سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الدولة الليبيّة من المنظور الإفريقي 1|2

د. علي أبو الخير

ليبيا من المنظور الإفريقي

النظر إلى الأزمة الليبية التي تختص بليبيا وحدها، ولا بالدول العربية، بل هي مشكلة داخلية ثم إفريقية، والمشاكل الإفريقية تُلقي بظلالها على الشأن الليبي، ولكن أيضاً نجد أن ليبيا دولة غنية بالنفط وقليلة بعدد السكان، وظلت الدولة مستقرة سياسياً واقتصادياً خلال حكم معمر القذافي رغم استبداده وقسوته.

إن قارة إفريقيا قارة غنية بالمعادن المختلفة، نفط ويورانيوم وألماس ومنغنيز وفوسفات وغيرها من المعادن، ولكنها تعيش الفقر والجوع والمجاعات كما حدث في الصومال، وتعيش الحروب الأهلية كما حدث ويحدث في السودان، وفي رواندا وبوروندي … إلخ، أيضاً أغلب الانقلابات العسكرية حدثت في دول غرب وجنوب غرب الصحراء الكبرى، وكانت الانقلابات العسكرية في إفريقيا تعدُّ حدثاً منتظماً في العقود التي تلت الاستقلال، لكنها، أصبحت – فيما يبدو – حدثاً أكثر تكراراً، وقبل إعلان تولي عسكريين السلطة في الغابون الأربعاء الفائت، كانت النيجر آخر دولة إفريقية تشهد انقلاباً، ووقعت محاولتين في بوركينا فاسو في عام 2022، إضافةً إلى محاولات انقلاب فاشلة في غينيا بيساو، وغامبيا، وجزيرة ساو تومي وبرينسيبي.

قبل الكتابة عن ليبيا من منظور إفريقي، نجد ضرورة الحديث عن مشاكل القارة الإفريقية.

واجهت القارة الإفريقية، خلال عام 2022 أزمات وتحديات كبرى سيشكل بعضها تحديات مستمرة خلال عام 2023 بينما قليل منها المتعلق ببعض الصراعات المسلحة ربما يحظى بتراجع في مستوى التوتر.

وقد تكون أكثر الأزمات حدة في إفريقيا هي المتعلقة بتراجع مؤشرات الأمن الغذائي، كنتيجة رئيسة لظواهر تغير المناخ واستمرار بعض النزاعات المسلحة، وكذلك تصاعد ظاهرة الإرهاب.

وقد يشكل ارتفاع مؤشر الديون في الدول الأفريقية جنوب الصحراء مؤشراً رئيساً آخر إلى تنامي حدة ظاهرتي الفقر والفقر المدقع. وربما يكون تحدي الفقر وتراجع قدرات دول جنوب القارة الأفريقية من بين دوافع الاستراتيجية الأميركية المعلنة في آب2022 في شأن دول جنوب القارة الأفريقية ولكن السؤال هو، هل مثل هذه الاستراتيجيات ستكون ناجعة خلال عام 2023 في التخفيف من حدة المشكلات الأفريقية، خصوصاً أن الحرب الروسية- الأوكرانية ما زالت مستمرة والتوقعات في شأن انتهائها تبدو ضئيلة بعدما اتضح أنها حال من حالات استمرار للصراع الغربي الشرقي المحتدم منذ ما يزيد على قرن من عمر البشرية.

عوامل الأزمات الأفريقيّة

انعكاس التغيّر المناخي على إفريقيا برز في حالات الطقس المتطرف كالفيضانات والعواصف الاستوائية والجفاف، فالظاهرة الأولى تسببت في مقتل المئات وتشريد الآلاف في جنوب السودان والنيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا وتشاد، حيث ألحقت مياه الفيضانات أضراراً بأكثر من مليون شخص في هذه المناطق والدول.

