سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الشرق الأوسط وتداعيات الحرب في غزة على إسرائيل ودول الجوار

دجوار أحمد آغا_

حرب السابع من تشرين الأول، التي بدأتها حركة حماس ضد إسرائيل، أصبحت انعطافاً حاسماً في الحرب الدائرة في الشرق الأوسط، فهي المرة الأولى منذ حرب 1973، التي تخسر فيها إسرائيل هذا الكم الهائل من القتلى والجرحى في صفوفها، بالإضافة إلى أنها المرة الأولى، التي يتم فيها خطف وأسر عدد كبير من الإسرائيليين، إلى جانب انجرار العديد من الدول العربية والإسلامية بشكل أو بآخر إلى أتون هذه الحرب، التي إن توسعت سوف تهدد الأمن والسلم العالمي، وليس فقط الشرق الأوسط.
فدخول إسرائيل إلى لبنان سوف يؤدي إلى دخول إيران الحرب إلى جانب حزب الله، وكذلك سوريا، وما يمكن أن يحدث هو مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية حليفة إسرائيل الأولى في العالم.
قضية فلسطين
 القضية الفلسطينية أصبحت منذ زمن بعيد قضية عالمية وعامل هام في اندلاع الحروب في الشرق الأوسط. لكن؛ القوى المهيمنة العالمية اليوم تقوم برسم وتصميم المنطقة حسب مخططاتها السياسية والاقتصادية. فنرى بأنهم يقومون بدعم إسرائيل بشكل لا محدود بالسلاح والذخائر، وكل ما يلزمها لاستمرار الحرب وارتكاب المزيد من المذابح والمجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو حتى في الضفة الغربية، التي لم تسلم من الاجتياحات والقتل والاعتقالات العشوائية. ومن جهة أخرى، يدعون بعض الدول المحسوبة عليها، الاعتراف بدولة فلسطين، ويدعون إلى عقد مؤتمر دولي في الأردن من أجل فلسطين، وحل قضيتها.
 التداعيات المحتملة
استمرار الحرب في غزة بين إسرائيل وحماس، أدى إلى احتدام الوضع وتعقيده في الشرق الأوسط على نحو دراماتيكي. الغليان الشعبي مستمر خاصة في البلدان العربية والإسلامية، المظاهرات الجماهيرية متواصلة في اليمن والأردن ومصر، والعراق وغيرها. كما ويستمر التوتر في منطقة البحر الأحمر وعموم الشرق الأوسط طالما هذه الحرب ما تزال قائمة، ولا بد من وقف إطلاق النار للمساهمة بخفض هذا التصعيد الإقليمي. وعلى الرغم من الإعلان أكثر من مرة عن وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات بوساطة مصرية قطرية. لكنها لم تنجح في الوصول إلى حل دائم لهذه القضية المركزية، والتي أصبحت من أعقد القضايا المستعصية على الحل. يخشى المراقبون من أن استمرار هذه الحرب، يمكن أن يجر دولاً أخرى إليها، خاصة في ظل التهديدات المستمرة من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بحق لبنان على وجه الخصوص.
إسرائيل وعملية حماس
فوجئت إسرائيل بقوة حركة حماس، وتوقيت العملية، والتي لم تكن تتوقعها، لكن رغم ذلك، استوعبت الصدمة الأولى واستطاعت خلال الأيام التالية وعلى وجه الخصوص من خلال قوتها الجوية التقدم وضرب البنية التحتية للقطاع بشكل كبير. نعم هي استطاعت أن تقوض قدرات حماس إلى حد كبير، لكنها لم تستطع أن تحقق اختراقاً استراتيجياً، ولم تستطع الوصول إلى الرهائن إلا عن طريق المفاوضات.
تداعيات هذه الحرب على إسرائيل كانت كارثية، فعلى الرغم من الدعم اللامحدود الذي حصلت عليه من أمريكا والغرب عموماً، بالإضافة إلى غض النظر من جانب المجتمع الدولي عن الجرائم والمذابح، التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني. لم يستطع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تنفيذ وعده الذي قطعها بخصوص تدمير حماس، وقد تعهد باستمرار الحرب وأن إسرائيل لن تتوقف إلا بتحقيق النصر الكامل.
لا يزال الآلاف من الإسرائيليين يعيشون الصدمة، ومهجّرون من منازلهم في الشمال ومن المستبعد عودتهم إلا في نهاية الحرب، وهم بذلك إلى جانب مطالبتهم بإعادة الرهائن. لكن؛ على الرغم من مرور ما يقارب تسعة أشهر، لم تستطع إسرائيل تحقيق ذلك؛ ما يضع نتنياهو وحكومته في مأزق، وقد وصلت شعبيته إلى أدنى مستوى، حتى طالب العديد من الإسرائيليين بإجراء انتخابات جديدة.
