سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

السلطات القضائيّة والأمنيّة في عفرين جزء من منظومة الاحتلال

بدرخان نوري_

تشكّلُ السلطاتُ الأمنيّةُ والقضائيّةُ التي أوجدتها أنقرة في عفرين المحتلة جزءاً من المنظومة الاحتلاليّة والتي لا تقتصر على القوات العسكريّة، ولأن الاحتلالَ في أساسه جريمة فإنّه من غير المتوقع أبداً أن تكونَ غاية المؤسسات الأمنيّة والقضائيّة في ظلّ الاحتلالِ إقامة العدالة، بل عُهد إليها مهمة شرعنة الانتهاكات وإصدار الأحكامِ الجائرةِ بحقِّ المواطنين الكرد وإفلات الجناةِ من المُساءلة والعقاب مهما بلغت فداحة الجرائم التي اقترفوها وبلغت حد القتل العمد.
رواية مُفبركة للجريمة
نشرت صفحة ما تسمى “فرع الشرطة العسكرية في عفرين” على موقع فيس بوك يوم الأربعاء 19/6/2024، توضيحاً حول حادث إطلاق النار على حاجز قرب مفرق قرية جوقة على المواطنين الكرديين جمال محمد كولين علي ومحمد وليد عليكو ما أسفر عن إصابتهما مباشرة، واستشهاد المواطن جمال محمد كولين علي لاحقاً في المشفى. وانطوى التوضيح على جملة أكاذيب فيما يتصل بمسألة فتح المجال للزيارات، وقصة هروب مفبركة، ذلك لأنّ الكثيرَ من التدابيرِ الاحترازيّةِ تُتخذ في السجونِ، ويلتقي السجناء بزوّارهم وعوائلهم من وراء القضبان. جاء التوضيح بغاية الإنشائيّة والسطحيّة، دون معلومات واضحة عن تاريخ وتوقيت هروب الموقوف المزعوم، فيما القضية الأهم أنّ الهاربَ الافتراضيّ هو موقوفٌ، وليس مُداناً محكوماً، كما لم يُوصف بالشخصِ الخطرِ.
نحو منتصف ليلة التاسع عشر من حزيران الجاري؛ كان المواطنان: جمال محمد كولين علي (26 سنة) ومحمد وليد عليكو (22 سنة)، من أهالي قرية داركير ــ ناحية معبطلي على متن درجة نارية عائدين من مدينة عفرين إلى قريتهما، ولدى مرورهما من حاجز مسلح تعرّضا لإطلاق نار كثيف ما أدى لإصابتهما بشكلٍ خطر، وليتم إسعافهما إلى مشفى في مدينة عفرين للعلاج.
وتبين أن الحاجز تابع لمرتزقة “القوة المشتركة”، والتي فرضت حراسة على المشفى السوريّ التخصصي، ومنعت عائلتي المصابين جمال ومحمد من زيارتهما للاطمئنان عليهما، كما منعت إدخال الهواتف المحمولة. فيما اجتمع أفرادٌ من عائلة المصابين أمام المشفى، حتى استشهد المواطن جمال محمد كولين في المشفى صباح الجمعة 21/6/2024.
والسيناريو الأكثر ترجيحاً أنّ المواطنين توقفا لدى الحاجز المؤقت، ولكنهما لم يتجاوبا مع عناصره بدفع إتاوة العبور وهي “خوة” تُفرض بقوةِ السلاحِ على عابري الطريق، ومعلوم أنّ المرتزقة في الفصائل والمؤسسات الأمنيّة يستخدمون السلاح لأدنى سبب ويقصدون القتل!!
الوقائع تكذّب التوضيح
الحادث وقع في وقتٍ متأخر من الليلِ، وفي ثالثِ أيام العيدِ، والمكانُ الذي وقع فيه بعيدٌ عن محيط السجن المركزيّ، والموقوف الافتراضيّ هرب نهاراً؛ لأنّ زيارات السجن لا يمكن أن تكون ليلاً. وبفرض الاشتباه بركاب الدراجة فهل يستدعي مجرد الاشتباه إطلاق وابل من الرصاص بقصد القتل، بدليل إصابة شخصين، كانت إصابة أحدهما مميتة، ويُفترضُ إطلاق النار على سبيلِ التحذيرِ في الهواء، تجنباً لأيّ إصابة.
