سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الشاعرة سامية إبراهيم: الصدقُ في نقل أيةِ رؤيا شرطٌ هام لإيصال القصيدة

وجوه ثقافية

حاورها/ محمود عبدو_

تشهد الساحة الشعرية في العموم خفوتا مثل الكثير من الفنون الإبداعية، مقابل التقانة وإفرازاتها، وأمام الكم الكثير فيما ينشر في الإنترنت، وأمام تسطيح العقول، وسيادة نمط استهلاكي غير قَيْمِي، وابتعاد الكثيرين عن الكتاب، واللغة، وليتحول خير جليس للشاشة الصغيرة، والتحول من الفكري والثقافي للسطحي، والمبتذل أحيانا، في خضم كلّ ذلك نجد بعض الأصوات، التي لا زالت تسير بخطاها كما أرادها أرسطو في كتابه “فن الشعر”، والتي سنسعى في سلسلتنا “وجوه ثقافية” من الحوار معهم وعنهم، وعن تجربتهم، ومناخاتهم، وقراءاتهم. وفي موضوعنا هذا؛ التقينا بالشاعرة سامية إبراهيم؛ فكان لنا الحوار التالي:
– دائما تشكّل البدايات المنهل الرئيسي لأيّ مبدع أو فنان، حدثينا عن دور البيئة والمناخ والمكان-عامودا- في تشكيل وجه “سامية إبراهيم” الشعري؟
الكثير من الصور والمشاهد، التي أوردُها في قصائدي هي مشاهد من زمن الطفولة، التي عشتُها في عامودا، أراها مجدداً وأعيدُ صياغتَها برؤيا شعرية كانت موجودة مذ ذاك الوقت، لكنها فيما بعد وجدت طريقها للظهور في الكتابة تلك العين، عينُ الطفلةِ التي ترى وتحس، ما زلتُ أرى فيها ما حولي، وهي المنهل الرئيسي لمعظم ما أكتب.
إضافةً إلى تلك العين لديَّ رؤيا فلسفية خاصة بي متأثرة بقراءاتي من مختلف أنواع الكتب، إضافة إلى تأثرها بدراستي وعملي معلمة، والذي يتمعن في قراءة نصوصي سيلحظ ذلك بكل تأكيد.
– انحيازٌ كليّ للذات في نصوصك، وتماهيها مع المحيط الطبيعي في لغة أقرب ما تكون للبوح والمونولوج الداخلي كيف تصفينه؟
أكتبُني كمرآة لكلّ ما حولي، بعد أن يمرَّ برؤاي ومشاعري، وفكري، ويخرجُ قصيدة، قد يراها الكثيرون وكأنها تصفُ حالتهم، وهنا تتأرجحُ القصيدة بين الذات والآخر، وربما الصدقُ في نقل أيةِ رؤيا شرطٌ مهم لوصول القصيدة.
– المُقلَّة نشراُ، والبعيدة نوعا ما عن الحراك الثقافي، أهو انزواء التفرد والمشغل الإبداعي أم عدم رضى من المشهد الثقافي كله؟
حقيقةً أن طبيعتي ميالة إلى الانعزال نوعاً ما، وإلى الحرص على الخصوصية، والانتقاء، وهذا هو السبب الأساسي في ابتعادي، كما ترون عن المشهد الثقافي، وأرى-دون شك-أن الكثيرين يشاركونني رأيي، بأنه ليس بالمشهد الذي يصبو إليه أكثرنا.
– مؤخرا عدتِ وبقوة من خلال صفحتك على الفيس، وبصورة يومية هل هو اختمار تجربة، أم تسارع حياتي شعري؟