فلسطين والحرب الدائرة 
استمرار الحرب في قطاع غزة، يؤدي بدوره إلى تفاقم الوضع في الضفة الغربية، وتدهوره بسرعة كبيرة؛ ما يزيد المخاوف بعدم استقرار الأوضاع في الشرق الأوسط، ما لم تقف هذه الحرب. تداعيات هذه الحرب على الفلسطينيين هي قاسية جداً، فأعداد القتلى في تزايد وخاصة بين الأطفال والنساء، إلى جانب تدمير البنية التحتية بشكل كامل في القسم الأكبر من القطاع. إلى جانب إجبار الأونروا، والتي هي وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين على وقف خدماتها لتعليق عدد من المانحين دعمهم المالي ووقفه نهائياً.
بالإضافة إلى قيام المستوطنين بدفع القرويين لإخراجهم من بيوتهم، والاستيلاء على أراضيهم وقطعانهم، وفي أغلب الأحيان بالتواطؤ مع القوات الإسرائيلية. كما أن وضع اللاجئين في الضفة الغربية مثير للقلق، خاصة مع إبقاء إسرائيل الضفة الغربية تحت الحصار منذ السابع من تشرين الأول الماضي، الأمر الذي يؤثر على حياة ما لا يقل عن 3.2 مليون نسمة. بالإضافة إلى احتجاز إسرائيل مبلغ 257 مليون دولار على شكل عائدات ضريبية مخصصة للسلطة الفلسطينية، الأمر الذي يعمق الأزمة الاقتصادية للسلطة الفلسطينية القائمة في رام الله.
لبنان والأزمة الدائرة
لبنان من أكثر الدول العربية تضررا بالحرب الحالية القائمة في غزة؛ بسبب مشاركة حزب الله اللبناني بشكل مباشر في الحرب من خلال قصف مواقع إسرائيلية في الشمال، وردت إسرائيل باستهداف الجنوب اللبناني بالإضافة إلى استهداف قادة الحزب في العديد من المناطق اللبنانية، وحتى في مناطق سورية أيضاً.
لبنان بالأساس يعاني من تضخم اقتصادي وتدهور الليرة اللبنانية في ظل الفراغ السياسي والتخبط، الذي يعيشه الشعب هناك. إلى جانب سيطرة حزب الله على الضاحية الجنوبية في بيروت والعديد من المناطق اللبنانية، وخاصة في الجنوب، حيث يمكن أن يدفع الشعب اللبناني الثمن. بطبيعة الحال؛ فإن تداعيات هذه الحرب على لبنان ستكون أكثر خطورة في حال انجرار حزب الله إلى الحرب المفتوحة، أو نفذ نتنياهو تهديداته باجتياح لبنان. إسرائيل تريد أن يرجع مقاتلو حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني حسب القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وحزب الله يريد أن يثبت بأنه هو الممثل الرسمي، والحقيقي للبنان من بيروت وحتى حدود إسرائيل.
مصر والحرب الدائرة 
مصر متأثرة بشكل أو بآخر في هذه الحرب على غزة خاصة مع اقترابها من الحدود المصرية، ومحور معبر فيلاديلفيا. تأتي مخاوف مصر من نية إسرائيل المبنية على طرد وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة تمهيداً لتوطينهم في شبه جزيرة سيناء المصرية الأمر الذي ترفضه مصر جملة وتفصيلاً.
على الرغم من التطمينات الأمريكية لمصر بعدم السماح بحدوث ذلك، لكن مصر ما تزال متوجسة ومتخوفة من ذلك، خاصة مع وجود ما يقرب من مليون فلسطيني نزحوا من شمالي القطاع على إثر هذه الحرب، وتوجهوا إلى مدينة رفح بالقرب من الحدود المصرية. إلى ذلك أصبح هناك تعاطف كبير مع الشعب الفلسطيني من جانب الجماهير الشعبية المصرية؛ ما يشكل ضغطاً مزدوجاً على حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
كما تواجه القاهرة أزمة اقتصادية ناتجة عن هذه الحرب. فمن ناحية خفت واردات قناة السويس من خلال رسم العبور؛ بسبب هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، وبالتالي اختيار السفن الطريق الآمن، وإن كان بعيداً نسبياً. إلى جانب ذلك، تدني السياحة كثيراً.