توضيح الشرطة العسكريّة كان كذبة مفضوحة لأنّ المواطنين المصابين بإطلاق النار يعبرون الطريق يومياً، لدواعي العملِ في المدينةِ، وبذلك فهما يحفظان تفاصيل الطريق ويعرفان شخصيّاً عناصر الحواجزِ المسلحةِ والأمنيّةِ…
لم يتضمن بيان الشرطة العسكريّة أيّ معلومات تفيد بأنّ المواطنين اللذين أطلق عليهما النار كان بحوزتهما أي نوع من الممنوعات، ليتهربا من الوقوف على الحاجز، وتلك ثغرة مهمة جداً، بل افتقر التوضيح لأدنى معايير المهنيّة الأمنيّة في صيغته، وكان بغاية الشكليّة والهدف منه مجرد تبرير الحادث وإطلاق النار، بل تجاوز ذلك إلى تحميل الضحايا المسؤوليّة والحديث عن إجراء تحقيق تمييع لجريمة القتل المتعمدة! وأما الإشارة إلى “المحاسبة في حال حصول تجاوزات”، فيعني نفي التجاوز بالمطلق وتبرير الجريمة!
من جهة ثانية عملت مرتزقة “الشرطة العسكريّة” على جعل روايتها للحادثة هي الوحيدة، وفي هذا السياق ذكرت شبكة عفرين بوست أنّ الشرطة العسكريّة اعتقلت صباح يوم ارتكاب الجريمة، المواطن “بكر عدنان بكر” من القرية نفسها وهو الشاهد الوحيد على الجريمة، وكان عائداً من عمله بواسطة دراجة ناريّة أخرى ويسير خلف الدراجة الأولى، وأفرجت عنه بعد تهديده بالقتل إن كشف حيثيات الجريمة، كما فُرض حظر على غرفةِ العنايةِ المشددة التي أُدخل إليها الشابان المصابان ومُنع التصوير ونقل الأخبار؛ وفرض مرتزقة “الحمزات” ما يشبه الحظر على القرية، بمنع الدخول إليها إلا بإذن، وكل هذه الإجراءات من أجل التغطية على الجريمة وإخراج مسرحية تبرئ المجرمين، وتم تداول تسليم الجناة للشرطة العسكريّة دون معلومات تفصيليّة عنهما.
ما حدث ليس غريباً إذ لطالما يُعرف فرع الشرطة العسكريّة في عفرين بممارسة أنواع مختلفة من الانتهاكات والتجاوزات أقلها تهريب السجناء من مرتكبي جرائم تهريب الأشخاص والمخدرات والعناصر الخطرة بمن فيهم مرتزقة “داعش”.
تهريب سجناء خطِرين
“الشرطة العسكريّة” متورطةٌ بالعديدِ من قصصِ تهريب السجناء، وافتعلت قصة حريق في السجنِ المركزيّ لتهريب ثلاثة سجناء من المشفى ادّعت إصابتهم في الحريقِ وتم توثيق ذلك بكاميرا مراقبة في المشفى، وذلك الحادث يؤكدُ أنّ الشرطة العسكريّة يصعبُ عليها تهريب السجناء من السجنِ حتى لو أرادت ذلك، ولجأت للفوضى وافتعال حريق، لتهريب سجناء لم يصابا بالحريق من المشفى.
بعد ظهر 17/11/2023، تم تداول خبر استعصاء وتمرد السجناء داخل سجن ميليشيا الشرطة العسكريّة في قرية ماراته/معراته، ليتدخل على إثرها عناصر ميليشيا الشرطة العسكريّة بعنفٍ لفك الاستعصاء بعنف وأطلق النار عشوائيّاً، وقيل إنّ بعض السجناء أصيبوا، ليتم نقلهم إلى المشفى العسكريّ.
في 20/11/2023 تم تسهيل تهريب المعتقلين الثلاثة من نظارة المشفى العسكريّ، وأظهرت كاميرا المراقبة في المشفى أنّ باب النظارة كان مفتوحًا وأنّ السجناء خرجوا بكلِّ يسرٍ، ومشوا بصورة طبيعيّة ولم يظهر أنّهم كانوا مصابين خلال حادث الاستعصاء، فيما تم إغلاق باب النظارة بعد خروجهم. والمعتقلون الثلاثة الذين هربوا هم:
فراس سالم (أبو بكر)، وهو داعشي أجنبيّ خطير، كان في مجموعة “جيش الأبابيل” التي تمّ حلها سابقًا وقد وصل إلى مدينة الباب في يوم فراره.
المدعوان علي حبوش، ونيس أحمد، وكانا مودعين في السجن دون ضبطٍ إيداع قبل سبعة أشهر، بتهمة تجارة وترويج مخدرات، ويرجح أنهما هربا إلى الأراضي التركيّة.