وطبقاً لمؤشرات الأمم المتحدة في نهاية تشرين أول 2022، فإن أكثر من 3.4 مليون شخص نزحوا في غرب إفريقيا ووسطها خلال عام 2022 كنتيجة لأسوأ فيضانات منذ 10 أعوام، إذ إنها شردت 1.3 مليون شخص بنيجيريا، وأثرت في أكثر من 2.8 مليون آخرين، بينما أوقعت 300 قتيل في جنوب إفريقيا ودمرت عدداً من الجسور والطرق (كل الأرقام من الدكتورة أماني الطويل موقع https://www.independentarabia.com/)

أما الجفاف، فظهرت نتائجه في تلف المحاصيل ونفوق الماشية التي تعد إحدى وسائل حياة ملايين الأفارقة. وطبقاً لتقديرات أطلقها برنامج الغذاء العالمي في ربيع 2022، فقد رصد معاناة حوالي 13 مليون أفريقي من أخطار المجاعة يتركزون في شرق القارة، ولكن مع خريف العام نفسه ارتفع العدد ليلامس حاجز 20 مليون نسمة يعانون بالفعل من الجوع، بينهم سبعة ملايين في الصومال فقط، وهو الرقم الذي تضاعف خلال نصف عام، وبطبيعة الحال أسهم الجفاف في نقصٍ حاد في المياه وجفاف المراعي وهلاك الماشية وكلها معطيات كانت فاعلة ومؤثرة في نشوب صراعات قبلية على الكلأ والماء، بحيث سيطرت على بعضها ميليشيات مسلحة مثل “حركة شباب” المتشددة في الصومال، كما تسببت في نزاعات قبلية في كل من مالي والنيجر.

وتحت مظلة تراجع مؤشرات المساعدات الإنسانية ونقص التمويل من الدول المانحة فإنه مع بداية عام 2023 يواجه 26 مليون شخص في شرق إفريقيا المعاناة الأكبر، خصوصاً في مناطق مثل شرق إثيوبيا وشرق كينيا وجنوب الصومال وجنوب السودان، والأسوأ بالفعل هو ارتفاع معدلات الوفاة لتكون بمعدل أربعة أطفال واثنين بالغين من بين كل 10 آلاف شخص، وذلك مع وجود توقعات بمستويات متصاعدة من سوء التغذية بين الأطفال تحت عمر خمس سنوات.

المشهد الاقتصادي الإجمالي في إفريقيا تقدم بعض مفرداته تقارير البنك الدولي في شأن الحالة الاقتصادية الإفريقية بشكل عام، إذ إن معدل النمو بلغ 3.6 في المائة عام 2022، منخفضاً من معدل سابق عند 4 في المئة بسبب متحورات فيروس كورونا المستمرة وارتفاع معدلات التضخم العالمي وتعطل الإمدادات، خصوصاً الغذائية منها. ومما يفاقم الأوضاع في إفريقيا صعود الأسعار العالمية للسلع الأولية التي تزداد بوتيرة أسرع منذ بداية الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بحيث تأثر 35 بلداً إفريقيا من أصل 55 بسبب الاعتماد على صادرات القمح والحبوب الأخرى وكذلك الزيوت من روسيا وأوكرانيا، كما أن 22 دولة تستورد الأسمدة منهما.

ومن تفاصيل هذا المشهد القاتم أيضاً، تأثر اقتصاد إفريقيا جنوب الصحراء بتراجع الأوضاع المالية العالمية وانخفاض التدفقات المالية الأجنبية بسبب ارتفاع أسعار الوقود والطاقة بشكلٍ عام، كذلك المواد الغذائية، مما سيؤدي إلى زيادة معدل التضخم في مختلف البلدان الأفريقية، بما يضر بالمواطنين الفقراء والأكثر احتياجاً، لا سيما أولئك الذين يعيشون في المناطق الحضرية.

في هذا السياق المأزوم ربما تكون أهم التوقعات في شأن عام 2023 في إفريقيا تفاقم أزمة الديون التي تُثقل كاهل الأفارقة بالفعل، فتكون مماثلة لتلك الأزمات التي شهدتها كل من أميركا اللاتينية اعتباراً من ثمانينيات القرن الماضي أو الأزمة الآسيوية في تسعينيات القرن ذاته، أو تلك المتعلقة بالأزمات المالية العالمية مثل أزمة 2007 – 2009 أو أزمة كورونا.

وطبقاً للمؤشرات الاقتصادية فإن إجمالي حجم ديون إفريقيا عام 2021 كان تريليون دولار، منها 702.4 مليون دولار لدول جنوب الصحراء التي تضاعفت اعتباراً من عام 2012، إذ إنها كانت لا تزيد على 380 مليون دولار فقط.

تلك بعض المشكلات التي توجه القارة السمراء، وننطلق من خلالها للوضع في ليبيا الأفريقية…