سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الرضيع المسروق “بشير” يكشف حقيقة تعامل تركيا مع السوريين

تحقيق/ صلاح إيبو

يحاول الأب “عكيد حبش” متابعة مسيرة الكشف عن مصير ابنه الذي قالت السلطات التركية “أنه مات” دون إعطاء جثمان الرضيع لذويه أو أوراق ثبوتية تؤكد ادعائهم هذا، ولمنع كشف الحقيقة عمدت السلطات إلى سجن الأب والأم وطفليهما وترحيلهم قسراً إلى شمال سوريا بعد شهرين، ليكونوا لقمة سائغة لمرتزقتها هناك، ويتابع الأب اليوم بحثه عن مصير ابنه الذي فُقِد أثره في مشفى بإسطنبول عبر رفع دعوة أمام مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لكن هل ستنصف المنظمات الأممية أبناء عفرين؟!!.
خلافاً لكافة الادعاءات التركية التي تقول أنها تسعى لتأمين حياة آمنة للسوريين العائدين إلى المناطق التي احتلتها تركيا في سوريا، وأنها لن تجبر أحد من السوريين للخروج عنوة من تركيا، هنا قصة “عكيد حبش” وعائلته الكردية المنحدرة من مقاطعة عفرين المحتلة، تكشف اللثام عن خطط تركيا للتغيير الديمغرافي ومحاولة إبادة الكُرد على وجه التحديد.
تعمدت السلطات التركية منذ قرابة ثلاثة أشهر تحميل الأب والأم مسؤولية “وفاة” ابنهم “بشير”، على حد قول الأطباء في مشفى حكومي بإسطنبول، ووضع العائلة أمام خيارين أما قضاء عقوبة السجن عشر سنوات أو توقيع أوراق الخروج من تركيا باتجاه سوريا، وبالتحديد “مقاطعة عفرين المحتلة”، وهنا لم يستطيع عكيد الحصول على جثمان ابنه الرضيع أو الحصول على أوراق وفاة رسمية من المشفى، مما ولّد الشك لديه عن مصيره وهل حقاً فقد حياته، أم أنه ثمة أشياء مخفية وراء إخراجه القسري من تركيا، لذا فضل الأب الذي يعيش اليوم في مخيم العودة بناحية شيراوا رفع دعوة قضائية لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة لكشف مصير ابنه، والأسباب الحقيقة لانتهاك تركيا قوانين الهجرة واللاجئين التي تتقاضى تركيا ملايين اليوروهات لقائها من أوروبا؟!!.
عكيد حبش وزوجته فيلا توجهوا عام 2017 إلى تركيا بهدف العمل وتغير واقعهم المادي، استقرا بهم الحال في إسطنبول وحصلوا على الهوية المؤقتة أو ما يعرف بالـ “كمليك” هناك بين السوريين، ورزقوا بطفلة اسموها “مودات” ولكن تلك الفتاة التي تبلغ اليوم عام ونصف تعاني من خلع ولادة ولا تستطيع المشي، ولم تتمكن العائلة إلى هذه اللحظة معالجة طفلتهم هذه، وبعد سنوات رزقوا بطفلين توأمين “بشير وجميل” ولكن لم تنعم العائلة الكردية هذه بفرحة زيادة أفراد عائلتهم.
عكيد الذي كان يعمل في ورشة حدادة بإحدى ضواحي إسطنبول قال: “كنت أعمل أكثر من 15 ساعة في اليوم، وما أتقاضاه لم أستطيع توفير شيء منه بسبب التضخم والغلاء في الآونة الأخيرة بتركيا”، ويُشير عكيد أنه لم يحصل على أي مساعدة من الحكومة التركية رغم امتلاكه “الكمليك”.