كلّ ظروف الحادث تؤكد أنّها كانت عملية مدبرة، والاستعصاء مفتعلًا لإخراج المعتقلين من السجن بذريعة إصابتهم، وتسهيل تهريبهم من نظارة المشفى لاحقًا، ولا يمكن أن تنجح العملية إلا بتنسيق بين الثلاثي: أحمد كبصو وأحمد علولو والمساعد محمد الخضر. وتفيد المعلومات أنّ ما جرى كان صفقة مقابل مبلغ 25 ألف دولار عن كلّ معتقل.
المتدخّل في جريمة المجزرة حر طليق
أصدرت محكمة تابعة للسلطات التركيّة قراراً بإطلاق سراح المدعو حسن الضبع (أبو حبيب خشام). وشوهِد حراً طليقاً في ناحية جندريسه، وكانتِ المحكمةُ فيما سبق قد أصدرت قراراً بالسجنِ لمدة ثلاث سنوات بحق المدعو “الضبع”، على ذمةِ قضية قتل أربعة مواطنين كرد من عائلة بيشمرك في جندريسه عشية عيد نوروز 2023، والتي عُرفت باسم “مجزرة نوروز”، فيما صدرت أحكامٌ بالإعدام بحق ثلاثة من مرتزقة “جيش الشرقيّة” التي ينتمي إليها “الضبع” نفسه.
لكن “الضبع” قام بدور رئيسيّ في الجريمة في ركنها المعنويّ بالتحريضِ على القتلِ وشدِّ عزيمةِ القتلة وإعطاء الأمر بإطلاقِ النارِ والانسحابِ من موقع الحادثِ بعد القتلِ، ولذلك كان ابنه أحدَ المشاركين في القتلِ فعليّاً، وكذلك في الركنِ الماديّ عبر إحضار السلاح والمبادرة لإطلاق النار!
قانونيّاً يُحاكم المتدخل في أيّة جريمةٍ وفقاً لدرجةِ تدخله، فيحاكم بنفس عقوبة مرتكبها إن كان تدخله رئيسياً ولم يكن للجريمة أن تقع لولا تدخله، فيما تكون العقوبة أقل إذا كان التدخل ثانويّاً، وفيما يتصل بجرائم القتل فإنّ عقوبة المتدخل ثانوياً لا تقل عن الحبس لمدة 12ــ 20 سنة.
لكن المحكمةَ كانت بالأصلِ تتجه لاعتمادِ قرار بتبرئة “الضبع” كليّاً، وتم تقديم دعماً استثنائياً خلال احتجازه على ذمة التحقيق، وصدر بحقه حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات بقرار قابل للطعن!! وفي أول جلسة للمحكمة: توجه محامي الدفاع عن الضبع إلى زوجة أحد الشهداء بالسؤال: هل أنتِ غاضبةٌ من أبو حبيب؟ فالقضية لا تستوجبُ حتى الغضب، علاوة عن المساءلة!!
بالمطلق لا تعتبر سلطات الاحتلال التركيّ ولا كلّ المعارضة بشقها السياسيّ وفصائلها العسكريّة أنّ قتلَ الكرديّ يعتبر جريمة تستوجب العقوبة أو أي أدنى إجراء قضائيّ وتم طي عشرات ملفات جرائم القتل، وفي العديد منها تم اعتقال مواطنين كرد من عوائل الضحايا وتعريضها للتعذيب لفرض اعترافات عليهم، بل إنّ مسؤولين أمنين تمت ترقيتهم بعد ثبوت ارتكابهم جرائم قتل لمواطنين كردٍ!!! فهل من الممكن مكافأة أبو حبيب خشام بسبب المجزرة؟!
حكم بالبراءة مقابل سيارة فارهة
تداولت أوساط إعلامية والعديد من المواقع خبر تقديم محمد حسين الجاسم/ أبوة عمشة هدية (رشوة) إلى قاضي المحكمة العسكريّة المدعو محمد طيب الموسى لتبرئة شقيقه سيف الجاسم من تهمة اغتصاب زوجة مرتزق.
والهدية المقدمة عبارة عن سيارة حديثة قيمتها 11 ألف دولار أمريكيّ، للحصول على حكم ببراءة شقيقه سيف من جريمة اغتصاب المدعوة ريم بسام الأحمد زوجة المرتزق عماد الفهد الرمود، الذي أُرسل للقتال في ليبيا مرتزقاً. وينحدر القاضي محمد طيب الموسى من منطقة الحولة بريف حمص.
