الشهيد من المشفى، لكن القائد عبد الله أوجلان بعد أن سمع بالأمر رفض ذلك رفضاً قاطعاً وتم تبليغ العائلة، حيث حضر شقيقه “تاكي قرار” إلى “ديلوك” واستلم النعش وأخذه إلى مسقط رأسه في أوردو.
رفاق حقي قرار لم يتركوه لوحده، يقول عن ذلك قره سو: “ذهبت أنا أيضاً في جنازة حقي. بعد الاستشهاد أخذنا الجثمان إلى أولوبيه. كان عباس وكمال هناك أيضاً. في ذلك الوقت، ذهب حوالي 20 شخصاً منا إلى أولوبيه.  رأينا شعب أولوبيه، رأينا عائلة حقي. كانت مكاناً صغيراً مثل قرية. إنهم عمال يزرعون البندق. كان حقي عاملاً مجتهداً حقاً، وبطبيعة الحال عندما كان يذهب إلى أولوبيه لم يكن يعمل لشخصه فقط، كان يقضي عمل جيرانه أيضاً، وكان محبوباً في أولوبيه. ذهبنا إلى أولوبيه أخذنا الجثمان لكننا فوجئنا هناك، حينما جاء الآلاف من الأشخاص، وجاء الثوار للتعزية، فوجئنا كل من سمع هناك جاء ليعزي. قمنا بدفن جثمان حقي مع مجموعة حاشدة، عند ذهابنا لم نبقَ طويلاً”.
سيبقى حيّاً في قلوبنا
نختتم بتقييم حزب العمال الكردستاني للشهيد الأممي حقي قرار على النحو التالي: “قام الشهيد حقي قرار بحمل سريره على ظهره وترك الجامعة في السنة الأخيرة اعتباراً من اللحظة التي أدرك ووعى حقيقة الثورة الكردستانية، لم يتردد للتوجه إلى وطننا الذي لم يكن يعرفه أبداً ولو للحظة… لا ينسى الذين يعرفونه عن قرب بأنه كان يلبس أعتق الألبسة ويعيش لشهور طوال على طعام الغداء فقط والذي كان يتألف من وجبة فطور بسيطة لا غير. لقد كان مصدر الإلهام لمن حوله في اجتياز كل العوائق والسلبيات. لا يميز من معه كيف يمر الزمن والوقت أبداً، فالجميع كانوا يتسابقون للعيش والنضال معه”.