سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

“حويجة السوافي”… قرية على الفرات سلمت من آلة الحرب..

بضع مئات من الأمتار تفصلها عن الرقة، المدينة التي دمرتها الحرب سنة 2018 وحولتها إلى ركام، حيث تتموضع “حويجة السوافي” على ضفة الفرات اليمنى شرقي جسر الرقة القديم، هنا لا أثر يذكر للحرب، أو لقصف طائرات، ولا لضربات مدفعية أو خدوش رصاصات على الجدران.

الحويجة قرية بجمال طبيعي، ماءٌ يحيط بها من ثلاث جهات، وخضرة دائمة. هذه الحويجة اليوم فما بالك قبل سنين الفوضى، التي نتجت عن توالي القوى العسكرية على الرقة، هكذا يقول أهلها.

ويضيفون لـ”نورث برس” أنها كانت تنعم بغطاء نباتي طبيعي، أشبه ما تكون بأدغال السافانا المدارية، خاصة بتواجد أعواد الزل المنتشرة بكثرة في كافة دروبها، التي يرسمها الفرات على مزاجه، وحسبما يحلو له.

“الشيخ والنهر”

ومنذ بداية الحرب بفعل مرتزقة (داعش) الذين اتخذوا من الرقة معقلاً رئيسياً لهم، انزوى الصياد يوسف حبش /65/ عاماً إلى أدغال حويجة السوافي، ليكسب رزقه من صيد الأسماك إضافةً إلى معاشه التقاعدي.

يعمل حبش بتصنيع شباك الصيد وبيعها للصيادين، أو ربما منحها مجاناً للمغرمين بالصيد والغوص بمياه النهر مثله، فالرجل ظل لمدة /33/ عاماً غواصاً في فوج إطفاء الرقة، حسبما ذكر.

ويصف نفسه مفاخراً في حديثه بأنه “غواصٌ ممتازٌ”.

لا يأبه “حبش” بارتفاع سعر صرف الدولار أو انخفاضه، ولا يشكو من دوام الخدمات أو انعدامها مثل باقي الناس في الرقة، فمعايرته الوحيدة في هذا الكون بقاء الفرات رقراقاً كما عهده قبل الحرب، إذ أن الجميع ممن مرَّ على الرقة عند حبش، ليسوا أبرياء من إهمال بيئة الفرات، والعبث بها، سواء كانوا إسلاميين متطرفين أو معتدلين، أو غيرهم من القوى العسكرية.

يعدد حبش بحرقة مشوبة بألم، أنواع الأسماك التي كانت تتواجد في النهر “الفرخ، البعض يسميه الجزر لثقل وزنه، وله ثلاثة أنواع اختفى وانقرض نتيجة الصيد الجائر، والرومي وهو من أطيب أسماك الفرات، وحالياً بدأ يتراجع، والنوع الذي انقرض نهائياً وهو سمك البُراق، وهناك المجنس، وهو لذيذ”. والوصف هنا لحبش.

ويسهب حبش في التعداد: “هناك سمك الحوار، أو السمك الرملي، ولكنه بدأ يعود رويداً رويداً، وسمك البوري والجري، والكرب وله نوعان الناصري والزازان والبلطة والعاشب والسلور والأسود، وهو مؤذي، وهناك أنواع عديدة منها المشط البحرية والنهرية الأساسية”.

ويعزي حبش السبب في اختفاء أنواع كثيرة من الأسماك، من مياه نهر الفرات عامةً، ومن حويجة السوافي خاصةً، إلى قرب الحويجة من “المدينة التي شهدت معارك عنيفة أدت لطرد مرتزقة داعش منها خريف عام 2017، إذ إن أصوات إطلاق الرصاص الكثيف، والقصف العنيف تسببت بهروب السمك، “فالسمك يفهم لا بل وذكي”.

وهناك أسباب مباشرة أخرى يوردها حبش أدت لتدهور الثروة السمكية في الفرات، وهي حسب قوله: “تدخل ضمن طرق الصيد الجائر كاستخدام الديناميت، والسموم، وهي طرقٌ مُحرمة وممنوعة”.

 والأسباب أوردها الصياد حبش، والتي أدت إلى اختفاء أنواع كثيرة من الأسماك، هي ذاتها المؤدية لعدم تواجد العديد من الحيوانات والطيور التي كانت تعيش في حويجة السوافي فيما سبق ومنها؛ “الأرنب والثعلب والقط البري والذي يُسمى بالوشق، ومن الطيور البط والإوز”.

انعدام الحراج الطبيعية

وفي عام 1968 م، بُني أول منزل في حويجة السوافي، وكانت المنازل بسيطة، إذ إنها تُبنى من اللُبن وتُسقف بأعواد الزل والطرفة الموجودة بكثرة في الحويجة.

وتتذكر السيدة حياة حميدي الفواز /62/ عاماَ من أهالي حويجة السوافي، كيف كانت القرية بداية الاستيطان فيها، والفيضانات التي كانت تغمر أراضيها، وازدياد تعداد سكانها مع مرور الأيام.

وقالت حياة الفواز: “في بداية ثمانينيات القرن الماضي فاض نهر الفرات، وارتفع منسوب المياه، وخشي الأهالي على حياتهم، فعبروا باتجاه ضفة الفرات اليسرى، وتحديداً إلى قرية المشلب المقابلة لأرض الحويجة”.

وتصف حياة الفواز أشجار الحويجة الطبيعية قبل بدء الحرب السورية، بأنها أشجارٌ كثيرة العدد، كثيفةٌ، وأنه لم يقم أي أحد بقطعها أو تكسيرها، كما حدث بعد عام 2011 م، إذ إن البعض قام بتقطيع حتى الأشجار المزروعة في بيته طمعاً بجني بعض المال من بيع الحطب حسب قوله.

واعتبر المهندس الزراعي حسين الجرجب وهو من أبناء حويجة السوافي أن أراضي القرية صالحة لزراعة كل المحاصيل الزراعية، وكافة أنواع الأشجار المثمرة بسبب خصوبتها وتجددها كونها على سرير نهر الفرات مباشرةً.

وأشار الجرب لانعدام الغطاء النباتي في الحويجة في وقتنا الحالي قائلاً: “بسبب تعديات الأهالي على أشجار الحويجة الطبيعية من الغرب والطرفة، إضافةً للعامل الاقتصادي واستخدام هذه الأشجار للتدفئة بدلاً من المحروقات”.

“فيضانات الفرات”

وظلت حويجة السوافي وغيرها من القرى القريبة من نهر الفرات تعاني من أضرار الفيضانات التي لم يتمكن الإنسان من السيطرة عليها، إلا بعد قيام النظام السوري بتشييد سد الفرات في الطبقة /54/ كم، غربي مدينة الرقة في سبعينيات القرن المنصرم.

وبعد انحسار مياه الفرات وتنظيم مجراه بسبب إقامة سد الفرات ودخوله الخدمة، استفاد الفلاحون في الحويجة من توسع رقعة الأرض الزراعية، حسبما ذكر الفلاح مهند الفاضل من أبناء حويجة السوافي.

ويذكر أن انقطاع جسر الرقة القديم وخروجه عن الخدمة نتيجة قصف طائرات التحالف الدولي سنة 2015، حول قرية حويجة السوافي إلى مكان يعبر من خلاله أهالي الريف الجنوبي ومنطقة الشامية عامةً إلى مدينة الرقة بواسطة السفن الصغيرة، كونها تقع قُبالة مدينة الرقة، وظلت على هذه الحال إلى أن قام مجلس الرقة المدني عام 2018بإعادة وتأهيل وترميم جسر الرقة القديم.