وتطرق عكيد إلى يوم الحادث الذي كشف نظرة الدولة التركية للسوريين ولاسيما الكرد الموجودين على أراضيها، قال ان طفله بشير كان يعاني من ضيق تنفس منذ الولادة، وفي إحدى الليالي انتابته موجة ضيق تنفس وعلى إثرها تم نقله إلى مشفى حكومي بإسطنبول، ولكن المفاجئة كانت، “اتهام الكادر الطبي هناك للأب والأم بقتل الرضيع بشير!!”، ويؤكد الوالد ان هذا الادعاء باطل، إذ حاولت العائلة فعل ما تستطيع لإنقاذ حياة ابنه.
مصير مشكوك للرضيع “بشير”
وبعد مطالبة الأب بجثمان ابنه لدفنه، امتنع الأطباء عن ذلك، وهنا انتاب الأب حالة من الشك عن مصير ابنه، وتابع بالقول “لم يعطوني جثمان بشير، ولا حتى أوراق ثبوتية، وأنا متأكد انه لم يمت”.
وتقول الأم أن الرضيع كان يتنفس بصعوبة لحظة وصولهم إلى المشفى، لكن الكادر الطبي قال أنه توفي، وقاموا باستدعاء الشرطة التركية، وهنا وضعت العائلة بأكملها في الحجز الاحتياطي بتهمة قتل الرضيع”.
وبعد أيام من الحجز، حاولت الشرطة التركية سلب العائلة أطفالها “توأم الرضيع بشير وأخته مودات” لكن الأم تمسكت بأطفالها ولم تسمح للشرطة أخذهما، وهنا وبعد شهرين من الحجز وضعت الشرطة التركية العائلة أمام خيارين لا ثالث لهما “أما الرحيل عن تركيا بعد توقيع أوراق الخروج الطوعي في قسم الشرطة، أو مواجهة السجن والعقوبة المتوقعة هنا كانت عشر سنوات من السحن”.
أرغمت العائلة على قبول الترحيل القسري، وهنا فضلت الشرطة التركية ترحيلهم إلى عفرين عبر معبر قرية حمام الذي استحدثته سلطات الاحتلال، وتم بالفعل ترحيل العائلة في شهر تشرين الأول إلى ناحية جنديريسة في عفرين، وهناك مكثت العائلة عند أحد الأصدقاء نتيجة استيلاء المرتزقة على منزل والده في بلدة جنديريسة ومنعه من العودة.
“أرحل عن عفرين ليس للكُرد مكاناً هنا”
هناك في مسقط رأسه، الذي بات اليوم محتلاً، كان عكيد وعائلته شاهداً على عدد من انتهاكات مرتزقة تركيا، بداية منع المستوطنين عكيد من العودة للسكن في بيت والده الذي أرغم على الهجرة القسرية من عفرين بعد العدوان التركي، وقال المستوطن الذي ينتمي إلى مرتزقة الحمزات لعكيد: “ليس لك مكان هنا، اذهب إلى الشهباء حيث يتواجد الكرد، ليس للكُرد مكاناً في عفرين”، هذه الكلمات تدل على سياسة التغيير الديمغرافي التي تنتهجها تركيا في عفرين بيد مرتزقتها.
وقال عكيد أنه رأى وسمع عن انتهاكات جمة من قتل ونهب واغتصاب النساء، وتابع: “كنت ضيفاً عند أحد أصدقائي، شاهدنا في إحدى الليالي قيام ما يعرف بالشرطة العسكرية باختطاف أحد معارفنا من منزله، وبعد عدة أيام تم إلقائه أمام باب داره لا يستطيع الحراك من شدة التعذيب”، وأكد عكيد ان المُختطف يعاني من شلل نصفي اليوم وباتت عائلته المؤلفة من خمسة أفراد بدون معيل، وتحدث عكيد عن حالات عدة من خطف ونهب، منها إصابة عدد من الرجال بأمراض نفسية نتيجة تجاوزات مرتزقة الاحتلال، وذكر بعض التفاصيل التي لا يمكن للمرء تصديقها أو نشرها على الإعلام.
وبعد عدة أسابيع فضل عكيد الخروج من عفرين إلى مقاطعة الشهباء حيث يقطن اليوم قرابة 250 ألف نازح من مُهجري عفرين، وكانت رحلة الخروج هي الأخرى محفوفة بالمخاطر ودفع خلالها عكيد مبلغ 800 دولار أمريكي لأحد المتعاملين مع المرتزقة لتهريبه إلى قرى ناحية شيراوا.
