سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

السوداني ما بين الشرط السوري والفرض التركي

استيرك كلو

مساعي تفعيل نظرية التوافق الإقليمي بشأن الأزمات الموجودة وسُبل حلها لم تُلاقِ أي ترحيب جاد من قِبل أيّة جهة، وخاصةً ما إذا كان الموضوع متعلق بحجم نفوذ السيطرة على أسباب ونتائج المتغيرات الموجودة على الساحة في المنطقة وخاصةً بعد تصاعد الحرب في غزة بين إسرائيل وحماس، والتي فتحت بدورها الباب أمام توازنات أخرى دفعت بالشعب الفلسطيني إلى الغوص في مستنقع يصعب الخلاص منه بسهولة. إلى جانب ذلك كانت سوريا من البلدان الرئيسية التي تأثرت بها، بل إن المنطقة برمتها تسير على صفيح ساخن جراء القضايا المتفاقمة التي تحتاج إلى الحل بأقرب فرصة.

في ظل هذا المناخ أعلن المكتب الرسمي لرئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني قبل فترة عن محاولته في تطبيع العلاقات ما بين حكومة دمشق وأنقرة. وهنا على سبيل التذكير أعلن فيصل المقداد عن رفض حكومته أي لقاء مع تركيا، ما إن لم تُنهِ احتلالها لجميع المناطق المحتلة من الأراضي السوريّة، وقد قُدم هذا الشرط كأولى الشروط للجلوس على الطاولة المستديرة، أما تركيا فلاذت بالصمت. في الفترات السابقة جرت محاولات كثيرة في تقريب كلا الطرفين برعاية روسيّة، ولكن لم تصل إلى أيّة نتيجة وكان ذلك على مستوى بعض الوزراء من الجانبين في موسكو في كانون الأول من عام 2023 وحتى كان لإيران دور هام في هذا الاجتماع، كون سوريا من البلدان التي تهم الشأن الإيراني والروسي على حدٍ سواء.

حاولت روسيا تقليص المسافة بين الطرفين وخاصةً بعد اشتداد الأزمة السوريّة وتصاعد التهديدات التركيّة على سوريا، والتي لم تتوقف إلى اللحظة. مع تنفيذ سوريا لاتفاقية أضنة تحت التهديد التركي، بدأت تنفذ قوتها وسيادتها التي وصل بها الحال إلى التهديد التركي اليومي بـ 30 إلى 40 كم بدلاً من /5 كم/ الموقّع عليه في هذه الاتفاقية. إلى جانب ذلك، مازالت تركيا تدعم ما تُسمي نفسها بـ “الائتلاف الوطني” الذي تستخدمه كمرتزقة ضد حكومة دمشق، وسياساتها في قتل اللاجئين السوريين مستمرة وتحتل صدارة الصحف. أما فيما يخص شمال وشرق سوريا، فالاحتلال التركي يتبع سياسة خاصة ويبحث عن فرصة لقضم مدن أخرى، تتقدم يومياً بحجج شرعنة احتلالها وهجماتها اليومية من قتل المدنيين وحرق ودمار البنى التحتية. فتركيا التي اتهمت بشار الأسد بالديكتاتور، وصرّح أردوغان علناً بأنه قاتل شعبه، كيف لها أن تتوافق مع شروطه تحت ظل هذه الظروف غير المتوازنة؟

 لذا؛ يبدو بأن محاولة العراق في التطبيع بين الطرفين إن لم تكن مستحيلة، فإنها ضرب من الخيال في هذه الظروف، وفي هذا المناخ المشحون بالهجمات والتهديدات. لا يمكن للسوداني سد كل هذه المسافة الشاسعة وخاصةً أن لتركيا نية أخرى وطمع في حصة أكبر ليس في سوريا فحسب بل في العراق أيضاً، عبر الاستمرار في سياسة الاحتلال والتهديد لجميع دول الجوار التي تعيش أعمق مشاكلها.