الشركس.. تاريخ عميق وثقافة غنية في مجتمع متماسك

منبج/ آزاد كردي-

يعد الشركس من أوائل الشعوب، التي سكنت مقاطعة منبج بعد هجرتهم من القفقاس، وحملوا معهم الكثير من عاداتهم وتقاليدهم؛ لأنهم شعب قديم، له الكثير من الخصائص المميزة، لا سيما بما يتمتع به الرجل والمرأة من خصال حميدة.

في محاضرة قدّمتها، مؤخّراً، الباحثة زهيدة إسحاق بعنوان “الحفاظ على التراث الشركسي في منبج”، استكمالاً للبرنامج الثقافي، الذي ينظم ضمن سلسلة من المحاضرات التوعوية عن أهمية التراث الثقافي في مقاطعة منبج وضرورة الحفاظ عليه.

ألقت الباحثة إضاءة هامة إلى جوانب من التراث الثقافي الشركسي، وأهمية الحفاظ عليه. حيث تناولت تاريخ الشركس؛ لأنهم من الشعوب القديمة، والذي لم يتمكن المؤرخون من تحديد زمن استيطانهم في القفقاس؛ وتطرقت كذلك إلى خصائص المجتمع الشركسي، وكيفية التماسك بتقاليده وعاداته، واحترامه للحرية الفردية والاستقلالية للمرأة! 

الشركس التاريخ والخصائص 

استهلت زهيدة حديثها الحديث عن بدايات تواجد الشركس في المنطقة وبعض خصوصيتهم: “الشركس شعب قديم عاصر العصور منذ بداية العصور الحجرية، ولم يكلف المؤرخون أنفسهم عناء دراسة تاريخ وعادات ولغة الشركس ولم يتمكنوا من تحديد زمن استيطانهم في القفقاس إلى زمن يعود إلى ما قبل العصور الحجرية والنحاسية.

 هذه الشعوب بقدر ما هي قليلة اليوم عدداً ومشتتة في بقاع المعمورة، بقدر ما كانت شعوباً قويا وعظيمة التأثير، ولعبت أهم الأدوار في عصور فجر التاريخ، ثم تراجعت ديموغرافياً بالاندماج والاجتياح“.

 وتضيف في هذا الجانب لما له من أهمية: “المجتمع الشركسي يتميز بخصائص سكانية ولغوية واجتماعية وحضارية عميقة الجذور. هذا المجتمع يتمسك بشدة بتقاليده وعاداته، التي يعدُّها رمزًا للحياة المثالية، وأهم تراث ينقله الآباء إلى الأبناء. يحترم الشركس الحرية الفردية والاستقلالية والاعتزاز والاعتماد على الذات”.

أما عن بنية المجتمع الشركسي فتشير إليها: “المجتمع الشركسي مجتمع من طبقة واحدة حيث يتمتع جميع أفراده بالمساواة في القيمة الجماعية، والثراء أو المركز.

 بالإضافة إلى ذلك، يعطون الأولوية للمسن في المنزل الاجتماعي، حيث يزداد قيمته الاجتماعية ويصبح قوله الحاسم في القضايا والمسائل الاجتماعية كلها“.

الرجل والمرأة في المجتمع الشركسي.. القيم والعادات 

تشير زهيدة إلى تقاسم أعباء الحياة بين الرجل والمرأة واحترام ما يقوم به كل من الطرفين: “الرجل الشركسي لم يكن يقضي الكثير من الوقت مع أطفاله بسبب الظروف الصعبة والحروب التي تواجهه. لا يحمل الأطفال ولا يجلسهم في مجالس الكبار ولا يقبلهم. وقديما؛ بدلاً من ذلك، كان يتم إرسال الأطفال إلى رجل يعيش في الجبال حيث يتعلمون العادات وكيفية استخدام الأسلحة وركوب الخيل والفروسية وأساليب القتال. بمجرد أن يكتسب الطفل هذه المعرفة، يعود إلى أسرته حيث يتم تنظيم احتفال ضخم له. كما أن الرجل الشركسي يمتاز بالكرم والشجاعة والقوه والصلابة والهيبة قولاً وفعلاً، لا يحب المزاح فهو جدي بكل معنى الكلمة، يحب الصدق لا يعرف الخيانة، عندما يكره، يكره بعمق، ويمتاز بالسحنة الجميلة والعظمة والاحترام“.

والمرأة في المجتمع الشركسي: “تتمتع بالكبرياء والعنفوان، وهذه الصفات تتجانس مع جمالهن وأنوثتهن، التي لا تعتمد على المساحيق أو البدع الأخرى، وتتميز المرأة الشركسية بالبساطة في جميع جوانب حياتها، وهي تحب التشارك مع غيرها في الحياة العامة، والاختلاط والتكيف مع الظروف كلها. كلامها مفيد، وبعيد عن التكلف والتملق”.

وفي تميز آخر وخصوصية لافتة تضيف زهيدة: “النسوة الشركسيات يعدن الحرية الشخصية قيمة مقدسة، ورأيهن محترم ولا يمكن التراجع عنه. لديهن الحرية في اختيار شريك الحياة، ولا يتم حرمانهن من الميراث، حيث يكون لهن حصة الذكر نفسه. إذا كانت المرأة متزوجة، فلا يحق للزوج التدخل في أموالها الموروثة، ومن العيب أن يطالبها بذلك. تمتلك المرأة الحق في العمل في المجالات كافة، إذا كانت مستعدة لذلك. كما أن تعليم الفتيات يعدُّ أمرًا مهمًا في المجتمع الشركسي“.

 الحفاظ على الهوية التراثية في زمن التغيير 

للشركس تاريخ عريق وموروث لا يمكن تجاهله، والكل معني به وبالحفاظ عليه: “تراث الشركس الذي يمتد منذ زمن هجرتنا، تعرض للتشتت في أنحاء العالم، ولولا حفاظ أجدادنا على الإرث والثقافة، لكان إرثنا قد ضاع واندثر منذ فترة طويلة. ومن الغريب أنه لا يوجد شيء مكتوب أو مدون عند الشركس، بل يتم نقله من الآباء إلى الأبناء من جيل إلى جيل، وقد تمكنوا من الحفاظ على غالبيته”.

واختتمت الباحثة زهيدة إسحاق حديثها: “من أولوياتنا الحفاظ على التراث، ومع ذلك، ما تم الحفاظ عليه لا يتجاوز 60%. والسبب في ذلك هو تطور الزمن والمكان والبيئة والعصرنة بشكل عام. وأجبرنا هذا التطور على التخلي عن بعض العادات، ولكننا ما زلنا نتمسك بتراثنا. والعادات والتقاليد للشعب الشركسي هي في الأساس قانون لتنظيم مجتمعاتنا، وهي تجمعنا رغم تشتتنا”.

وتجدر الإشارة: إلى أن الشركس في مقاطعة منبج يحظون في الوقت الحالي بمطلق الحرية للتعبير عن ثقافتهم وهويتهم، وبخاصة بعد تأسيس الجمعية الشركسية في ظل الإدارة الذاتية، وذلك من خلال الرقص والثقافة الشركسية بشكل عام.