 عكيد يتابع قضية ابنه الرضيع من مخيم العودة
واليوم تقطن العائلة في مخيم العودة بقرية الزيارة، إلا ان أوضاعهم النفسية والمعيشية صعبة جداً، الطفلة مودات تعاني من خلع ولادة ولم يستطيع الأبوين بعد معالجتها، والخيمة التي يقطنها اليوم شبه خالية، قدمت إدارة المخيم بعض الحاجيات الأساسية، وعملت بعض العائلات على تقديم مستلزمات أخرى.
ولكن رغم كل شيء يحاول الوالد متابعة قضية ابنه المفقود، إذ توجه إلى منظمة حقوق الإنسان في عفرين بهدف رفع دعوى ضد تركيا، ومحاولة كشف مصير ابنه، وبدورها وثقت المنظمة حالة العائلة العفرينية التي تم طردها مرغمة من تركيا وكانت شاهدة على انتهاكات جمة في عفرين، ورُفعت الدعوى إلى منظمة الأمم المتحدة، ولكن رغم كل شيء يحاول الوالد متابعة قضية ابنه المفقود، إذ توجه عكيد إلى منظمة حقوق الإنسان في عفرين بهدف رفع دعوة ضد تركيا، ومحاولة كشف مصير ابنه، وبدورها وثقت المنظمة حالة العائلة العفرينية التي تم طردها مرغمة من تركيا وكانت شاهدة على انتهاكات جمة في عفرين، ورفعت الدعوة على منظمة الأمم المتحدة عن طريق إحدى المنظمات المتعاونة.
ويرجح بعض الحقوقيين، أن تكون الحكومة التركية مسؤولة عن فقدان بعض الأسر لأطفالهم، بغية استفادة الأجهزة الأمنية من هؤلاء الأطفال في المستقبل ضمن أجهزتها، بعد تأهيلهم عبر مراكز إيواء خاصة، وكان هذا الأسلوب متبع في زمان السلاطين العثمانيين، ومن منجزاته آنذاك “الجيش الإنكشاري”، الذي استخدمه العثمانيين للاحتلال الدول العربية.
أهداف تركيا من التهجير القسري للسوريين من تركيا
ويقول إبراهيم شيخو رئيس منظمة حقوق الإنسان في عفرين، ان هذه الحالة تمثل حقيقة تعامل تركيا مع النازحين السوريين هناك، وقال إن تركيا رحلت خلال خمسة أشهر فقط قرابة 18 ألف نازح سوري من أراضيها، بحجج مختلفة، ويرجع شيخو هذا السلوك التركي إلى أسباب سياسية، وهي بالدرجة الأولى ضم هؤلاء إلى أعداد السوريين العائدين إلى سوريا والترويج الإعلامي الزائف لما يسمى بالأمن في المناطق المحتلة، إضافة للمضي بتغير ديمغرافية المناطق المحتلة من قبل تركيا، إذ ترغم تركيا العائدين بالتوجه إلى إدلب أو عفرين أو إعزاز، وهنا تكون تركيا المستفيد الوحيد في ترحيل السوريين عنوة.
منظمات دولية لم ولن تغير من الحال شيء!!
واليوم بات ملف هذه العائلة أمام مكتب حقوق الإنسان للأمم المتحدة، لكن هل سيغير ذلك شيء؟!!، منذ احتلال تركيا لعفرين أواخر أذار 2018، رفعت العديد من الملفات الموثّقة بالصور والشواهد الحية لمكاتب الأمم المتحدة عن انتهاكات تركيا ومرتزقتها في عفرين والشمال السوري، لكن لم يغير ذلك شيء بعد مضي عامين على العدوان التركي، فقط اكتفت تلك المنظمات ببيانات وتقارير لم تغير من واقع الحال شيءً، فهل سينصفون هذه العائلة؟!!!.