نتاجي غزير منذ أن شكَّلْتُ صفحتي في الفيسبوك، وقد نشرتُ الكثير من القصائد والنصوص فيها، وعموما أكتبُ بغزارة وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى المساحة الواسعة، التي يحتلُها الشعر والكتابة في حياتي، هناك الكثير من الرؤى والأفكار والمشاعر، التي تتزاحم لدي لتجد طريقها إلى أن تتشكلَ في زي قصيدة، وأرى بأن تجارب الإنسان الحياتية، وبيئتَه وظروفه وكل ما يحيط به (خاصةً بيئتُنا) كفيلٌ بأن يكوِّنَ لدينا أرضاً خصبة للشعر، الذي هو الملاذ في الكثير من الحالات، أريدُ أن أقولَ، أن أكتبَ ، أن أنشرَ ما يختمرُ في الذات، التي هي ابنة هذه الظروف.
– هل يتقاعد الشاعر، ومتى، وما مكانة الشعر في حياتك؟
ليس هناك تقاعد عن الشعر، هذا ما أراه، فذاتُ الشاعر الشعرية تدفع الشاعر لأن يعطيها المجال لتظهر رغماً عنه كما أعتقد، هذه الذات المتمردة التي تلح على الظهور كما تريد، ليس هناك تقاعد في الشعر؛ لكن قد يتوقف الشاعر لفترات محددة ويعود مجدداً للكتابة، إلا إذا كانت له ظروف خاصة تمنعه من الكتابة.
أما فيما يتعلق بمكانة الشعر عندي، فأنا أرى الشعر هو تلك الروح التي تعكس ما غمُض في النفسِ والواقع، تعكسُه وتطلقُه قصائد لا تعد ولا تُحصى، بعيون الشعراء، الذين هم كهنةُ ما هو غائب عن عيون مَن لا يكتبون الشعر.
ـ جزءٌ من سيرة سامية إبراهيم..؟
سامية يحيى إبراهيم مواليد عامودا ١٩٦٨م، درست الابتدائية، والإعدادية، والثانوية في مدارس عامودا ومن ثم درستُ في معهد إعداد المعلمين، عملت معلمة لمدة ١٥ عاما، ثم تقاعدت تقاعداً مبكراً، ثم انتقلتُ إلى حلب ودرّست اللغة الإنكليزية في معهد اللغات، أكتب الشعر منذ عشرين عاماً، وأنشر على وسائل التواصل منذ عشر سنوات، شاركتُ في بعض النشاطات، والأمسيات الشعرية، وأعمل حاليا على نشر كتابها الأول قريباً، نشرت في مجلة سيوان، وبعض المواقع الالكترونية.
…………………………
“تمتماتُ عينٍ في الملمَّة”
كان الراقصونَ متعَبين
هذا ما أوحى به العرسُ
للصدى
كانوا مثقَلي القلوب
كانت تنقصُهم أرواحُ العصافير
التي لا تبالي حين تمطر
وحينَ تتوسدُ الأفنانَ
في أهبةِ الهواء
أتعبهم الصيفُ ربما
أو مغازلاتُ الحياةِ الناقصةِ
التي كَبَتْ في فنونِ الترقُّب
كانوا حُفاةً في مجدِ الفرحِ
عُراةً في جُبِّ الترفُّعِ عن المكابدة
للعرسِ كان الطنينُ في أوجِه
والأمهاتُ السمراوات بأنين.
………..
“يتلو الطريدُ مكامِنَ الوجعِ “
هنا انهارَت قُبلةٌ
وهنا تيتَّمَ طائرٌ
هنا انهالَتْ مفجوعةٌ
باللطمِ على يديها الورديتين
اللتين نسيتا إرواءَ ظبي الحكايةِ
وهنا استغرقَ الدوريُّ
في حزنِ المكابدة.
للطريدِ شفةٌ عمياء
تصوغُ جدائلَ من فراغٍ
لبيتِ النجدةِ
له همٌّ من أصيلٍ
ومن شفقِ لاحَ كرماد
أشياؤه غريبةٌ
كنخلةٍ في جوفِ ماء
نخلةٌ عذريةٌ خابت
وبنت أماني عزَّ على الصحبة.
سلسلة «وجوه ثقافية» حوارات يجريها الأديب والصحفي «محمود عبدو» مع عدد من الوجوه والشخصيات الثقافية ذات الأثر المعرفي، والأدبي والفني في مسعىً للتعريف بالكثير من تلك الوجوه الثقافية «الأدبية والفنية».