الأردن ومفاجآت الحرب
بحكم موقعه الجغرافي والديموغرافي من فلسطين، يسعى الأردن جاهداً تجنب التورط في الأحداث الجارية من جهة، ومن جهة أخرى مجبر بحكم أن نصف شعبه من أصول فلسطينية. الخوف الأكبر للأردن يكمن في دفع الفلسطينيين من جانب إسرائيل عبر نهر الأردن ليتم توطينهم فيه.
عبّر قادة الأردن عن تضامنهم مع الفلسطينيين، الذين يشكلون جزءاً كبيراً من سكان البلاد، كما أدانوا بقوة الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. وقد أصدر الملك والملكة عدداً كبيراً من البيانات شديدة اللهجة، حيث أدان الملك عبد الله الثاني “حملة القصف القاسية” في قطاع غزة بوصفها “انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي” و”جريمة حرب”.
أكثر ما يخشاه الأردنيون هو قيام إسرائيل بتهجير سكان الضفة الغربية باتجاه الأردن الأمر، الذي يشكل كارثة وتغيير في التوازن السكاني بين الفلسطينيين اللاجئين من مهجري 1948 و1967 وبين الأردنيين من سكان شرق القدس أو شرق الأردن. لذا؛ فهو يطالب بوقف فوري، وغير مشروط لإطلاق النار، وانسحاب إسرائيل من القطاع، وأيضاً يدعو حماس بإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم.
العراق وتداعيات الحرب
 ليس للعراق مصلحة في الدخول بحرب مفتوحة مع الغرب وإسرائيل، فعلى الرغم من أن العراق يعدُّ من دول محور ما يسمى بالممانعة أو المقاومة، التي لم تقم بالتطبيع مع إسرائيل حتى الآن. لكنه ينأى بنفسه عما يجري هناك. فالعراق لم يتعافَ بعد من الحروب، التي زلزلت كيانه خاصة بعد تسريح الجيش العراقي وإعادة بنائه من جديد، ومن ثم قيام إيران بالتدخل المباشر في العراق من خلال إنشاء جماعات خاصة، مرتبطة بشكل قوي الحشد الشعبي. هذه القوى المحسوبة على إيران، قامت بقصف متكرر لمواقع القوات الأمريكية داخل الأراضي العراقية والسورية أيضاً. بعض هذه الهجمات كانت قاسية للأمريكيين، إذ قتلت إحدى هذه المجموعات ثلاثة جنود أمريكيين عبر طائرة مسيرة أطلقتها من قواعدها في شرق سوريا بتاريخ 22/1/2024 على مركز مراقبة أمريكي على الحدود السورية الأردنية، يُسمى البرج 22 لكن التوازنات القائمة، فرضت على قائد فيلق القدس “إسماعيل قآني أن يتواجد في بغداد بُعيد القصف، وأن تعلق معظم الجماعات المحسوبة على إيران هجماتها تحت غطاء “عدم إحراج الحكومة العراقية، التي تفاوض القوات الأميركية على الانسحاب من العراق”. بينما تعهدت بعض الكتائب العراقية بالاستمرار في هجماتها (حركة النجباء، كتائب سيد الشهداء).
سوريا والحرب الدائرة
 حكومة دمشق منهكة؛ بسبب الحرب الأهلية وعقوبات قيصر الغربية، العضوة الوحيدة فيما يُسمى “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، بقيت بعيداً عن الأضواء خلال هذه الخرب المستعرة، والتي بدأت مع هجوم حماس في السابع من تشرين الأول 2023 على القرى والبلدات الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة.
على الرغم من الضربات القوية والمؤلمة، التي توجهها على المواقع والقواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، والتي وصلت لدرجة قصف مبنى القنصلية الإيرانية، ومقتل عدد من كبار ضباط إيران فيها في قلب العاصمة السورية دمشق على أوتوستراد المزة، إلا أن حكومة دمشق تلتزم الصمت، وإن خرج عن هذا الصمت، بأنها تتحفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين.
عدا عن تصريحات إعلامية بدعم المقاومة، ولم تُقدم حكومة دمشق على أية خطوة للمشاركة في هذه الحرب، حتى تلك المظاهرات الشعبية المؤيدة لفلسطين، أصبحت بحاجة إلى موافقة أمنية مسبقة، بل على العكس من ذلك، هناك حوار مع الروس من أجل تقليص هيمنة الميلشيات المدعومة إيرانياً على الحدود السورية الإسرائيلية.
وبذلك للحرب في غزة تأثير كبير ليس فقط على فلسطين وإسرائيل، بل على دول الجوار أيضاً، كل منه أخد نصيبه من الخراب والدمار، والتهديد.