الرقود…صرخة ألم في الوجود

إعداد/ هايستان أحمد –

على بعد 80 كم من “دير الزور” يقع جبل “مرقدة” والذي يضم رفات الأرمن وترجع تسميته إلى “الرقود” بعد مجزرة الدولة العثمانية عام 1915م، وقد تم اكتشاف هذا المكان أثناء حفر لإنشاء الأساس لمدرسة ابتدائية تقع على الطريق العام بين “دير الزور والحسكة”، وهي عبارة عن هضبة كاملة من العظام يكفي أن تحرك التراب بيديك لترى العظام مدفونة على تلّة ارتفاعها 20 متراً كلها عظام، ففي كل عام يقصد الأرمن “دير الزور” من كافة أصقاع الأرض تخليداً لشهدائهم المدفونين على أرضنا الطيبة يزورون ضحاياهم ويتلون الصلوات في ذكرى مذبحة الأرمن الشهيرة واعتبرت آخر مرحلة من مراحل التهجير والإبادة التي وقعت بتاريخ 1915م.

في كل عام يقوم الحجيج الأرمن بزيارة كنيسة شهداء الأرمن “بدير الزور” ومن ثم يتوجهون إلى “جبل مرقدة” الواقع بين دير الزور والحسكة وهو بمثابة مقبرة جماعيّة يبحثون فيه عن رفات أجدادهم، وترجع تسميتها “مرقدة” إلى “الرقود” حيث رقد فيها “الأرمن” الرقود السرمدي وذلك بعد مجزرة 1915 التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحق الأرمن، ويوجد في البلدة ضريح “رمزي” العظام الموجودة في الجبل، في أحد المواقع التي شهدت عملية تصفية للأرمن أثناء فرارهم من المذابح ونقلهم من جنوب تركيا إلى “دير الزور”، كما يوجد فيها جبل الحمة “حمة ماكسين” حيث قال الشاعر “حميد الوافي” عنها: “ولقد بحمة ماكسين ذكرتها/ أنثى ولكن ليست كالفتيات”، ومازال الأرمن إلى اليوم يرددون عبارة شهيرة: “لولا دير الزور لما بقي أرمني واحد على وجه الأرض”.

أما كنيسة الأرمن في مدينة دير الزور، وتعرف بـ ” كنيسة شهداء الأرمن” فيقصدها الحجيج في كل عام، والكنيسة تعتبر من الأماكن المهمة في “دير الزور” من حيث دلالتها وقيمتها المعنوية.

تم وضع حجر الأساس لهذه الكنيسة م 1985، ودُشِّنت عام 1991 بحضور قداسة الكوليكوس كاركين الثاني. وهكذا تم إنجاز هذا الصرح المعماري العظيم لتخليد شهداء الأرمن، منتصباً بشموخ ليروي قصة ذلك التاريخ الغارق بفيض الأحزان والآلام.

 يتألف الصرح من مدخل رئيسي يرتفع نحو الساحة بمدرج يشير إلى المآسي والنكبات التي تعرّض لها الشعب الأرمني. أما واجهة المدخل الرئيسي من الطرف الداخلي، فهي زخرفة بحمامٍ وصلبان منحوتة بدقة متناهية، ومعبّرة عن حب الأرمن للسلام، ونضالهم وتضحيتهم لتحقيقه. ويطالعنا إلى يمين الساحة جدار الصداقة، وهو منمّق بزخارف ونقوش بالطابعين العربي والأرمني، معبّراً عن الصداقة الحميمة بين هذين الشعبين المُتآخيّين.

وأُقيم مقابل المدخل الرئيسي للصرح نصبٌ تذكاري ضخم يخلّد ذكرى الشهداء، ويتوسطه خاتشكار (حجر الصليب) جيء به من أرمينيا، تشعل أمامه بصفة دائمة شعلة الخلود، وعلى جانبيه خمسة نماذج لنصب شهداء الأرمن موجودة في أنحاء العالم. أما في أسفل الكنيسة فيوجد صالة يرتفع منها عمود يخترق منتصف الكنيسة ويسمّى بعمود الانبعاث، دُفن في أساسه بقايا من عظام الشهداء ورفاتهم التي انتشلت من مواقع عدة “كالشدادي” ومرقدة في الجزيرة السورية ودير الزور. كما تحوي الصالة واجهات عرض لكتب ومنشورات وصور وثائقية تحكي حكاية الشعب الأرمني ومآسيه.

من الصعب وصف ما يبوح به هذا الصرح بالكلمات أو بالصور، بل لا بد من رؤيته بالعين والشعور به بالروح. هذا الصرح المقدس المبني بحجر المرمر هو بحق تجسيد لكلمات الاحتجاج في قصيدة (برج الجرس الذي لا يسكت) للشاعر الأرمني “باروير سيفاك”… “حل الربيع، لكن الثلج ما زال يتساقط”.