وكانت ريم الأحمد قد اتهمت سيف باغتصابها في مقطع مصور تم تداوله في 30/9/2020، وتبعها زوجها عماد في مقطع آخر، وسرعان ما أجبر الزوجان على تغيير شهاداتهما تحت الضغط والتهديد.
خروج الأهالي في مقاطع مصورة يتراجعون فيها عن اتهامهم لأبو عمشة أو أشقائه أو يتعلق بانتهاك. باتت ظاهرة ثابتة. ومن لا يتراجع عن اتهامه تتم تصفيته كما جرى مع المدعو محمد عمار العمر أبو رشا في 17/7/2023، ولاحقاً ابنه حسام محمد عمار العمر الذي عثرت على جثته في 17/5/2024. في قرية علي كارو ــ ناحية بلبل.
وفي مقطع مصور تم تداوله في 28/8/2018 اتهمت المدعوة إسراء يوسف خليل زوجة أحد العناصر المرتزقة بقيام المدعو “محمد جاسم أبو عمشة” باغتصابها عدة مرات بالإكراه وتحت تهديد السلاح. ليقوم بدفع أموالٍ طائلة للجهاز القضائيّ والجهات الأمنيّة لطي القضية. فيما لا تتوفر معلومات عن مصير المدعوة “إسراء خليل”.
مقتل قياديّ داعشي عراقي الجنسيّة في عفرين!
فيما يتم استهداف المواطنين الكرد بالرصاص الحي دون سبب موجب، فإن مرتزقة “داعش” يحظون مع عوائلهم بالحماية الكاملة وتؤمّن لهم وثائق تمكنهم من التحرك بحرية في المناطق المحتلة التي اَحت ملاذات آمنة لهم.
يوم الأحد 16/6/2024 ضجت المواقع المحسوبة على المعارضة وفصائل المرتزقة بخبر استهداف مخيم كويت الخير بثلاث قذائف، وقالت إنّ مصدرها قوات سوريا الديمقراطيّة، وتبنت ما تسمى “الحكومة المؤقتة” وتقدمت بالتعزية لعائلته… ليتبين أنّ لا حقاً أنّ المستهدف هو المدعو “أبو الليث الجنابي” وهو مسؤول كبير في مرتزقة “داعــش”، وأنّ منفذ الهجوم هو التحالف الدوليّ!!
“الجنابيّ” عراقي الجنسيّة، وهو مسؤول إدارة التجهيز، وكان يحمل هوية مزوّرة باسم أحمد الحسين، صادرة عن مجلس محلي تابع لسلطات الاحتلال التركيّ.
أصدرت القيادة المركزيّة الأمريكيّة “سنتكوم” بياناً حول عملية نفذتها في عفرين جاء فيه: في يوم 16 يونيو/ حزيران، نفذت القيادة المركزيّة الأمريكيّة غارة جويّة في سوريا، ما أسفر عن مقتل أسامة جمال محمد إبراهيم الجنابي، وهو مسؤول كبير في تنظيم داعش. ستؤدي تصفيته إلى تعطيل قدرة داعش على توفير الموارد وتنفيذ الهجمات الإرهابية.
ستواصل القيادة المركزية الأمريكيّة، إلى جانب الحلفاء والشركاء في المنطقة، تنفيذ العمليات الرامية إلى إضعاف القدرات العملياتية لداعش وضمان هزيمته الدائمة. بحسب البيان.
مواقع المعارضة تعاطت مع الخبر بطريقة تُثير التعاطف معه، على أنّ القتيل نازحٌ مغلوبٌ على أمره، وينحدر من حمص… وكان يجمع الحطب بجوار المنزل الذي يسكنه لدى استهدافه!
تمت تصفية “الجنابي” بواسطة طائرة مسيّرة، بجوار المنزل الذي يسكنه، وسُلمت جثته إلى زوجته وقامت مع “شقيقه” بدفنه. وتمّ تداولُ معلوماتٍ تفيدُ بأنّ دوريةً مشتركةً من الشرطة العسكريّة والشرطة المدنيّة، قامت الثلاثاء، بنبش قبره في مقبرة عندان بجبل “ليلون” قرب عفرين، لأخذ عيّنةٍ من الجثةِ، للتحقق من هوية القتيل. كلّ القضايا التي وقعت في عفرين المحتلة تؤكد بأنّ المؤسسات الأمنية والقضائية التي أوجدها الاحتلال التركيّ هي جزء مهم من منظومة الاحتلال ومهمتها التضييق على المواطنين الكرد وتمييع القضايا الحقوقيّة وتبرئة الجناة.